«ثرثرة البيغ وأموال الدعم»
مراد العشابي
يريد توفيق حازب الملقب ب«البيغ» أن يسير على خطى الشيخ سار في تجارة أغنية الراب الدينية، لكنه تناسى أن تجارة الشيخ سار أصابها الكساد والبوار فاعتزلها وفتح وكالة إلكترونية «لتعمار الشوارج» و تزويج غير المتزوجات مقابل مائة درهم لكل واحدة ترغب «تعمار الدار»، مما سيدر عليه دخلا قارا يعفيه من التعويضات التي يحصل عليها من موقع «يوتيوب» عن أشرطته الحافلة بالفتاوى العشوائية أو يصور مطاردته لأرداف النساء في الشوارع.
وفضل البيغ أن يعطي انطلاقة قوية للراب الديني بأغنية «عذاب القبر» لما يرتبط به هذا الموضوع في الذاكرة الجماعية من فزع شديد وخوف من العقاب والعذاب جراء معصية الله والغيبة والنميمة وغيرها من الموبقات الموجبة لعذاب القبر كما فصل فيها الفقهاء، وادعى البيغ أنه كان مهنيا ولم يتطفل على الموضوع إلا بعد أن استشار فقيها حتى لايزيغ لسانه في أمور الدين كما زاغ لسانه في أمور الدنيا ب «تخسار الهدرة» التي شكلت الأصل التجاري والرأسمال المادي الذي استثمره في توجيه شتائم وقذف في حق الأحزاب والإعلاميين وشباب 20 فبراير وكل من رفع صوته بالاحتجاج، حيث إن كل من قال لا فهو «حولي» حسب تعبيره الدون بيغ أي مجرد خروف أبله يسير كالأعمى وراء القطيع.
ولسنا ندري هل الكلام الخاسر والنابي من موجبات عذاب القبر، لكن السؤال يبقى مطروحا مع ذلك، خصوصا وأن البيغ انتهز فرصة مشاركته في مهرجان فني ليعلن ضمنيا توبته عن الكلام الفاحش، خصوصا أنه كان قد أبلى البلاء في هذا المجال، حيث امتد لسانه على سبيل المثال للممثل محمد الجم الذي وصفه «الخاسر» بـ «المعاق مسرحيا»، فقط لأن الجم سخر بلطف شديد من الموسيقى الشبابية.
ويبقى أن البيغ لم يكشف هل مولت وزارة الثقافة ألبومه الجديد الذي يضم أغنية «عذاب القبر»، كما سبق لهذه الوزارة أن فعلت بتمكينه من منحة مالية سخية من أجل إصدار ألبوم تميز بأغنية «تي جونيور»، التي هي عبارة عن نصائح شديدة وجهها الخاسر لابنه الصغير، مما دفع بالبعض إلى التساؤل:كيف يصح أن ينصح البيغ ابنه بتمويل حكومي، أي بالمال العام؟
كان على البيغ أن يعترف أنه لم يعد أبدا مغنيا لـ «الراب»، بعد أن زاغ عن خصوصيات هذا الفن الذي خرج من ضلع ثقافة الهيب هوب، من أجل أن يناهض كل أشكال التسلط والزجر، فهذا الفن الذي انطلق خلال الربع الأخير من القرن الماضي بالولايات المتحدة تميز بأنه جاء كصرخة ضد الفقر والعنصرية والتهميش والإقصاء، بكلمة أخرى فإن الراب لا يمكن أبدا أن يكون فنا مهادنا وسكونيا يساير الخنوع والقبول بالأمر الواقع، ولعل البيغ لم يحتفظ من «الراب» سوى بمعنى هذه الكلمة الدارجة لدى السود الأمريكيين أي «الثرثرة»، وما على البيغ إلا أن يجد تصنيفا جديدا لفنه الذي أصبح ينافس بعض الحلايقية في جامع الفنا بمراكش الذين تخصصوا في إفزاع المتحلقين حولهم بقصص مروعة عن أهوال القبر وسوء الخاتمة، وقصص الثعبان الأقرع وآل فرعون الذين يعرضون على النار صباحا ومساء في القبر من أجل جمع بعض الدراهم. أما الراب فتلك قصة أخرى لم يعد البيغ يستجيب لمقوماته وتيماته وأسباب نزوله، لذلك يصح على آخر إنتاجات الخاسر شعار: «شوف وسكت»