ثلاث قضايا ملكية
عادة ما يعبر جدول أعمال المجلس الوزاري في العمق عن لحظة دستورية للوقوف عند تفاصيل المعالم الكبرى للسياسة العامة للدولة في بعدها الاستراتيجي خصوصا المرتبطة بقطاعات ومحاور مهيكِلة للاقتصاد الوطني وإنتاج الثروة وحماية الأمن القومي في أبعاده المتعددة، سياق هذا الكلام هو القضايا الاستراتيجية التي أولاها المجلس الوزاري الأخير عناية خاصة تتجاوز الفعل العمومي الحكومي لتصبح مجالا ملكيا بامتياز.
ولا شك أن المتتبع لأبعاد جدول أعمال المجلس الوزاري يستحضر ثلاث قضايا ذات طابع استراتيجي، مرتبطة بمواجهة التحديات والمخاطر والتهديدات التي تواجهها بلادنا في سياق يتسم بوجود العالم على شفا حرب كونية وتوترات غير مسبوقة.
أول قضية استراتيجية تتعلق بالأمن العسكري من خلال المصادقة على مشروع مرسوم بإحداث منطقتين للتسريع الصناعي للدفاع، والذي يهدف لتوفير مناطق صناعية لاحتضان الصناعات المتعلقة بمعدات وآليات الدفاع والأمن وأنظمة الأسلحة والذخيرة. وبلا شك تمتلك بلادنا من المهارات البشرية والبنى التحتية والمصداقية لبعث صناعة عسكرية متطورة تمكنها من رفع تحدي الاكتفاء تدريجيا في هذا المجال.
ويبدو أن هناك تصميما ملكيا قويا على الانتقال من بلد مستورد إلى صانع سلاح ورغم أن الأمر سوف يستغرق سنوات طويلة قبل أن يكون له تأثير ملموس إلا أن التصميم الملكي كبير وجدي.
أما القضية الاستراتيجية الثانية فتهم الأمن الطاقي، وهذا ملف يحظى بعناية خاصة من لدن الملك لأن مصير البلد مرتبط به على مستوى الاستثمار أو الاكتفاء الذاتي، فالمغرب يقدم نفسه خلال العشرية الحالية كأهم قبلة للاستثمار في الطاقات المتجددة والخضراء، لذلك فإشارة إعادة النظر في مسؤولي مؤسستين عموميتين هما المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب والوكالة المغربية للطاقة المستدامة، تحمل إرادة ملكية أولا بتجاوز حالتي الفراغ والارتباك اللتين تمر منهما مؤسسات تدبير الماء والكهرباء والطاقة الشمسية وفي نفس الوقت التأسيس لدينامية جديدة للقفز بالمغرب من بلد يعاني من أجل ضمان مائه وكهربائه وطاقته إلى بلد منتج ومصدر للعالم.
أما القضية الثالثة فتتعلق بالأمن الصحي والدوائي فهذا مجال يعرف دينامية قانونية ومؤسساتية بسبب تداعيات وباء كوفيد-19 الذي عرى كل أوراق التوت التي كانت تغطي مستشفياتنا وسياستنا الدوائية، وهو ما جعل الملك يطالب بإحداث مخزون دوائي للمملكة، ولا شك أن الرسائل التي تضمنها تعيين مسؤولي الهيئة العليا للصحة، والمجموعات الصحية الترابية، والوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية، والوكالة المغربية للدم ومشتقاته بظهير شريف يحمل في طياته ما يحمل من خلال جعل الصحة نقطة مهمة في الأجندة الملكية توجيها وتعيينا لا يمكن للحكومات والبرلمانات العبث بها أو استغلالها في المساومات السياسية والانتخابية.