جرائم الرشوة وتزوير أختام الدولة تسقط مستشارا بوزارة الرباح بحكومة بنكيران
وعد مستثمرا إيطاليا بأربع صفقات مع الوزارة مقابل رشوة قيمتها 250 مليونا
حمزة سعود
لم يتوقع جييوا شينو فيسوري، وهو مستثمر إيطالي، أن تتحول حياته إلى متاهة في يوم من الأيام، بسبب تلاعبات مستشار بوزارة عزيز الرباح، حين توليه حقيبة التجهيز والنقل بحكومة بنكيران. يتعلق الأمر برضوان قديري، الذي قاد سنة 2009 شبكة لتهريب البشر عبر «الزواج الأبيض».
وكان المستثمر الإيطالي يسعى إلى استثمار ملايين الدراهم في مشاريع لتهيئة الطرق بالمغرب، إلا أنه سقط بين أيد دفعته لبيع كل ما يملك من أجل تغطية ديون ما زالت في ذمته إلى الآن، بسبب وعود كاذبة بالحصول على صفقات مقابل حوالي 250 مليون سنتيم رشوة.
أربعة مشاريع وُعد المستثمر الإيطالي بالحصول عليها، من طرف مستشار عزيز الرباح، تتعلق بإنشاء مقر للشرطة بسلا، وصفقة مكيفات هوائية والطريق المزدوج بين الرباط والقنيطرة واستغلال مقلع للرمال، مع تسليمه وثيقة مزورة تحمل توقيع الوزير عزيز الرباح، لجلب مزيد من المستثمرين..
تعود تفاصيل القصة التي دارت كواليسها داخل أسوار وزارة عزيز الرباح إلى سنة 2011، خلال فترة تولي الرباح حقيبة التجهيز والنقل. داخل إسطبل شهير بالقنيطرة، كان بمثابة فضاء لتنزه العائلات القريبة من المدينة والقاطنة بالرباط وسلا والنواحي، اصطاد مستشار الرباح المستثمر الإيطالي، جييوا شينو فيسوري.
داخل ذلك الإسطبل دار أول لقاء بين المستثمر الإيطالي جييوا شينو فيسوري، حيث حل بالمغرب سنة 2006 وبات منذ سنة 2010 ممثلا قانونيا ومستشارا لمجموعة من الشركات الإيطالية بالمغرب، ورضوان قديري الذي كان حينها مستشارا بديوان عزيز الرباح.. وأكد فيسوري، في حديثه مع «الأخبار»، أن قديري سعى بكل السبل إلى التقرب منه وإيهامه بنفوذه وسلطاته الواسعة في اتخاذ القرارات.
وخلال تردده المستمر على الإسطبل الذي كان يضم أزيد من خمسة أحصنة خاصة بالمستثمر الإيطالي فيسوري، وتنتمي لسلالات عريقة وتتمتع بصحة جيدة، بواسطتها تمكن مستشار الرباح حينها من التقرب إلى المستشار الإيطالي بسرعة.
أولى الخطوات كانت بإعادة تهيئة الإسطبل، وتخصيص حيز مهم لفائدة خيول المستثمر الإيطالي بشكل مجاني. الفكرة اقترحها عليه قديري أشهرا قبل تنفيذها وأوضح له حينها أن صلاحياته ونفوذه يسمحان له بإنشاء جمعية جديدة داخل الإسطبل يكون للمستثمر الإيطالي صوت قوي داخلها.
وأكد مستشار عزيز الرباح، حينها، للمستثمر الإيطالي جييوا شينو فيسوري، أنه مقرب من العائلة الملكية، وادعى، في عدد من المناسبات، أنه يعمل لصالحها في عدد من المشاريع.
بعد أشهر، تمت العملية بنجاح، وتمت إعادة تهيئة الإسطبل بالشكل الذي كان مقترحا، وهو ما أقنع به قديري، مستشار عزيز الرباح بوزارة التجهيز والنقل، حينها، المستثمر الإيطالي جييوا شينو فيسوري، لتبدأ فصول عملية نصب، يَقُول فيسوري إنها ماكرة، باسم الملك والحكومة المغربية.
صفقات مقابل رشوة
من بين المشاريع التي وعد بها رضوان قديري، المستثمر الإيطالي جييوا شينو فيسوري، الطريق المزدوج بين الرباط والقنيطرة، وصفقة ثانية تتعلق ببناء مقر لدائرة الشرطة بمدينة سلا.. وعاد قديري من جديد، خلال سنة 2012، ليقدم تفاصيل جديدة للمستثمر الإيطالي عن صفقة ثالثة تتعلق باستغلال مقلع للرمال.
مقلع الرمال الموعود لم يمر على المستثمر الإيطالي، دون استفادة قديري من مبلغ مالي لقاء وعود بالتكفل بكافة الإجراءات الإدارية المتعلقة باستغلاله، بحيث طلب قديري من المستثمر الإيطالي مبلغ 800 ألف درهم، وبدل أن يدفع له المبلغ نقدا أمره بأداء ثمن شقة تتواجد بالرباط، لفائدة المعني بالأمر على مستوى أحد مكاتب الموثقين بتمارة.
وكان جييوا شينو فيسوري، المستثمر الإيطالي، دخل المغرب سنة 2006، واستقر بمدينة القنيطرة، وأطلق، أشهرا بعد ذلك، مشروعا متخصصا في استيراد الفواكه من إيطاليا، بمعية شريك مغربي، وأنجز، في الوقت نفسه، شركة للاستشارة القانونية للإيطاليين الراغبين في الاستثمار بالمغرب.
وأكد المستثمر الإيطالي، جييوا شينو فيسوري، أنه منح رضوان قديري مبلغ 129 مليون سنتيم، خلال سريان البحث، ولم يسبق له أن اقترض أية مبالغ مالية منه.
وفي حديث «الأخبار» مع المستثمر الإيطالي، أكد أن الصفقة الرابعة التي دفع مقابل «حجزها» حسب شروط مستشار الرباح، والمتعلقة بالمكيفات الهوائية، كانت حاسمة في كشف تلاعب قديري، حيث اكتشف فيسوري أن الصفقة حسمت لفائدة إحدى الشركات قبل أشهر من تسديده مبلغ 12 مليون سنتيم إضافية لفائدة المستشار المذكور.
وأوهم رضوان قديري المستثمر الإيطالي، حينها، بتمكينه من نيل صفقات عمومية أخرى، ومقابل وعوده تسلم منه شيكا في اسمه كمستفيد بقيمة 800 ألف درهم مسحوبا من إحدى الوكالات البنكية، وهو الشيك الذي اقتنى به عقارا عبارة عن شقة بالرباط، فوتها لأبنائه، ليكتشف الإيطالي تعرضه لعملية نصب بعد مرور آجال الصفقات التي وعده بها قديري.
وثيقة مزورة وشيك
من أجل محاولة إقناع المستثمر الإيطالي بفوزه بالصفقات الأربع، لجأ رضوان قديري إلى استصدار وثيقة رسمية «مزورة» تحمل توقيع عزيز الرباح، وزير التجهيز والنقل حينها، ويشير مضمونها الوارد باللغة الفرنسية إلى أن فيسوري أصبح بمثابة ممثل للوزارة بأوروبا، وخاصة إيطاليا.
وكشفت الوثيقة، التي (تتوفر «الأخبار» على نسخة منها)، عن سعي وزارة الرباح، حينها، إلى التعاون مع المستثمر الإيطالي، رغبة من المستشار المذكور في جلب مزيد من الضحايا وإسقاطهم على المنوال نفسه في شباك وعوده بنيل الصفقات.
وسعى رضوان قديري إلى تقديم الوثيقة للمستثمر الإيطالي، منتصف يناير من سنة 2012، بغاية إقناعه بجلب مزيد من المستثمرين، وإمكانية حصوله بدوره على صفقات أخرى.
ومن بين الوثائق التي احتفظ بها المستثمر الإيطالي، شيك مدفوع لصالح مستشار الرباح، رضوان قديري، قيمته الإجمالية 80 مليون سنتيم، وهي الوثيقة التي نالت حيزا مهما خلال سريان البحث مع عناصر الشرطة القضائية.
جرائم ارتشاء بغرفة الجنايات
فور تقديم المستثمر الإيطالي شكاية لدى الوكيل العام بمحكمة الاستئناف، غادر مستشار الرباح منصبه، وتحديدا خلال فترة «البلوكاج» الحكومي، وهي الفترة نفسها التي انكشفت فيها مجموعة من الفضائح المتعلقة بوعوده للمستثمر الإيطالي بمنحه صفقات لقاء مبالغ مالية وشيكات.
وأمر الوكيل العام بإحالة المتهم رضوان قديري على غرفة الجنايات لمحاكمته من أجل جرائم الارتشاء عن طريق تسلم مبالغ مالية للقيام بعمل من أعمال الوظيفة، والتزوير في شهادة إدارية وتزييف خاتم الدولة واستعماله، وهي الجرائم المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصول 248 و360 و342 من القانون الجنائي.
وأدانت محكمة الاستئناف بالرباط قديري، الذي يُسير حاليا مركبا رياضيا، ويرأس جامعة الكفاءات المغربية المقيمة بالخارج، التي يوجد مقرها العام ببلجيكا وتحديدا بالعاصمة بروكسيل، والتي سبق له الاشتغال لصالحها منذ سنة 2008، وفق جرائم الارتشاء وتزييف أختام الدولة.
قديري ينفي كل ما نسب إليه
خلال تصريحاته للشرطة القضائية بالرباط، أكد رضوان قديري، مستشار عزيز الرباح، وزير التجهيز والنقل في حكومة بنكيران، أنه في سنة 2011، اكترى منه المستثمر الإيطالي جييوا شينو فيسوري، شقة عبارة عن مكتب بمدينة القنيطرة.
وأكد مستشار الرباح أن المستثمر الإيطالي رفض أداء واجبات الكراء لمدة سنتين، وتقدم، بالمقابل، بدعوى الإفراغ ضده، مستصدرا حكما لصالحه من المحكمة التجارية بالرباط.
ونفى قديري، خلال سير التحقيق، كل ما نسب إليه، موضحا أن شكاية المستثمر الإيطالي مجرد محاولة للنيل منه، مؤكدا أنه أقرض المستثمر الإيطالي مبلغا ماليا في حدود 80 مليون سنتيم، أخبره سابقا أنه كان في حاجة إلى ضخه في حسابه الشخصي، للحصول على تسهيلات بنكية.
سوابق في تهريب البشر
كان رضوان قديري، مستشار الرباح، اعتقل خلال سنة 2009، بجماعة «سكاربيك» ببروكسيل البلجيكية، حين كان كاتبا للدولة مكلفا بالسياسة الجنائية ببلجيكا، بتهمة تزعمه لشبكة تنشط في الزواج الأبيض.. وخلف الاعتقال جدلا ونقاشا حادين وسط الجالية المغربية المقيمة ببلجيكا.
وكُشفت، حينها، خيوط قضية تهريب البشر عبر «الزواج الأبيض» الذي كان بطلاه على التوالي كل من رضوان قديري، الذي اشتغل مستشارا سياسيا أول لـبيرنارد مليرفايت، كاتب الدولة المكلف بالسياسة الجبائية، وزوجته رشيدة بنميمون، الموظفة بجماعة «سكاربيك» والمقربة من المستشار السياسي المذكور.
استعمال الوثائق الرسمية في قضية المستثمر الإيطالي ليس القضية الأولى لقديري، خاصة أنه وزوجته زورا واستعملا وثائق إدارية رسمية لتسهيل عبور المقبلين على «الزواج الأبيض» إلى أوروبا، بالإضافة إلى تزوير ملفات ذات حساسية، أهمها منح الجنسية البلجيكية لأشخاص لم يسلكوا الإجراءات القضائية اللازمة.
وتفجرت القضية مباشرة بعدما اكتشف مسؤول بلجيكي تلاعب زوجة قديري، التي كانت حينها موظفة بجماعة «سكاربيك»، عبر تعديل لأحد الأنظمة الإلكترونية التي لم يكن لها الحق آنذاك في الولوج إليها أو الاطلاع على معطياتها.
ولم تتوقف القضية وقتها عند هذا الحد، بل استغل قديري إلى جانب زوجته أحد أندية فنون الحرب والتيكواندو ببروكسيل في الاتجار بالجنسيات، مدعيا أنه ممثل رسمي ببروكسيل لقنوات تلفزيونية مغربية.
جييوا شينو فيسوري: بِعت كل أملاكي ولم أتغلب على الديون المتراكمة
أكد جييوا شينو فيسوري، المستثمر الإيطالي، المكلف بنسج العلاقات التجارية والاستثمارية لشركات إيطالية مع المغرب، في حديث مع «الأخبار»، أن عملية النصب التي طالته أجبرته على بيع جل ممتلكاته بالمغرب من أجل تعويض الشركة التي كان يشتغل لصالحها، ماديا.
واعتبر المستثمر الإيطالي أن رضوان قديري أدخله وعائلته في ديون متراكمة، بسبب عملية النصب التي طالته، معتبرا أن كل الوعود التي قدمها له من أجل الحصول على صفقات بالمغرب وفق مقابل مالي تجاوز ما مجموعه 250 مليون سنتيم، حولت حياته إلى متاهة.
وأوضح فيسوري أن عملية النصب التي طالته منذ سنة 2011، استنزفته ماديا ودفعته مرارا للتفكير في مغادرة المغرب، لولا تدخل القضاء، حسب تصريحه لـ»الأخبار» وسير التحقيقات في الاتجاه السليم، وهو أمر أعاد إليه الاعتبار.
وقال المتحدث نفسه إن مستشار الرباح استعمل الأسلوب نفسه في النصب على ضحايا آخرين، وضمن ضحايا النصب شركات ومقاولات دولية، كاشفا أنه صدم لطبيعة التزييف والتلاعبات التي انطلت عليه منذ سنة 2010 باسم وزارة الرباح.
وصرح المستثمر الإيطالي أنه لم يكن يعلم بعدم قانونية العمليات التي أبرمها مع رضوان قديري، مستشار الرباح، وهو ما اعتبره فيسوري بمثابة احتيال طاله شخصيا وتعدى ذلك إلى عائلته والشركة التي يعمل لصالحها.