تُنسى.. وكأنك لم تكن
الجميع يموتون في الأخير. وحتى الذين يحكمون تسري عليهم القاعدة. تُنسى.. وكأنك لم تكن، كما قال درويش. هذا هو المصير الذي سيواجهه كل الذين يموتون وهم يحاربون في الخندق الخطأ.
محمد عبد العزيز، توفي، وكان الخبر صحيحا هذه المرة، بعد أن ألحقته الإشاعة بالرفيق الأعلى في أكثر من مناسبة. سارع المهتمون، وفي لمح البصر، إلى إضافة تاريخ وفاته في محركات البحث، وهكذا تكون حياته التي بدأت سنة 1947، قد عرفت نهاية لها هذا العام، أي في 2016. أمر مبهر في الحقيقة، أن يسارع المهتمون بالحياة الغريبة لهذا الرجل، إلى تحديث معلوماته الشخصية في «ويكيبيديا» في زمن قياسي، دقائق فقط بعد وفاته.
الذين يتابعون ملف الصحراء، يعلمون أن محمد عبد العزيز يتحدر من أسرة مغربية وأن والده، «الركيبي» كان على عهد الملك الراحل الحسن الثاني، واحدا من الذين تكلفوا بحمل ملف الصحراء والدفاع عنه. فعائلة محمد عبد العزيز، الذي تزعم البوليساريو، كانت دائما من العائلات التي تدافع عن مغربية الصحراء. لكن الابن الذي درس في مراكش، وعاش حياته مستفيدا من المغرب، كان له رأي آخر، خصوصا بعد أن جرفه تيار الموالين للدعم الجزائري، الذي كان خلال بداية السبعينات يبحث عمن يدعم الخطة الجزائرية لتأجيج الانفصال.
ركب محمد عبد العزيز الطائرة، ذات سبعينات، وكان ينظر من النافذة، تتقاذفه أمواج القلق، وهو يلقي بنفسه إلى المعسكر الآخر للبحث عن موطئ قدم ونفوذ، ليصبح سنوات بعد ذلك على رأس الداعمين لأطروحة الانفصال، وبعدها سيأتي دوره ليكون زعيما لدولة لا توجد على أرض الواقع.
والقليلون أيضا، يعلمون أن والد عبد العزيز المراكشي، كان من بين الناشطين في جيش التحرير في الصحراء خلال الخمسينات، وكان أيضا من مؤسسيه. لكن الغلط الذي ارتكبه سياسيون مغاربة، صاروا في ما بعد يتقلبون في الريع، كان هو إقصاء بعض الأسماء الصحراوية الوازنة من المشاركة في اندماج جيش التحرير سنة 1956. فالكولونيل بنحمو الذي فر بجلده إلى الجزائر مع زوجته، حتى لا تتم تصفيته بسبب إلحاحه على مقابلة الملك الحسن الثاني أياما قليلة بعد هذا الاندماج، لم يكن إلا واحدا ممن طالهم التهميش.
بالنسبة لوالد عبد العزيز المراكشي، فإن الوضع كان مختلفا نسبيا، لأنه كان واحدا من الذين ابتعدوا عن الدوامة التي كانت تدور بعنف في الرباط، وهكذا كان خلال سنوات الأزمة واحدا من الذين التقاهم الملك الحسن الثاني، باعتباره من أبناء العائلات الكبيرة في الصحراء، والتي كانت كلها تدافع عن الطرح المغربي، وترفض الانفصال، خصوصا وأن بعض أبناء تلك العائلات يحتفظون بظهائر ملكية ووثائق تعود إلى أزيد من مائة سنة، تؤرخ للبيعة بينهم والرباط.
الوالد، كانت لديه، مأذونية نقل، منحها له الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1983، وهي السنة التي أصر فيها وفد صحراوي على لقاء الملك الراحل رغم أن الجنرال الدليمي كان قد ألقى بثقله حتى لا يتم ذلك اللقاء، وكان الكولونيل بن حمو على رأس الوفد الصحراوي الذي التقاه الملك الحسن الثاني في تلك السنة بمدينة مراكش، ليشكو له من الظلم الذي ناله منذ 1956، إلى بداية سنوات الستينات، حيث اضطر إلى الهرب رفقة زوجته حتى لا تغتاله الأجهزة السرية، عندما كان الدليمي يأمر فيها وينهي.
يومها كان الجنرال الدليمي محرجا، وأخبر الكولونيل بن حمو أن يزن كلامه جيدا أمام الملك الراحل، وأخبره أيضا أنه، أي الجنرال، أعلم من بن حمو بقضية الصحراء، ليرد عليه الأخير: «أنا أعرف الصحراء وأعرف المدفونين في كل شبر منها، أما أنت فلا تمر من الصحراء إلا بطائرة ميراج».. ليصمت الدليمي في الأخير، ويموت بعد ذلك بأشهر.
والد عبد العزيز المراكشي، كان من هؤلاء الرجال الذين صادقوا قيادات جيش التحرير في الصحراء، وللأسف، لا أحد طرح يوما السؤال عن سر التهميش الذي تعرض له الوطنيون المغاربة في الصحراء، ولماذا لم يتم التعاون معهم.
مات عبد العزيز المراكشي، إذن، وسيجد المتابعون الغربيون أنفسهم، حتى الداعمين منهم لأطروحة الانفصال، مجبرين على كتابة أنه ولد في المغرب، وترعرع فيه، وسيكون مثيرا للاهتمام أن يتم السماح لعائلته أن تدفنه فيه. ففي الأخير تُنسى.. وكأنك لم تكن.