شوف تشوف

الافتتاحية

ثورة هادئة

في غمرة النقاش العمومي الذي خلفته القوانين الانتخابية، التي تم التداول بشأنها في المجلس الوزاري الأخير، لم ينتبه كثير من المتتبعين إلى أن أهم ما أشر عليه الملك خلال المجلس، ليس هو تعديل بعض المقتضيات القانونية التي ستؤطر الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، بل القانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية، الذي ينتظره 34 مليون مغربي، لتحسين أوضاعهم المعيشية.
بدون شك فإن تجويد القوانين الانتخابية له رهاناته السياسية التي تعني 16 مليون مسجل في الانتخابات، وحوالي 200 ألف من المرشحين، لكن تأشير الملك على قانون استراتيجي للدولة المغربية يفوق رهانات اللحظة الانتخابية، ويتجاوز زمن الحكومات والبرلمانات.
لقد أراد الملك محمد السادس في ذروة مواجهة الوباء أن يعلن عن بارقة أمل في المستقبل، أهدافها العريضة تتجسد في توسيع التغطية الصحية بحلول نهاية سنة 2022، لتتمكن من ضمان استفادة 22 مليون مستفيد جديد من التأمين الإجباري عن المرض، وتعميم التعويضات العائلية التي سيستفيد منها حوالي سبعة ملايين طفل في سن التمدرس، والرفع من قاعدة الانخراط في أنظمة التقاعد، من خلال دمج حوالي خمسة ملايين مغربي من السكان النشيطين، الذين لا يتوفرون على أي تغطية متعلقة بالتقاعد، وأخيرا تعميم التعويض عن فقدان الشغل لفائدة المغاربة الذين لا يتوفرون على شغل قار.
طبعا لا يمكن أن تتحقق هذه الأهداف التي رسمتها المؤسسة الملكية بعناية فائقة، دون إجراء تغييرات جوهرية على مستوى سير المؤسسات والعقليات القائمة، وفي مقدمتها إصلاح حقيقي وجريء لصندوق المقاصة وتفعيل السجل الاجتماعي، وإصلاح المنظومة الوطنية للصحة، التي تستوجب عملية جراحية سريعة لوقف نزيف الانهيار، بالإضافة إلى دعوة الملك لتنسيق عمل كافة المتدخلين المعنيين بتعميم الحماية الاجتماعية، وتجاوز عقليات الجزر التي انتهت بنا إلى وضع أكثر من 100 برنامج للحماية الاجتماعية، دون أن نلمس أثرا اجتماعيا يتناسب مع حجمها، والأكيد أن كل هذه الطموحات الملكية لا يمكن أن تجد طريقها إلى التنزيل، دون إعداد الوعاء القانوني والكلفة المالية والطابع المؤسساتي، الذي يسمح بتنزيل هذا الورش الملكي الضخم.
إنها إذن ثورة هادئة وكبيرة بكل المقاييس، أعطى الملك انطلاقتها الرسمية، الأسبوع الماضي، ستضرب كل مناحي النظام الاجتماعي، وسيكون لها إذا ما وجدت حكومة وبرلمانا ومسؤولين إداريين في المستوى، الأثر البالغ في تأمين الوضع الاجتماعي للمغاربة وحمايتهم من كابوس البطالة وشبح التشرد، عندما يبلغون أرذل العمر .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى