شوف تشوف

الرأيالرئيسية

تونس.. والانتخابات

سواء أَجريت الانتخابات التشريعية التونسية في 17 دجنبر الحالي أم لا، فالأمر سيان. أنصار الرئيس قيس سعيّد أنفسهم غير مهتمين كثيرا بالاستحقاق. أما المعارضة، فمنذ انقلاب 25 يوليوز 2021، وكل ما تبعه من إجراءات غرضها تقويض المسار الديمقراطي، كانت واضحة في موقفها لجهة مقاطعة أي استحقاقات يفرضها سعيّد. ولذلك لن تكون الانتخابات المنتظرة بعد أيام مختلفة عن مسار الاستفتاء على الدستور تحديدا، لجهة تثبيت نتائجها والسير بها بما يتطابق مع رؤية سعيّد، مهما بلغت نسبة المشاركة فيها.

أعداد المترشحين للانتخابات تدل على حجم المأزق، سيتنافس 1052 مرشحا في 151 دائرة انتخابية في الداخل، موزعة على 24 ولاية. وهناك ثلاثة مرشحين فقط في الخارج، فيما بقيت سبع دوائر في الخارج من دون مرشحين. وهؤلاء جميعا سيخوضون الانتخابات وفق قانون انتخابي جديد، أطاح بالقوائم الحزبية واستبدلها بالتصويت الفردي، تلبية لمقاربة سعيّد الذي لطالما رأى أن «عصر الأحزاب قد انتهى».

وإذا كانت الانتخابات بصيغتها الحالية تحصيل حاصل، يبقى السؤال الأهم عن اللحظة التي ستلي هذا الاستحقاق. في ما يخص البرلمان ودوره، لا تعويل عليه، بعد حرص سعيّد على أن يحجمه في الدستور الجديد بعد استحداث المجلس الوطني للجهات والأقاليم، إلى جانب مجلس نواب الشعب، والسماح بسحب وكالة النائب وحرمانه من الحصانة، في حال «تعطيله السير العادي لأعمال المجلس»، في مقابل تعظيم صلاحيات الرئيس، ليصبح الآمر الناهي في كل القضايا، خصوصا بعدما استحوذ أيضا على صلاحيات رئيس الوزراء، وحول من يتولى هذا المنصب إلى مجرد منفذ لسياسات الرئيس وتوجيهاته.

النقطة الأهم تتمحور حول ما إذا كانت المواجهة بين سعيّد ورافضي الانقلاب ستشهد تحولات جديدة، تكون قادرة على إحداث تغيير في المعادلات الحالية، وتخرج المعارضة من موقع رد الفعل.

نجحت المعارضة، تحديدا جبهة الخلاص الوطني، في إعلاء صوتها أكثر من مرة، وتأكيد أن كل إجراءات سعيّد ليست قادرة على إسكاتها. وبدل مسيرة واحدة نظمت مسيرات، وعوض البقاء في المركز، أي العاصمة، تنقل تحركاتها أخيرا إلى الجهات، لتوسيع قاعدة المعارضة. وعلى الرغم من ذلك كله، لا يشعر سعيّد بكثير من القلق، فهو يدرك جيدا أن حجم المعارضة له واسع بما فيه الكفاية، لكنها لم تنتقل إلى مرحلة التهديد الفعلي له. يراهن على تشرذمها الكبير وتناقضاتها التي تحول دون توحيد تحركاتها. منذ بداية الانقلاب، لم يطالب أحد معارضي سعيّد بتبديل قناعاتهم تجاه بعضهم، لكن التعويل كان على أن تساهم خطورة اللحظة في أن تتعالى مختلف القوى السياسية الفاعلة عن حساباتها الضيقة، وتصب جهدها من أجل إسقاط الانقلاب، لأن كل يوم إضافي يمر عليه يجري قضم مزيد من حريات وحقوق الشعب التونسي. لكن ذلك ما لم يتحقق بعدما طغت الاعتبارات الحزبية على النقطة الأهم.

اختار سعيّد عمدا 17 دجنبر موعدا للانتخابات، لتزامنه مع مرور 12 عاما على انطلاق الثورة، وهو التاريخ نفسه الذي حدده سعيّد للاحتفاء بها بعدما غيره من 14 يناير، تاريخ هروب زين العابدين بن علي. يصر سعيّد على بناء سرديته للثورة والأحداث التي تلتها، وصولا إلى انقلابه الذي أعطاه صبغة «الإجراءات الاستثنائية»، مستغلا الوهن السياسي لكل الأطراف المعارضة له.. لذلك، مسؤولية المعارضة تكبر مع كل استحقاق يستطيع سعيّد تمريره بسبب خلافاتها.

جمانة فرحات

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى