ثريا السقاط.. زوجة محمد الوديع الآسفي التي نابت عنه في التدريس أثناء اعتقاله
ولدت ثريا السقاط بالمدينة العتيقة لفاس سنة 1935، تزامنا مع حالة الاحتقان التي كانت تعيشها العاصمة العلمية بسبب الانتفاضة الشعبية ضد إصدار المستعمر الفرنسي للظهير البربري. وبعد مرور تسع سنوات عاشت ثريا حدث تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال.
نشأت ثريا في وسط مبدع، إذ كانت شقيقتها فاطمة السقاط من رواد الأدب فضلا عن الملحن الكبير الراحل عبد الرحيم السقاط، لذا كانت لها مساهمة في بناء أرخ لأدب السجون في زمن يسمى «سنوات الرصاص».
يجمع الاتحاديون على أن ثريا عاشت مع المقاوم والشاعر محمد الوديع الآسفي، أقصر قصة حب، فلم يمض على تعارفهما سوى أسبوع حتى كانت في عصمته، يقول أحمد بيضي في رصد سيرة السقاط: مفاجأة انتهت بالزواج: «فطن محمد الوديع إلى أنها نصفه الثاني الذي يستطيع مرافقته على الطريق، ولم يكن بمقدورها أن ترفض دخول حياته بهذه السرعة الجنونية، وكل ما تدريه أنه أحبها من أول يوم على سنة الله ورسوله، ولم يعتقد الاثنان أن القدر سيرى فيهما أشبه ما يكون بالحجرتين اللتين كان الإنسان القديم يحك إحداها بالأخرى فتحدث النار، ذلك حين دعت الظروف أن يعيشا الجزء الطويل من عمريهما في مواجهة مرارة الحقب السوداء، وحين يسأل المرء كيف كانت هذه المرارة يكون الجواب بكل تأكيد هو أن الزوجين ليسا وحدهما من تجرعها بل إن أبناءهما صلاح وعزيز وأسماء، عاشوا بشاعة الزنازين والقيود والظلام».
لم يساهم الزواج المبكر لثريا والتحاقها ببيت الزوجية في قطع صلتها بالقراءة والكتابة، إذ ظل هوس التعلم حاضرا، وكلما كانت تنتهي من أشغال البيت كانت تغوص في مؤلفات أكبر الكتاب العرب والعجم، في الوقت الذي كان زوجها محمد الوديع الآسفي قد تشبع بالعلم في عاصمة عبدة، من معين الشيخ محمد الكنوني والفقيه إدريس بناصر، وانتقل إلى مراكش للتتلمذ على يد العلامة المختار السوسي، قبل أن يرحل إلى العاصمة العلمية فاس لرغبته في مواصلة دراسته بجامعة «القرويين».
بدأت علاقة ثريا بالمعتقلات حين ألقي القبض على زوجها في غمرة دعوة التمرد على النظام، فحكم عليه بسنتين حبسا. وبعد انتهاء فترة الاعتقال انتقل رفقة زوجته إلى مكناس حيث اشتغل مدرسا بمدرسة «النهضة»، قبل أن تقرر السلطات الاستعمارية إعفاءه من مهنة التدريس، بل وتم نفيه إلى مدينة سلا، حيث قضت ثريا أحلك المواقف رفقته خلال فترة الإقامة الإجبارية.
في كتابها «مناديل وقضبان» تتحدث ثريا عن أولى نسمات الحب التي هبت عليها: «كان اللقاء الأول بيني وبين زوجي وسط المعاناة، فبمجرد أن تم زواجنا ونحن في سن مبكرة جاء قرار النفي في حق زوجي الذي أبلغ، أثناء غيابي عن المنزل، بقرار الإبعاد بمعية مصطفى بلعربي العلوي ومصطفى بن أحمد. وعند رجوعي إلى المنزل وجدت الأثاث البسيط الذي كنا نتوفر عليه قد ضاع في ظروف مجهولة، استمرت هذه المعاناة فترة طويلة إلى أن تمكنا من الحصول على منزل صغير بسلا استأنفنا فيه حياتنا من جديد».
لم تكن ثريا أسيرة المطبخ، بل ساهمت في بناء الوعي السياسي للنساء، من خلال تأطيرها لبرنامج محو الأمية، إلا أن زوجها اعتقل مرة أخرى وأصبحت تتردد على السجون، فمان أن يغادر الوديع السجن حتى يعود إليه بتهمة أثقل. وكلما زاد الاحتقان السياسي إلا وكان «الكوبل» المناضل في طليعة منظمي الحركات الاحتجاجية، خاصة انتفاضة 20 غشت 1953 إثر نفي الملك الراحل محمد الخامس. وبعودة محمد الخامس من منفاه إلى أرض الوطن والإعلان عن الاستقلال، كانت ثريا وزوجها قد استقرا بالدار البيضاء بعد رحلة المعاناة. وفي عام 1959 حضرت بالمعمورة تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي خرج من أحشاء حزب الاستقلال.
اعتقدت الزوجة أن تعيين زوجها قائدا على منطقة الخميسات سيطوي الخلاف مع السلطات الحاكمة، إلا أنه نقل إلى سيدي بنور قبل أن يصدر وزير الداخلية حينها أحمد رضا كديرة قرارا بعزله، بسبب مواقفه المعادية لسلطة سنوات الجمر، ليعيش رعب المعتقلات السرية والعلنية.
وتقول مصادر اتحادية إن ثريا «كانت تعوض زوجها عند كل اعتقال في التكفل بتلامذته، وحين زارت يوما مؤسسة «الشيخ» بحي الوازيس بالدار البيضاء لتتبع دراسة الأبناء انبهر مدير المدرسة».
على امتداد عشرة العمر أنجبت ثريا ومحمد أبناء عاش أغلبهم محنة الاعتقال ولو في مخفر شرطة، من قبيل (آسية وأسماء ووفاء وصلاح وخالد وعزيز والعربي وجمال ثم توفيق). كلهم شربوا من ثدي النضال، ومنهم من فتح عينيه على والدته وهي تدخل الاستحقاقات الانتخابية وتظفر بمقعد في جماعة المعاريف بالدارالبيضاء.
وافت المنية ثريا السقاط في فبراير عام 1992، أي قبل رحيل زوجها محمد الوديع الآسفي بحوالي 12 سنة، لكن تخليد اسمها بإطلاقه على أحد المركبات الثقافية يجعلها حاضرة في الذاكرة.