ثورة صامتة
أطلق الملك محمد السادس، خلال الخمس سنوات الأخيرة، حزمة من المشاريع الاستراتيجية التي ستسهم لا محالة في نشأة اقتصاد متماسك يحقق الاكتفاء الذاتي والأمن القومي للأجيال المقبلة، وعلى رأس هذه المشاريع إطلاق قمرين اصطناعيين لحماية حدود الوطن ورصد المخاطر الجوية، بالإضافة إلى الانتهاء من مشروع الخط السككي فائق السرعة الأول من نوعه في القارة الإفريقية، والذي سيرفع نسبة الاستغلال إلى ستة ملايين مسافر، ناهيك عن تشييد محطات نور الضخمة لإنتاج الطاقة الشمسية الأكبر من نوعه في العالم، والذي سيمكن من تزويد مليون أسرة مغربية بالطاقة النظيفة، كما سيسمح بتحقيق الاكتفاء الذاتي مع إمكانية تصدير الطاقة نحو بلدان أخرى في المستقبل، بدل مخاطر الاعتماد على الطاقة التقليدية الذي سيجعل بلادنا رهينة العرض والطلب.
ومن المشاريع الكبرى، التي لا يمكن إغفالها، هناك مخططات بناء محطات لتحلية مياه البحر وإنشاء أكثر من 30 سدا جديدا لتغطية حاجيات أكثر من 10 ملايين مغربي مهدد بالعطش خلال العقود المقبلة.
ولعل السمة الغالبة على المشاريع الاستراتيجية الملكية، هي أنها مشاريع فوق حكومية وتتجاوز بطبيعتها الزمن التدبيري للسلطة التنفيذية وتتخطى الحدود القطاعية للوزارات، هي مشاريع دولة وليس حكومة، هي مشاريع ملك وليست مشاريع منتخبين. لذلك فهي تحظى بتأييد المواطنين بصرف النظر عن انتماءاتهم السياسية وتوجهاتهم الإيديولوجية نظراً لما ستحققه من مصلحة عامة يشترك فيها الجميع ولا يحدث حولها خلاف، رغم محاولات تيارات العدمية تبخيس أي إنجاز وطني يشعرون أنه يسحب من تحت أرجلهم مبررات البقاء وشرعية الاستمرارية.
لقد استطاع الملك محمد السادس أن يخوض رهان التنمية المستدامة من خلال مشاريع ذات بعد استراتيجي ومصيري، تهدف بالأساس إلى تأمين استمرار الدولة المغربية وضمان أمنها الغذائي والطاقي خلال العقود المقبلة. فالحفاظ على السيادة الوطنية وبناء مقومات مجتمع الرخاء لا يمكن تحقيقه عن طريق سياسات عمومية ظرفية توضع على مقاس الانتخابات، بل على أوراش مستقبلية كبرى قابلة للتطبيق وتأخذ بعين الاعتبار مصالح الأجيال المقبلة.
لذلك، فالمشاريع التي يقودها الملك بنفسه في الأرض والفضاء، بالداخل والخارج، هي التي يعول عليها كثيرا في تحقيق طفرة اقتصادية شاملة خلال السنوات المقبلة، هي المشاريع القادرة على تأمين بقاء بلدنا دولة مستقلة في حاجاتها وذات سيادة على قراراتها.