بعد سلسلة الأبحاث التفصيلية لدى قاضي التحقيق والاستنطاقات الماراثونية أمام قضاة غرفة جرائم الأموال الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالرباط، حسمت هذه الأخيرة، في وقت متأخر من مساء أول أمس الاثنين، الملف الفضيحة بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، المتعلق بالتلاعب في مناصب التوظيف والشهادات الجامعية وتنقيلات الموظفين، والذي توبع فيه عشرة متهمين، بينهم اثنان توبعا في حالة اعتقال، وهما الكاتب العام السابق للجامعة وموظف نافذ برتبة متصرف.
وأكدت مصادر جيدة الاطلاع لـ«الأخبار» أن فرقة أمنية من رجال الدرك قادت، أول أمس الاثنين، المتهمين الرئيسيين في هذه القضية من سجن العرجات بضواحي سلا إلى قصر العدالة بحي الرياض، وهما الكاتب العام السابق لجامعة عبد المالك السعدي المزداد سنة 1966، ومتصرف من الدرجة الثانية من مواليد 1989 كان يشتغل بالجامعة نفسها، حيث مثلا إلى جانب ثمانية متهمين متابعين في حالة سراح أمام الهيئة القضائية بغرفة جرائم الأموال الابتدائية التي ترأسها القاضي الشاب الخياري، قبل أن تحسم الهيئة الملف بعد المداولة بإدانة الكاتب العام بثلاث سنوات ونصف السنة حبسا نافذا، وهي المدة ذاتها التي صدرت في حق مساعده، وهو متصرف قدمته معطيات الملف كسمسار، مع أدائهما غرامات مالية قدرت بـ400 ألف درهم، فيما أدانت ثمانية متهمين توبعوا في حالة سراح، بينهم أستاذان جامعيان وستة متصرفين بينهم أربع سيدات، بأحكام تراوحت بين ستة أشهر موقوفة التنفيذ وسنتين حبسا نافذا.
وكان قاضي التحقيق أجرى مواجهات حارقة بين المتهمين المتابعين في هذه القضية، من أجل الحسم في الكثير من الخيوط والحيثيات الغامضة بشأنها، فضلا عن إجراء مواجهة ثانية مع بعض الضحايا الذين فجروا فضيحة النصب والاحتيال، التي تعرضوا لها من طرف المتهمين الرئيسيين ومساعديهما، من خلال إيهامهم بتوظيفات وهمية وتسهيل عملية التسجيل والحصول على شهادات الماستر والدكتوراه، مقابل تسلم مبالغ مالية مهمة فاقت 200 ألف درهم، وفق ما تضمنته شكايتا المشتكيين اللذين فجرا الفضيحة.
وكانت الفرقة الاقتصادية والمالية التابعة للمصلحة الولائية للشرطة القضائية بولاية أمن طنجة أحالت، في يناير من سنة 2021، أحد عشر متورطا في فضيحة التوظيفات المشبوهة وشهادات الماستر والدكتوراه بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان على الوكيل العام للملك بمحكمة جرائم الأموال بالرباط، حيث تابعتهم النيابة العامة بتهمة التلاعب في مناصب الوظيفة العمومية، والاتجار فيها والارتشاء مع التزوير والمشاركة والإساءة في استغلال وظيفة.
وكانت هذه الفضيحة تفجرت في وجه مسؤولي جامعة عبد المالك السعدي بتطوان وبعض الفروع التابعة لها، عقب بحث قضائي أنجز حول قضية إصدار شيكات بدون مؤونة من طرف موظف برتبة متصرف يشتغل بالجامعة نفسها بتطوان، حيث أكد البحث الأولي أن الأمر يرتبط بشبكة منظمة متخصصة في التلاعب بالتوظيفات بالجامعة، ومنح شهادات ماستر ودكتوراه بشكل غير مستحق وبمقابل مادي. وبعد دخول الفرقة الوطنية للشرطة القضائية على الخط، بتنسيق مع مصالح الشرطة القضائية بطنجة، أطاح البحث بمتصرف مساعد بالمدرسة الوطنية للتسيير قدم إليها من رئاسة جامعة عبد المالك السعدي، التي قضى بها مدة قصيرة، بعد سنوات من العمل برئاسة مصلحة الشهادات بكلية الحقوق.
وحركت النيابة العامة مسطرة التحري في هذه الفضيحة المنسوبة للمتصرف بعد توصلها بشكايتين ضده، أولاهما تقدم بها محام نيابة عن زوجته والثانية من طرف سيدة بمدينة طنجة، وتعلقت بإصدار المعني لشيكات بدون رصيد قيمتها 24 مليون سنتيم، موجهة لفائدة المشتكيتين، تبين، من خلال التحقيق الذي خضع له المتصرف، أن الأمر يتعلق بضمانات عن مبالغ مالية أخذها من المشتكيتين، في وقت سابق، خلال عمله برئاسة الجامعة، بهدف التوسط لهما في ولوج الوظيفة بالجامعة، وفق مناصب كانت معلنة سلفا ضمن مباريات داخلية.
ومع توالي التحقيقات وجلسات المحاكمة، فجر المتصرف المعتقل أنه تخصص في ملفات سمسرة جد خطيرة لصالح الكاتب العام السابق للجامعة الذي يجاوره بسجن العرجات في الملف نفسه، حيث أكد أنه توسط في توظيفات بالجامعة، وتحديدا في مناصب برتبة متصرف من الدرجة الثانية، مقابل مبالغ مالية كبيرة فاقت 14 مليون سنتيم، كما توسط في تمكين أشخاص من شهادات ماستر ودكتوراه مقابل الملايين أيضا، فضلا عن تنقيل موظفين من كلية طنجة إلى تطوان مقابل مبالغ مالية مهمة تقدر بالملايين، مضيفا أنه كان يسلم المبالغ لمسؤول كبير في الجامعة بهدف التقرب منه ومحاباته وتنقيله للعمل في تطوان.