في شهر يوليوز الماضي تحولت رحلة استجمام في عرض سواحل ريستينغا إلى فاجعة، ابتلع البحر لاعبين من اتحاد طنجة هما: عبد اللطيف أخريف وسلمان الحراقي، ونجا رفاقهما من الموت.
رابط أفراد عائلة الفقيدين في الشاطئ، وانتظروا يوما يلفظ فيه البحر الشابين الغريقين، تناسلت الإشاعات ونشط إعلام الإثارة الرخيصة في ترويج الأخبار المثيرة مع ملتمسات بالضغط على أزرار الإعجاب.
قال الضالعون في «البووز» إنها محاولة للهجرة السرية، وتبين أنهم في حالة تسلل وأنهم مهاجرون سريون إلى أرخبيل الصحافة.
مرت الأيام متثائبة، وتبين أن مأساة الغرق تضاعفت وأن الفقدان أشد ألما من الموت. ظهر محللون قيل إنهم مختصون في الغرقى وقالوا إن التيار البحري قاد الفقيدين إلى وجهة غير معلومة.
قررت العائلتان المكلومتان إقامة جنازة الغائب للفقيدين، لكنهما تراجعتا عن القرار، بناء على فتوى الأقربين، فزاد الإصرار على الدفن في جوف تربة طنجة.
استنفدت الأم الثكلى والأشقاء والأهل والأحباب رصيدهم من الدموع، وفقدوا الثقة في بلاغات المنقبين عن الجثث والعارفين بالمد والجزر، وفوضوا أمرهم لله، قبل أن تطفو جثة أخريف فوق مياه وهران الجزائرية، بعد أن اخترقت الحدود البحرية ونزلت ضيفة عند الجيران.
لكن بعد أزيد من مائة يوم من الاحتجاز في ثلاجة مستودع الأموات بوهران، لازالت والدة لاعب اتحاد طنجة عبد اللطيف أخريف ترسل نداءات استغاثة مبللة بالدموع وتدعو المجتمع الدولي للتحرك من أجل إعادة جثة ابنها إلى طنجة لدفنها في تربة الوطن.
مرت الساعات رتيبة دون أن تغادر جثة أخريف مستشفى وهران، وكلما سئل القائم على ثلاجة الموتى عن سر الاحتجاز، قال إنها «ليست كباقي الجثث»، ثم انصرف.
تحركت القنصلية العامة للمملكة في وهران حين حل شقيق أخريف بالجزائر مطالبا بالحق في إنهاء مقام شقيقه في ثلاجة مستودع الأموات، لكن تحرك القنصل وشقيق الفقيد والحارس الجزائري غايا مرباح والمدرب الجزائري عمروش، لم يكن كافيا لإنهاء احتجاز جثة، وتبين أن القضية تتجاوز مستودع الأموات.
عاد شقيق أخريف من حيث أتى، وعاد مرباح إلى تيزي وزو، وعاد عمروش إلى العاصمة وعاد القنصل إلى مكتبه، ينتظرون ردا من السلطات الجزائرية، ومع مرور الأيام ظهر الوجه الحقيقي للنظام الجزائري وتبين أن جثة لاعب مغربي ليست كباقي الجثث.
قالت إدارة المستشفى إن القرار بيد وزارة الصحة الجزائرية، وقالت مديرية المستشفيات إن القرار بيد وزارة الخارجية، وقالت الخارجية إنه بيد الرئاسة، وبدا وكأننا أمام فصل من فصول أكلة البطاطس في زمن أحمد بوكماخ الذي يتقاسم مع أخريف الانتماء لمدينة طنجة.
للأسف، الإعلام في المغرب يتناول القضايا الكبرى من زاوية معالجة فيها إثارة، بدلا من تسليط الضوء على هذه القضية التي يتقاطع فيها الحقوقي بالإنساني.
للأسف هناك صمت رهيب يلف مستودع الأموات، فقط لأن الجثة تحتاج إلى بحث يتجاوز الطب الشرعي إلى الطب الاستخباراتي، في دولة لا تثق في الأموات، وتؤمن بأن الحدود مغلقة في وجه الأحياء والأموات على حد سواء.
أليس تكريم الميت دفنه؟ أليست ضيافة الأموات ثلاثة أيام؟
لماذا يتحول الموت إلى قضية دولة، حين يقول الطبيب الشرعي الجزائري، في تقريره السري:
إني رأيت جثة لها ملامح «مروكي» عليها آثار وكدمات.
هرع رجال النظام يركضون لفوا التقرير في كفن ثم دفنوه قبل أن تدفن الجثة.
صدق الفنان الجزائري الشاب خالد حين تأسف عن واقع مسقط رأسه وهران وهجاها في رائعته «وهران»: