شوف تشوف

شوف تشوف

جذور الإرهاب 2.2

 

 

 

 

المناهج لا تساعد إطلاقا على القراءة والتفتح، ففي تعليمنا الامتحانات هي الأهم، وكل شيء يمكن القيام به من أجل نيل النقطة، لذلك نجد أن أغلب أحداث العنف والمعارك والاعتداءات التي تنشب مؤخرا سببها النقط.

 

أما الروايات التي تمت برمجتها لدعم تعلم الفرنسية مثلا، فهي روايات كلها لا تعكس اهتمامات الأجيال الحالية، إذ كلها تكتب عن الستينيات والسبعينيات أو تصور فرنسا القرن التاسع عشر، أما باقي المواد فلا «حاجة» للقراءة أصلا، إذ إن الكتب المدرسية رديئة، ويسيطر عليها تجار في «منتهى المعرفة».

 

لذلك، من الطبيعي جدا أن تسيطر منهجية الحفظ على النقد، والشفوي على الكتابي، ويسيطر الأستاذ على حساب التلميذ، ومن الطبيعي أيضا أن يكون مصير تلميذ لا يقرأ بأية لغة ولا يقرأ الأدب، ولا يناقش أفكاره بحرية، من الطبيعي أن يعتبر ما يتلقاه عن الكفار والمسيحيين واليهود والنساء كلاما مقدسا لا تنبغي مناقشته. نعم قد يؤجل الإيمان به والعمل بمقتضياته، لكنه ما يلبث أن يعود إليه، والأخطر أنه سيجد في شبكات التواصل الاجتماعي من سيزكي لديه هذا الفهم الخاطئ ويعززه.

 

إن مشكلة التطرف لا يمكن حلها بدون حل معضلة التعليم، وهذه حقيقة يعرفها اليوم كل الأوروبيين، واعترف بها المجلس الأعلى للتربية والتكوين في رؤيته الاستراتيجية، المشكل أن وزارة التربية الوطنية عندنا لم تجد بعد الطريقة المناسبة لمحاصرة خطابات الكراهية، بل واجتثاثها، صحيح أن هناك مديرا مركزيا يسير مديرية اسمها «الأمن الإنساني»، لكنها مديرية صورية تماما، بل إنها ليست مديرية بالمعنى الإداري، بل مجرد مكتب بكاتبة، يعمره شخص جاء في سياق سابق وما زال إلى يومنا هذا لا يفعل شيئا إطلاقا، اللهم إلا استقبال كاتبات المقر المركزي للوزارة كل صباح بعبارات «أسعد الله الصباح» و«هلت الأنوار»، يفعل هذا يوميا منذ تسع سنوات دون أن يستطيع الوزراء الذين مروا من القطاع زحزحته من مكانه.

 

بل إن هذا المسؤول، الذي يفترض أن يعمل على محاربة خطابات التطرف والتعصب داخل الوزارة، ويتقاضى راتبا لا يقل عن ثلاثة ملايين شهريا، لا يفعل شيئا اللهم إلا السفر عبر العالم لحضور ندوات دولية عن الأمن الإنساني، فيما الوضع في مؤسساتنا التعليمية كارثي. تضاف إلى هذا كارثة أخرى، وهي أن غياب إطار منظم ومؤسسي للدعم الاجتماعي والنفسي للتلاميذ، حول ما تسميه وزارة التربية الوطنية «خلايا الإنصات» إلى مناسبات يستغلها البعض لاستقطاب التلاميذ لتنظيماتهم المتطرفة، وهذه حقيقة سبق للوزارة أن تلقت تقارير رسمية بشأنها.

 

إن التطرف يحارب بمحاربة الجهل، كما يحارب بتعليم يشجع على التفكير وليس بتعليم يشجع على الحفظ والغش. فالتلميذ المضطر لحفظ ما يفوق ثلاثين درسا في الاجتماعيات مثلا، فضلا عن عشرات الدروس الأخرى، ليحصل على الباكالوريا هو نفسه التلميذ الذي سيضطر إلى استعمال العنف أو الغش ليحصل على الشهادة بأي ثمن، لأنه تلميذ يتلقى العلوم كما يتلقى الدين، أي أنه يحفظ فقط. والمؤسف هنا هو أن الامتحانات التي توضع في الباكالوريا تشجع على الغش، لكون الهاجس الأمني هو الذي يحكم الوزارة. فما يهم هو أن تمر الامتحانات بسلام دون تسجيل اضطراب.

 

لذلك يفرض على واضعي هذه الامتحانات أن يضعوا تمارين تشجع على الحفظ، ومن ثم على الغش. وفي المحصلة يتخرج من مؤسساتنا التعليمية العمومية تلاميذ أغلبهم أميون، لا يتقنون أية لغة ولم يسبق لهم أن ناقشوا موضوعا.

 

وهذا ما لم يناقشه أحمد التوفيق ومصطفى الرميد، وهما يضعان خطة لمحاربة التطرف والكراهية، فمدارسنا تعتبر منابت للتطرف، سواء ضد النساء بسبب جنسهن، أو ضد اليهود والنصارى بسبب دينهم، أو بسبب الشيعة والصوفية بسبب مذهبهم، بل وضد الأعراق الأخرى.

 

ولسنا في حاجة إلى المزيد من الأدلة حول هذا الأمر، إذ يكفي أن نلقي نظرة على عالم الفايسبوك لنكتشف شبابا مغربيا بدون هوية، شبابا نصف أمي يتمنى الاستشهاد من أجل القدس، ويعتبر الدين أهم شيء في حياته، لكنه في الوقت ذاته مستعد لفعل أي شيء للتحايل والسرقة والغش وإيذاء الغير، وهذا الانفصام الخطير يعني شيئا واحدا، أن تحول هؤلاء الشباب بشكل سريع إلى تبني الأفكار المتطرفة وبالتالي الإقدام على الحماقات الإرهابية، هو مسألة وقت فقط.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى