حسن الخضراوي
هي قطعة من عمالة الفحص أنجرة، لكنها مختلفة عن المناطق الأخرى وتشبه لندن بضبابها الكثيف فقط. رياح «الشرقي» القوية تستمر بها طيلة السنة، وتجيب المتسائل عن سر وجود العديد من مراوح الطاقة التي زرعت بأعالي الجبال. تعتمد الجماعة على أنشطة فلاحية بسيطة انتهت بفعل تنامي المقالع الضخمة، التي دمرت كل شيء نتيجة ما تخلفه من غبار كثيف يخيم على سماء المنطقة جراء تفجير الصخور وتفتيتها.
تقع جماعة ثلاثاء تغرامت على بعد 20 كيلومترا تقريبا من مدينة الفنيدق في اتجاه طنجة، وهي منطقة جبلية غنية بالموارد الطبيعية وتمتاز بطبيعتها الخلابة التي يمكن أن تشكل جذبا مهما للاستثمار في القطاع السياحي وكذا الصناعي، بالنظر إلى قربها من الميناء المتوسطي.
وأصبحت المنطقة التي كانت تعتمد سابقا على النشاط الفلاحي ضعيف المردودية، تعتمد على المقالع التي تنامت بشكل كبير مع بداية العمل الخاص بمشروع الميناء المتوسطي، والمشاريع الضخمة التي أطلقت بمدينة طنجة، مع ما ترتب عن ذلك من سلبيات كانت سببا في احتجاج العديد من سكان المنطقة، والذين طالبوا المسؤولين بإلزام مستغلي المقالع باحترام بنود دفتر التحملات.
جماعة صغيرة بمسؤوليات مصيرية
يضم مجلس جماعة ثلاثاء تغرامت 12 عضوا، يتحملون مسؤوليات تسيير المنطقة التي ارتبطت أخيرا بالمقالع، مع ما يشكله ذلك من تحديات الاستفادة من الإيجابيات من تشغيل لليد العاملة، وإغناء وتنويع المداخيل دون إيذاء المواطنين أو الفرشة المائية والغطاء النباتي.
وقال فاعل جمعوي بالمنطقة إن نواب الأراضي السلالية يتحملون مسؤولية كبيرة في الترخيص للمقالع، مشيرا إلى أن هناك من النواب من يراعون الظروف المحيطة، ولا يرخصون لهذه المقالع بالقرب من التجمعات السكنية حتى لا يتسبب ذلك في أضرار للسكان، وهناك من يعملون على الترخيص في ظروف غامضة دون الانتباه إلى التفاصيل السلبية التي يمكن أن تترتب عن ذلك.
هاجس احترام بنود دفتر التحملات من طرف المقالع سيطر على السكان في الحملة الانتخابية التي يظهر أن التنافس فيها سيكون شرسا بين العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة.
سلبيات المقالع أكثر من إيجابياتها
إذا كانت للمقالع إيجابيات، حسب (ع،د) وهو أحد السكان الشباب بجماعة ثلاثاء تغرامت، فإن لها سلبيات كثيرة تسببت في أضرار كبيرة على صحة المواطنين والمحيط. عندما يتم تفجير الصخور، يضيف المتحدث ذاته، يصل الغبار إلى مناطق بعيدة جدا، بسبب عدم التزام أرباب المقالع ببعض بنود دفاتر التحملات والتي تنص على ضرورة استعمال الماء بكثرة تفاديا لتنقل الغبار بفعل الرياح الدائمة التي يعرفها مناخ المنطقة، ولأن المقالع تحتاج الى صرف ميزانية مهمة من أجل جلب الماء بالصهاريج الضخمة التي تنقلها الشاحنات، لذلك لا تستعمل كمية الماء المطلوبة.
الغبار المتطاير من المقالع يتسبب في إيذاء الغطاء النباتي، ويؤثر بشكل سلبي على الأنشطة الفلاحية البسيطة التي يزاولها السكان، كما أن استعمال الشاحنات الضخمة جدا بشكل مكثف للشبكة الطرقية يتسبب في اتلافها، بالإضافة إلى تهديد سلامة الأطفال والتلاميذ بسبب عدم احترام السرعة القانونية من طرف البعض، وعدم دراية السائقين بمسالك المنطقة المعروفة بالضباب الكثيف على مر السنة والمنعرجات والمنحدرات الخطيرة. إضافة إلى أن من السكان من أصيبوا بأمراض بالجهاز التنفسي بسبب الغبار الذي لم تسلم من مضاعفاته الصحية السلبية حتى الحيوانات، يختم المتحدث كلامه.
احتجاجات متواصلة واستغلال سياسي
خلف تنامي المقالع بثلاثاء تغرامت العديد من الاحتجاجات التي قادها السكان. هذه الاحتجاجات، يقول أحد المواطنين (رفض ذكر اسمه)، تم استغلالها سياسيا من طرف العديد من المسؤولين ممن يتولون الآن مسؤوليات وزارية. وكانوا قد وعدوا السكان بوضع حلول ناجعة تحمي حقوقهم وتحفظ لهم شروط الحياة الكريمة وسط محيط نظيف. لكن وعودهم تبخرت بمجرد الوصول إلى مواقع السلطة، «ليفاجئونا برؤية أخرى للأمور وتملصهم من الوعود السابقة»، يضيف المتحدث نفسه، مشيرا إلى أن مقالع أخرى في انتظار شروعها في العمل، كما أن هناك بعض المقالع التي توقفت عن العمل بسبب عدم الترخيص لها لتوسيع مجال اشتغالها من طرف بعض نواب الأراضي الذين يتشددون في منع تسليم رخص لعمل المقالع قريبا من المنازل. ويذكر المصدر أن بعض الجهات تروج أنه يتم تعويض السكان عن الأضرار، مؤكدا أن من يتم تعويضهم هم فئة قليلة جدا، وبمبالغ هزيلة ولا يمكنها أن تغطي حتى مصاريف زيارة طبيب مختص في الجهاز التنفسي وثمن ما يصفه من دواء.
هذا ويكشف محدث «الأخبار» أن كل ما يطالب به السكان هو أن تراعى مصالحهم خلال توقيع دفتر التحملات ومتابعة المسؤولين لتنزيل بنود دفاتر التحملات. وبتذمر يطلق عبارته الأخيرة: «سئمنا الاستغلال السياسي لمشاكل المقالع وما يترتب عنها، وكل ما نريده هو تنمية للمنطقة بأقل ما يمكن من الأضرار»
مشاريع مع وقف التنفيذ
من المشاريع التي تم بناؤها بالمنطقة دون أن تدخل حيز التنفيذ، مشروع للتكوين في العديد من المهن، الذي عمل لمدة سنة وتخرج منه فوج من الشباب، لكنه لم يستمر في ظروف غامضة وغير مفهومة، حسب مصدر مطلع. مشروع آخر للنادي النسوي لتعليم الخياطة بأنواعها جل أجهزته معطلة، إذ تتناوب المستفيدات على جهازين صالحين فقط للتدرب والتعلم، يقول المصدر نفسه، مشيرا إلى أن هذا الوضع يحرم شريحة واسعة من تعلم المهنة في ظروف مناسبة.
ومن ضمن المشاريع التي لم يتم تنفيذها أيضا مشروع ميزان خاص بالشاحنات التي تعمل بالمقالع، والذي كان المراد منه أن تؤدي كل شاحنة مبلغا ماليا عن كل رحلة مملوءة بالأحجار حسب الوزن الذي تحمله، لكنه لم يفعل في ظروف غامضة.
وحاولت «الأخبار» الوصول إلى رأي المسؤولين عن موضوع المقالع وسلبياتها، وكذا المشاريع المتوقفة، لكن دون جدوى. في حين قال مصدر مطلع إن الحملة الانتخابية هي السبب، وإن المسؤولين لا يحبذون الكلام في مواضيع حساسة من مثل موضوع المقالع الذي يمكن أن يؤثر على شعبيتهم والنتائج التي يرغبون في تحقيقها.