جاكي شان…
شامة درشول
حين تسأل شخصا عاد من زيارة إلى الصين كيف هي تلك البلاد الحمراء، يجيبك بأن هناك العالم، وهناك الصين، يخبرك أن للصين قوانينها التي ترفض أن تستهلك ما هو غير صيني. رفضت الصين الديمقراطية الغربية، وآمنت بديمقراطية العمل، رفضت الحريات الفردية، وآمنت بالخضوع للجماعة، التي تخضع بدورها للدولة. في الصين، لا توجد صحافة مثل تلك التي توجد لدى جارتها غير البعيدة اليابان، يتعامل النظام مع الصحافة بحساسية شديدة، وبنفس تلك الحساسية تعامل مع الأنترنت، وغوغل وفيسبوك، فأنتج محركات بحث صينية، وتطبيقات تعارف صينية، وبرامج ترفيه صينية. تنظر الصين بعين الشك لكل ما يأتيها من أمريكا، والغرب. لا تؤله الصين الغرب مثلما يفعل بنو العرب، لا تخضع له، بل تساومه، تراوغه، وتراوده، لا تكتفي بتبني نظرية المؤامرة، بل تسبر أغوار خطط الغرب، تصنع نسخة طبق الأصل منها، ثم تنتج نسخا موجهة للصينيين وحدهم. هناك العالم، وهناك الصين، الحقيقة التي يعرفها كل من يزور الصين، والتي يؤمن بها الصينيون بدورهم.
يوافق هذا العام في السنة الصينية عام الفأر، اعتاد أهل الصين كلما حل عامهم الجديد استقباله ببعض الطقوس، منها الضرب بالحذاء على شيء لهم، ثوب، رداء أو غيره، من أجل طرد سوء الحظ عنهم، واستقبال السنة الجديدة بروح خالية من النحس، لكن الصينيين، هذه السنة، لا وقت لديهم لضرب شيء، ولا أحد، كل وقتهم اليوم أن يحموا أرواحهم من «الكورونا»، ويحافظوا على سمعتهم في العالم التي يضعفها الفيروس، أما أولئك المتواجدون خارج «كوكب الصين»، أو حتى الذين يحملون نفس ملامح الصيني، فيستحقون أن يصنفوا في كتاب «غينيس» على أنهم الأسوأ حظا في هذه السنة، وأنهم مجبرون على التعامل مع قساوة العالم، الذي لا يزال يحاسبك بناء على لون بشرتك ودينك، وجنسك وجنسيتك، وحتى مستوى تعليمك، ونوع طبقتك الاجتماعية. الصينيون يواجهون اليوم عالما جديدا غير ذلك الذي قيل لهم من قادة النظام الشيوعي، وغير ذلك الذي اكتشفوه بأنفسهم وهم يجوبون العالم بمعنويات مرتفعة.
يرمز الفأر في السنة الصينية للذكاء والقوة، لكن الصين تعيش اليوم وقت ضعفها، يقول العالم إن الجيش الصيني هو من طور فيروس كورونا، ويقول العالم أيضا إن البيروقراطية الصينية هي ما تسبب في عدم مصارحة العالم بخطورة الوضع داخل الصين، وتقول منظمة الصحة العالمية إنها مضطرة لإعلان حالة الطوارئ بعد أن كانت تدعي في تقارير سابقة أن الفيروس لا يشكل خطرا بعد. منظمة الصحة العالمية التي تتحكم فيها أمريكا هي نفسها من أخبر العالم لمرات عن خطورة فيروس إيبولا، وأنفلونزا الخنازير، وفيروسات أخرى، وهمست في أذنه أن عليه اقتناء اللقاح بملايير الدولارات، لفيروسات وجهت اتهامات لأمريكا، ولوزارة الدفاع أنها هي من كانت وراء إطلاقه، في الأخير سنكتشف أننا نعيش حروبا غير مألوفة، حروبا على الإنترنت، حروب فيروسات، حروب أمراض، فقادة العالم اليوم أكثر جبنا، وأقل شجاعة، ولا يقوون على القتال بشرف.
يقال إن الموطن الأصلي للفأر هو جنوب شرق آسيا، وأنه انتقل من أندونيسيا إلى الهند والصين، ثم انتقل مع البشر إلى باقي دول العالم. تعبد بعض الطوائف الدينية في الهند الفئران، وتعتبرها حاملة للحظ، كذلك في الصين هناك معابد للفئران، حتى أنه في عام الفأر يعتبر صاحب حظ من يمر فأر فوق قدميه، لكن العالم لم يتصالح يوما مع الفأر، وحتى حين لم يقم له شركا لصيده، وقتله، استغله في اختبار اللقاحات، والأمراض، على جسمه، واستعمله أيضا في كشف الألغام والمتفجرات، ولم يفتح العالم فمه ببنت شفة، ولم يصرخ مطالبا باحترام حقوق الحيوان، فمثلما هناك الصين وهناك العالم، هناك أيضا الحيوانات، وهناك الفأر.
وأنا أتابع كل هذا الهول الذي يحدثه فيروس التاج، أتذكر صديقا صينيا يشتغل صحفيا، حصل على منحة دراسة لمدة سنة في المغرب، اتصل بي يوما ليخبرني أنه تعرض للسرقة في الرباط، اعترض شخصان طريقه، ونزعا هاتفيه الخلويين، ذهب الرجل إلى مركز الشرطة لوضع شكاية، فوجد شرطيا يقول له في دهشة: «كيف تركتهم يسرقونك؟ ألست صينيا؟ لماذا لم تدافع عن نفسك مثلما يفعل جاكي شان؟»، أخبرني الرجل أنه حين سمع هذه الجملة اختار أن ينسى أمر الشكاية، وقرر أن يكون فأرا.