شوف تشوف

الرأيالرئيسيةثقافة وفن

ثلاث نظريات في نشأة الحياة

 

مقالات ذات صلة

 

 

بقلم: خالص جلبي

 

الكون مبني من مادة وحياة، في تفاعل بينهما، فمن الميت يخرج الحي، والحي بدوره ينقلب مع الوقت إلى ميت (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي).

هذه الحافة أو العتبة من تحول المادة إلى حياة أعيت العلماء وما زالت، وربما يمثل الفيروس أحد أكبر تجليات انقلاب المادة إلى حياة وبالعكس، فتحت ضوء المجاهر الإلكترونية المكبرة عشرات الآلاف من المرات، نحدق في هذا الفيروس المدهش، وهو يلبس ساعةً معطف الأحياء فيتجول؛ فينفع أو يضر، أو يقلب هيئته مثل لاعبي السيرك في احتفالات تنكرية لا نهاية لها، بين لص مستخف بالليل، أو متسول بئيس سارب بالنهار، أو غني مستكبر. وتارة أخرى يهمد فيصبح في مثل هيئة الأفعى في السبات الشتوي، أو يتحول إلى بلورات مثل الملح والسكر.

الفيروس يقفز عتبة الموت إلى الحياة وبالعكس

الفيروس يقفز عتبة الموت إلى الحياة فيأخذ أهم سماتها من التكاثر والحركة والتغير، أو ينقلب إلى المادة الميتة فيتبلور مثل أي معدن ميت!

يعتبر الفيروس أدق كائن حي، وأشده عنادا ومكرا، وأكثره تغييرا في طبيعته، فحين أفلحت اللقاحات والمعالجات ضد البكتيريا، التي هي طبقة أعلى منه في سلم الكائنات، فشلت عنده، مع أنه أصغر حجما، ولكن أخبث وأمكر وأشد دهاء. («كوفيد- 19» نموذجا الذي دوخ الكرة الأرضية من مغول الصين حتى مراكش وكاليفورنيا)، فأين بدأت الحياة على ظهر الأرض؟ في أي مكان؟ متى بدأت؟ كيف تطورت؟ متى ظهر الإنسان؟ متى بدأت الثقافة؟

 

مؤتمر «أورليان ORLEAN» حول فرضيات نشأة الحياة:

مما حدث لفهم الظاهرة كان في فرنسا في يوليوز من صيف عام 1996 م، حين احتشدت مظاهرة ضخمة من العلماء تضم اختصاصات شتى، من البيولوجيين، وعلماء الأحياء الدقيقة (الميكروبولوجيين) وعلماء المناخ وطبقات الأرض، والأنثروبولوجيين، والأركيولوجيين، والتاريخ القديم، بل والفلسفة والأديان المقارن، كلها تبحث في محاولة أعمق لفهم كيفية نشأة الحياة على ظهر الأرض.

هناك اتجاهان فرضا نفسيهما منذ فترة طويلة حول تفسير سيناريو وجود الحياة وتشكلها، ويمثلهما اثنان من حملة جائزة نوبل للعلوم، الأول بلجيكي هو «كريستيان دو دوف CHRISTIAN DE DUVE»، والثاني فرنسي هو «جاك مونو JACQUES MONOD» كل منهما يحتل قطبا مواجها للآخر، وكل منهما يمثل تيارا رئيسيا يسود الأجواء العلمية حتى الآن، يقول الأول بفكرة (ضرورة وحتمية نشأة الحياة)، فالكون مبرمج على هدف إفراز الحياة والذكاء (لا بد ويجب أن تنشأ الحياة وهي أقرب إلى عقيدة الإيمان بالخالق بدون تسمية)، والثاني بأن وجودنا يرجع إلى محض صدفة سعيدة لا أكثر، فلو أعدنا شريط الحياة السينمائي لبدايته، ثم أعدنا عرضه لن نتوقع ماذا سنرى، فالمفاجأة أكبر من كل تخيل. ربما وجدنا نحن، أو ربما لم نكن لنوجد (وهي أقرب إلى الإلحاد وهي عند الباحثين تسمى الموضوعية)، فهل ثمة اتجاه ثالث؟

نعم لقد برز تيار ثالث مختلف عنهما دشنه عالم أمريكي باليونتولوجي هو «ستيفان جي جود STEPHAN GAY GOULD» توصل فيه إلى أمرين: فكرة الانفجار البيولوجي العظيم (BIOLOGICAL BIG BANG THEORY) في ما يشبه الموازاة لفكرة الانفجار الكوسمولوجي العظيم، وفكرة (البرمجة وضرورة نشأة الحياة من خلال قناة تلعب فيها الصدفة دورا هامشيا)، وهو يقترب بذلك من المبدأ الإنساني (HUMAN PRINCIPLE) الذي يرى أن الكون خلق كرحم لولادة الإنسان فهو معد لاستقباله، ويرى جود أن هناك إمكانية حدوثه في أماكن أخرى خارج نطاق الكرة الأرضية.

 

نظرية الضرورة «NECESSITY»

يرى هذا الفريق الذي يمثله البلجيكي «كريستيان دو دوف» أن الكون يجب أن تتشكل فيه الحياة كأمر لازب لا محيص عنه ولا محيد، وفق قوانينه الخاصة، فالكون يمشي من الأبسط إلى المعقد، ومن المادة إلى الحياة، ومن الكائنات وحيدة الخلية إلى الكائنات عديدة الخلايا، ومن الكائنات العادية إلى الذكاء الإنساني، في رحلة لا تعرف التوقف أو الاستقالة، الحيد أو الكلالة.

إذا لم توجد الحياة على وجه الأرض فيجب أن توجد في مكان ثان، وهذا يعني أن بقايا الحياة التي اكتشفت في المريخ هي تحصيل حاصل، وليس فيها أي ضرب من المفاجأة، وعندما توجد الظروف المواتية فإن الحياة تتخلق وفق قوانين محكمة تسيطر على الوجود، وهي تدفع بالحياة من رحمها لتظهر بشكل أو آخر.

وتنبني على هذه الفكرة عدة أفكار لاحقة: فالأرض ليست المحطة النهائية للحياة، وشكل الحياة على الأرض ليس أيضا الشكل النهائي، كما أن نفس الحياة على الأرض ليست خاتمة المطاف ونهاية المشوار، فهذه ثلاث أفكار خطيرة تأخذ بعضها برقاب بعض.

يمكن أن توجد الحياة في كواكب أخرى بكل بساطة، طالما كانت الحياة أشد مكرا وأمضى باعا في التشكل، ويمكن أن توجد أشكال أخرى من الحياة كما اقترح كارل ساغان، أنه لا يشترط أن تكون من أشكالنا التي تعتمد الماء والكربون، بل يمكن أن تستخدم مذيبا آخر غير الماء مثل حمض الفلور، ولكنه ـ على حد تعبير ساغان ـ يميل بشدة إلى الشكل الأرضي كشكل مقبول للحياة (أنه خلق من الماء كل شيء حي)، كما أن نفس أشكالنا ليست نهائية باتجاهين في ما مضى وما سيأتي؛ فرحلة الحياة لا تعرف التوقف أو الاستراحة، وثمة زيادة في الخلق ما يشاء ويخلق الله ما لا تعلمون، وخلقكم أطوارا، ولتركبن طبقا عن طبق.

أشكالنا قد يهاجمها التغير، كما أن هناك أشكال أخرى من الكائنات العجيبة ظهرت على وجه البسيطة وانقرضت، وليس نموذج الديناصورات العملاقة التي اختفت من وجه البسيطة قبل 66 مليون سنة، أو حتى آخر شكل إنساني من نموذج (إنسان نياندرتال NEANDERTAL) الذي عاش وعمر الأرض حتى قبل 30 ألف سنة، واجتمع أجدادنا به واختفى بالكلية، ولا يستبعد أن يكون أجدادنا قد اشتبكوا معه واستأصلوه من الوجود! ولعل كلمة الغول الموجودة في كل التراث الإنساني تعبيرا عن بقايا ذلك الإنسان الآخر، الذي قضينا عليه واستأصلنا شأفته ربما كان (كانيباليزم) من صنف أكلة لحوم البشر فكان يفترس أطفالنا لا ندري؟ فالكون يقوم على التنافس، وليست الحيوانات فقط هي التي طورت مخالبها وأسنانها ومناقيرها وقرونها، فالإنسان فاق الجميع في الفتك والقتل والإبادة، وعظة التاريخ في هذا مخيفة مروعة. وما يحدث من مذابح غزة مع كتابة هذه الأسطر طرف من فظاعات الإنسان القاتل.  

 

نافذة:

الكون يجب أن تتشكل فيه الحياة كأمر لازب لا محيص عنه ولا محيد وفق قوانينه الخاصة فالكون يمشي من الأبسط إلى المعقد ومن المادة إلى الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى