شوف تشوف

الرأي

جبهات كوشنر المتعددة

صبحي حديدي

قد يجهل البعض أنّ جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومستشاره في ما يُسمّى “صفقة القرن” وشؤون أخرى، بات اليوم أيضاً “رجل كورونا” الأوّل في البيت الأبيض؛ متفوّقاً في هذا اللقب، وبمعنى ثقة الرئيس المفتوحة المطلقة، على جميع أفراد الطاقم المفوّض بمواجهة الجائحة، على مستوى أهل العلم وأخصائيي الصحة قبل مسؤولي السياسة والأمن والاقتصاد.
وقد لا تبدو هذه المهمة غريبة، أو طارئة، على ما تولاه كوشنر من مهامّ كثيرة، سواء قبيل انتخاب ترامب أو بعدئذ؛ مثل العلاقات الاقتصادية مع الصين، وسياسة الحدود مع المكسيك، وتطوير النظام القضائي الجنائي، إلى جانب تسريع التطبيع الخليجي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي ورسم الصفقات الاقتصادية التمهيدية التي سبقت الكشف عن تفاصيل “صفقة القرن”. الجديد، مع ذلك، هو أنّ كوشنر يمارس دوره هذا اهتداءً بعقلية الـ”بزنس” التي ترعرع عليها، أي المضاربات العقارية وشركات التأمين الصحي على وجه التحديد؛ وكأنّ أرواح آلاف الأمريكيين ليست أكثر من عقار أو “بوليصة”.
معروف، في حقيقة أولى، أنّ جوش، شقيق كوشنر، يمتلك حصصاً سخية في شركة التأمين Oscar Health، وأنه يدير القسط الأعظم من أسهم شقيقه جاريد بعدما دخل الأخير إلى البيت الأبيض وتوجب أن يخفي بعض معالم استثماراته المالية. ومعروف، في حقيقة ثانية، أنّ الكلفة الحالية للعلاج من فيروس كورونا تبلغ 35 ألف دولار أمريكي، في بلد يعيش عشرات الملايين من مواطنيه خارج أيّ تأمين صحي.
والعقلية العقارية الكوشنرية، فهذا اشتقاق صار جائزاً وبليغاً، تتجلى في طرائق توظيف الأزمة الراهنة ضمن شبكة العقارات الهائلة التي يملكها كوشنر في منطقة بالتيمور ومدينة نيويورك؛ وخاصة على ضوء استثناء الآجارات السكنية من سلَة الحوافز التي أقرّها الكونغرس والإعانة اليتيمة لمرّة واحدة بمبلغ 1200 دولار. وكانت صحيفة “غارديان” البريطانية قد كشفت النقاب، قبل أشهر، عن صفقات بقيمة 90 مليون دولار عقدتها الشركة العقارية Care، التي شارك كوشنر في تأسيسها قبل التحاقه بإدارة ترامب، مع مؤسسات وجهات أجنبية مختلفة، بينها السعودية.

هبوط كوشنر، عبر مروحية عمّه وبمظلّة زوجته، على ساحات كورونا الأمريكية يمثّل أحدث تجليات خصوصية الرأسمالية اليانكية في علاج الجائحة؛ أي تحويل مآسي المواطن إلى مصادر ربح وإثراء، ليس هذه المرّة عن طريق إجباره كدافع ضرائب على تمويل التريليونات التي ستذهب في معظمها لصالح خزائن الشركات الكبرى والعملاقة، فحسب؛ بل كذلك عن طريق وضع صحته على المحكّ، والتلاعب بمسائل الحياة والموت على طريقة البورصة. وهكذا يتردد اليوم أنّ كوشنر كان وراء تقدير عمّه ترامب بأنّ فيروس كورونا ليس سوى “خدعة”، تستهدف تقويض حظوظه في ولاية رئاسية ثانية؛ وأنه أيضاً كان مهندس اختلاق النزاع بين الولايات الأكثر إصابة بالفيروس، والمخزون الفدرالي من الكمامات والقفازات وأجهزة التنفس الاصطناعي.
هذا اقتصاد يدير حرباً، إذن، لصالح رأسمال فردي وآخر مؤسساتي، قد يعثر المرء على بعض عناصره في أنظمة رأسمالية ألمانية أو بريطانية أو فرنسية، وربما في بعض قطاعات الليبرالية المتوحشة في الصين وروسيا؛ ولكن هيهات أن يتوفر بصفة مطابقة، وعلى هذا النحو الهابط والمبتذل والمنحطّ، إلا في رأسمالية أمريكية معاصرة، أو راهنة كورونية إذا جاز القول، يشرف على تسييرها من سدّة البيت الأبيض أمثال ترامب وصهره.
وفي مقال نشرته مؤخراً صحيفة “فايننشيال تايمز” البريطانية، تساءلت الروائية الهندية أرونداتي روي عن هؤلاء “الأفندية” الذين يزعمون إدارة الجائحة في مختلف أرجاء العالم المصنّع المتقدّم: إنهم “مولعون بالحديث عن الحرب، حتى أنهم لا يستخدمون المفردة استعارياً، بل حرفياً. ولكن إذا كانت حرباً حقاً، فمَنْ أكثر استعداداً لها سوى الولايات المتحدة؟ وإذا لم تكن الكمامات والقفازات هي ما يحتاجه جنودها على الخطوط الأمامية، بل المدافع والقنابل الذكية وخارقات الملاجئ والطائرات المقاتلة والقنابل الذرية، فهل كان سيقع نقص في المخزون؟”…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى