ثمار الديبلوماسية المغربية
صادقت الأغلبية الساحقة في مجلس الأمن على قرار التمديد لبعثة المينورسو وعلى قرار أممي يدعو الأطراف المعنية بهذا النزاع المفتعل إلى الجلوس إلى طاولة الحوار، معتبرا الجزائر طرفا في النزاع عكس ما يدعيه حكام قصر المرادية.
بدون شك القرار في جوهره وشكله في صالح المغرب رغم أموال البترودولار التي صرفها عسكر الجزائر مقابل مقايضة مواقف بعض أعضاء مجلس الأمن، والدليل أن جبهة البوليساريو الانفصالية أعلنت، مباشرة بعد التصويت على القرار، أنها ستلجأ للتصعيد العسكري والتهديد بالمس بالاستقرار في المنطقة.
من حيث مضمون القرار الأمني 2654 فهو يتماشى مع الطرح المغربي من زوايا متعددة، فالقرار لم يأت على ذكر خيار الاستفتاء لتقرير المصير، ويبدو أن هاته السردية انتهت منذ 2007، وهي السنة التي اقترح فيها المغرب مبادرة الحكم الذاتي، وهو ما شكل ضربة موجعة لتجار الانفصال وجعل خدامهم بمجلس الأمن يلجؤون إلى خيار التصويت بالامتناع كما هو الحال بالنسبة لدولة كينيا التي يبدو أنها مازالت ضحية أوهامها.
القرار وجه أصبع المسؤولية المباشرة إلى الجزائر وموريتانيا كطرفين رئيسيين وطالبهما «بشكل عاجل» بالمشاركة في العملية السياسية، وهو أمر ينسجم أكثر مع الموقف الديبلوماسي المغربي، لذلك فالقرار الأممي يجبر الجزائر على التفاوض المباشر وبوجه مكشوف وعدم الاختباء وراء دور المراقب فقط.
القرار يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن التوجه المغربي المبني على قاعدة السيادة الوطنية في إطار الحكم الذاتي، يبقى هو الصيغة المثلى والواقعية والأكثر جدية في إيجاد حل لهذا النزاع الذي طبخ في مطابخ العسكر الجزائري، وهذا يقطع مع سرديات الاستفتاء التي تجاوزها الواقع والمنطق.
من حيث شكليات القرار وسياق اتخاذه، يبدو أن الديبلوماسية المغربية واصلت استراتيجيتها الناجحة في تقليص رقعة الانفصال، ويبدو أن كل قرار أممي يصدر سنويا فهو يتجه إلى القناعة التامة بأنه لا يمكن فض هذا النزاع الوهمي دون مرجعية الحكم الذاتي، فالرهان الذي استثمرت فيه الجزائر من أجل تغيير الموقف الفرنسي من دعم وحدتنا الترابية باء بالفشل واستمرت فرنسا في التوافق والانسجام مع ما تخطه الولايات المتحدة صاحبة القلم ولم تحل سحابة الصيف التي تخيم على سماء العلاقات بين الرباط وباريس دون استمرار الموقف الديبلوماسي الفرنسي على عادته، كما أن محاولة شراء الجزائر مواقف روسيا بالانحياز لها في صراعها مع أوكرانيا فشلت، إذ لم تغير روسيا موقفها بالامتناع الذي يعود بالأساس إلى موقف روسيا من أمريكا صاحبة المسودة أكثر من الموقف من المغرب، مع العلم أن موسكو تملك حق الفيتو لتوقيف القرار لكن لم تفعل وهذا يحسب لفائدة الموقف المغربي.
المكسيك، التي تعد أحد معاقل الانفصال في أمريكا اللاتينية، صوتت بالإيجاب على القرار الذي أغضب البوليساريو والجزائر، فمصالح المكسيك مع أمريكا لا يمكن أن تقايض بها نظام العسكر الجزائري. وحتى كينيا، التي لا زالت تتخبط في مواقفها، خففت في تفسيرها لامتناعها عن التصويت، من حدة خطابها الذي كانت تستعمله في السابق، كما تخلت عن مواقفها السابقة المتعلقة بتبني الاستفتاء، معبرة عن دعمها لحل سياسي، عادل متوافق بشأنه وفق قرارات مجلس الأمن.
في المقابل حافظ المغرب على القوى الداعمة له داخل مجلس الأمن وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، التي تواصل احترامها وانسجامها مع مواقف دعم مبادرة الحكم الذاتي وتنزيل مقتضيات الاتفاق الثلاثي بالرباط. ويكفي النظر إلى تفسير التصويت الذي قدمه ممثل روسيا الذي اتهم واشنطن بما سماه تحيزا واضحا من الولايات المتحدة الأمريكية لصالح المغرب، الأمر نفسه مع مندوب البرازيل الذي اعتبر أن الموقف الأمريكي يميل بشكل واضح لصالح المملكة المغربية.
في المجمل نحن أمام قرار، كما أكد عمر هلال، السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، يكرس، «بشكل لا رجعة فيه»، سمو ومصداقية وجدية المبادرة المغربية للحكم الذاتي باعتبارها الحل الوحيد والأوحد لهذا النزاع الإقليمي في إطار سيادة المملكة ووحدتها الترابية.