تونس الرهينة
يوما بعد يوم تتجه تونس نحو غياهب السلطوية والاستبداد وتبتعد مسافات ضوئية عن الديمقراطية في أدنى مظاهرها، يوما بعد يوم تتحول ثورة الياسمين إلى مقبرة لحقوق الإنسان وقتل المؤسسات الدستورية، يوماً بعد يوم تتدحرج الأوضاع الاقتصادية في تونس نحو الأسوأ وربما المجهول، يوما بعد يوم تتحول تونس إلى رهينة في يد نظام الكابرانات يخوض بها حروبه بالوكالة ضد الأشقاء.
إن ما يزيد من تعقيدات وأعطاب المشهد التونسي التدخل السافر لنظام الكابرانات في قرارات قصر قرطاج مما جعل مواقفه تنزاح عن الثوابت الداخلية والخارجية التي تميزت بها تونس منذ استقلالها. فالجزائر لا تهمها ديمقراطية وتنمية تونس بقدر ما تهمها مصالحها الأمنية والاستراتيجية ولو على حساب سيادة واستقرار تونس.
وبدلا من أن يركز قيس السعيد على قطع أوصال التدخل في القرار الداخلي وكبح جماح تغول وتوغل المخابرات الجزائرية، ويعكف على تحسين علاقاته مع الدول بما تقتضيه ثوابت السياسة الخارجية التونسية منذ الراحل الحبيب بورقيبة، وتجنيب البلاد مواقف تمس بسيادة الدول العربية ووحدتها الترابية مثل المغرب، راح يعمق استبداده على المؤسسات الدستورية، ويحل برلماناً منتخباً، ويهدي مفاتيح البلاد لقصر المرادية، مما جعله يقدم على خطوة استقبال زعيم الانفصاليين بنبطوش التي لم يجرؤ أي رئيس تونسي على اتخاذ أقل منها.
ما ينبغي أن يستوعبه قيس سعيد أنه يدخل البلاد في نفق المجهول، مقابل وعود بمساعدات جزائرية لم تأت بعد كما كان منتظرا ويبدو أنها لن تأتي أبداً، لكنها حتى وإن أتت فلا يمكن أن تشتري القرارات السيادية، كما أنها لن تدمل الطعنة من الخلف التي وجهها قيس لوحدتنا الترابية.
وللأسف أنه مع قيس سعيد لا يوجد أحد في تونس وخارجها يعلم إلى أين تسير هذه البلاد التواقة للحرية والحداثة والديمقراطية، وكيف يفكر الرئيس في إخراجها من عنق الزجاجة، لكن ما يعلمه الجميع أن هذه الحالة خطر على البلاد ومستقبلها لأنها تضع سيادة بلد في يد نظام الكابرانات يفعل بتونس الشقيقة ما يشاء وقتما يشاء وكيفما يشاء.