توبة في مساجد المملكة نجوم اعتنقوا الإسلام في المغرب
في شهر رمضان، يكون الإقبال على اعتناق الديانة الإسلامية كبيرا، وتكون الأجواء الروحانية مصدر إلهام لمئات من المحسوبين على ديانات أخرى.
تتصدر المملكة العربية السعودية ترتيب الدول التي يعتنق فيها الأجانب الديانة الإسلامية، إذ تشير آخر الإحصائيات الرسمية إلى دخول 200 شخص من جنسيات مختلفة للإسلام. وطبيعي أن تحتل السعودية هذه المكانة في ترتيب الاستقطاب للدين السمح، باعتبارها محجا للمسلمين وبلد الحرمين الشريفين.
ويعتبر موسم الحج موعدا ثابتا للإقبال على الدين الإسلامي، وفضاء للوقوف عند قصص معتنقي الإسلام وبخاصة مشاهير العالم والمؤثرين في الرأي العام العالمي. في هذه البقعة الطاهرة أشهر الملاكم الأمريكي محمد علي كلاي إسلامه، وتلاه الملاكم مايك تايسون، واللاعب ريبيري والمفكر روجي غارودي، وملك الروك البريطاني كات ستيفنز، واللائحة طويلة.
في المغرب، استقطبت الطريقة القادرية البودشيشية، خارج المغرب وداخله، كثيرا من الشخصيات الوازنة، وساهمت في اعتناقهم الدين الإسلامي، تونغ تاهن خان، طاو شان، نغويان هي دونغ كثلاثة سياسيين آسيويين من الفيتنام سقطوا في حب الزاوية البودشيشية وأصبحوا من مريديها حين زاروها والتقوا شيخها.
يصعب حصر لائحة المشاهير الذين اعتنقوا الإسلام في مساجد المملكة، لكن هناك شبه إجماع على كون رمضان يبعث في النفوس حب الدين الإسلامي ويزيد من إقبال الأجانب عليه.
في هذا الملف، نسلط الضوء على أبرز الشخصيات العمومية التي أشهرت إسلامها في المغرب.
حسن البصري:
فاريا: عرض علي القطريون دخول الإسلام فاعتنقته في المغرب
بصم المدرب البرازيلي فاريا بقوة في سجل كرة القدم المغربية، فمنذ أن وطأت قدماه المغرب سنة 1983، تحول الرجل إلى أسطورة من أساطير التدريب بعد أن تمكن من قيادة الكرة المغربية للظفر بأول لقب في تاريخها، حين قاد الجيش الملكي إلى الفوز بلقب البطولة الإفريقية سنة 1985، كأول إنجاز قاري في تاريخ النوادي المغربية، وبعد سنة قاد المنتخب المغربي إلى عبور تاريخي نحو الدور الثاني من نهائيات كأس العالم بالمكسيك.
تزوج المهدي بفتاة سوسية تدعى سعيدة، بعد أن أجبرته على اعتناق الإسلام ورزق منها بنتا وولدا.
عاش الرجل في نهاية حياته ظروفا صعبة بعد أن توقف عن التدريب على مستوى النخبة، واكتفى بمنصب مؤطر بمدرسة التكوين التابعة لفريق الجيش الملكي وهو المنصب الذي كان يسبب له ألما نفسيا، خاصة على المستوى المادي، لأنه كان يتقاضى راتبا هزيلا رغم ما راكمه من تجربة غنية في ميادين الكرة.
قبل أن يحط فاريا الرحال بالمغرب، ارتبط بالمشهد الكروي في قطر، هناك كان مسؤولو النادي الذي أشرف على تدريبه يحدثونه عن الإسلام وتسامحه ومميزاته، لكن المدرب لم يتأثر بذلك الخطاب، «قام أحد الأمراء بإعطائي مبلغا ماليا مقابل اعتناق الإسلام لكنني رفضت»، يقول جوزيه.
أثناء استقراره بالمغرب، انتبه إلى أن الدين يتم إدراكه بشكل مختلف وتتجسد داخله مظاهر تسامح الإسلام بكافة المعاني، ودون مال أو ضغط، فاتخذ قرارا بأن أصبح مسلما. «لا أخفي أنه خلال تلك المرحلة التقيت مغربية أصبحت في ما بعد زوجتي وأم أبنائي وهو ما عزز كثيرا هذا الاختيار»، يضيف المدرب الذي اعتنق الإسلام واستبدل اسم جوزيه بالمهدي.
اقترح الملك الراحل الحسن الثاني تجنيس المدرب البرازيلي، أثناء حفل استقبال في قصر فرساي في باريس، بعد عودة فريق الجيش من الكونغو، ووصفه بالمواطن الفخري.
حينما كان الحسن الثاني يستدعي فاريا، للتشاور حول المنتخب في لقاءات غالبا ما تتم في مسالك الغولف الملكي في دار السلام بالرباط، كان السؤال الكلاسيكي للملك: «هل اندمجت في المجتمع المغربي بشكل نهائي»؟ في إشارة إلى اعتناقه الديانةَ الإسلامية وزواجه من مغربية وهو ما حصل.
كريستين.. زوجة باكو الكناوية تسقط في حب الإسلام والصويرة
في منتصف الستينات، كان الفتى عبد الرحمن قيروش يوزع وقته بين ورشة العرعار وليالي الفن الكناوي، إلى أن نال صفة «معلم» كناوي. كان مسكونا بأنغام الأفارقة المتطلعين نحو الحرية، ومتأثرا بالحركات التحررية في أوروبا، والفرق المسرحية والغنائية الثورية. في هذه الظرفية الزمنية الدقيقة، ستصل إلى مدينة الصويرة فرقة مسرحية من إنجلترا اسمها «ليفينغ تياتر».
في السيرة الذاتية لعبد الرحمن، التي نشرتها جريدة «الاتحاد الاشتراكي»، يتحدث «باكو» عن هذه المحطة، حيث انضم إلى الفرقة البريطانية بعد أن تعرف على أعضائها وأصبح هو «المموج» داخل هذه الفرقة المسرحية، إذ يعزف بواسطة «السنتير» في مختلف المشاهد المؤثثة للأعمال المقدمة من قبلها، ثم أصبح عضوا أساسيا داخل الفرقة وسيتزوج من بطلتها «كريستين سوزان» التي كانت قد أغرمت بعبد الرحمن بمنطقة الديابات حيث التجمع العالمي للهيبي، بطقوسه المختلفة من عزف للموسيقى وإسدال الشعر والارتماء في أحضان الطبيعة والميول إلى الحرية والتحرر أكثر.
يقول عبد الرحمن: «في عام 1967 ومباشرة بعد زواجي من سوزان، سافرنا إلى إنجلترا لقضاء عطلة، ومكثنا هناك مدة طويلة التقيت خلالها من جديد أعضاء فرقة ليفينغ تياتر، وأحييت لهم هناك بعض الليالي والسهرات ذكرتنا بجلساتنا الليلية التي كنا نقضيها بغابة الديابات. بعد أيام جميلة بإنجلترا هزني شوق طقوس الليالي فقررت العودة إلى المغرب وبرفقتي سوزان، ورغم أن لغتي الإنجليزية لم تكن جيدة وهم لا يتقنون حرفا من العربية، ومع ذلك كنا نحس بأننا إخوة وليس مجرد أصدقاء».
بعد ارتباط عبد الرحمن بكريستين والفرقة المسرحية، سيطلق عليه لقب «باكو»، وهو الزواج الذي باركه الفنان جيمي هاندريكس الذي أصبح من أصدقاء المعلم باكو المولعين بموسيقاه الروحية والثورية، ورفيقا للكوبل الفني.
انفصل الكوبل مباشرة بعد إعلان كريستين إسلامها، حيث كانت أكثر تمسكا بالعقيدة الكناوية، خاصة بعدما افتتنت بالغزو الهيبي وأصبح من الصعب الجمع بين الإسلام والتحرر، وذلك بعدما أنجبت من باكو طفلة اختارت بعدها الاستقرار في إنجلترا.
المهدي فييرا.. المدرب الذي يتردد على حلقات الوعظ بالدار البيضاء
في سنة 1984 وطأت قدما جورفان فييرا المغرب، حين دعاه المدرب جوزيه فاريا لمساعدته على تدريب الجيش الملكي والمنتخب المغربي، فقبل الفتى العرض بسرعة، وأصبح عضوا في الطاقم التقني للجيش الملكي.
جورفان فييرا كائن متعدد الجنسيات، فهو من أم برازيلية وأب برتغالي، يحمل جنسية كل من البرازيل والبرتغال والمغرب، بالإضافة إلى جواز السفر العراقي الذي ناله بعد تتويج منتخب العراق بكأس أسيا سنة 2007.
وقد اعتنق الإسلام عندما كان مدربا في المغرب، وحين طلب منه تغيير اسمه اختار «المهدي» تيمنا بصديقه وملهمه المهدي فاريا. وما يميز فييرا أكثر هو إتقانه ثماني لغات من بينها العربية والفارسية. وقد جاب الرجل العالم الإسلامي طولا وعرضا، لكن وحدها جاذبية المغربية خديجة هي التي وضعت حدا لتنقلاته، فشاركها الحياة الزوجية..
رغم أن كثيرا من الكتابات ربطت اعتناقه الدين الإسلامي بارتباطه بزوجته المغربية، إلا أن اعتزال جورفان الديانة المسيحية بدأ قبل الزواج وتحديدا عندما نزح إلى المنطقة العربية عام 1978 لتولى تدريب فرق خليجية.
يرفض فييرا قضية التحول من ديانة إلى أخرى، ويصر على أنه كان يعيش فراغا روحيا. «لم أعتنق قبل الإسلام أي ديانة، لا دين لي، لكن ما أدهشني وجذبني هي عادات المسلمين صلاتهم وصيامهم وبدأت أتساءل عن كل ما أراه حولي، وأواصل البحث في الإسلام، والقراءة والاستفسار عن كل ما يشغل ذهني من المسلمين ودينهم لمدة أربع سنوات».
سقط المدرب في عشق الديانة الإسلامية قبل أن يتعرف على زوجته المغربية، وشرع في قراءة القرآن الكريم باللغة الانجليزية والأحاديث النبوية بل إنه كان يتردد على أحد معاونيه الذي بسط له الديانة وساهم في انجذابه نحوها.
في صيف 1992 تزوج فييرا من خديجة بعد انتزاع موافقة عسيرة من والد الزوجة خديجة، وأنجبا ياسين تيمنا بسورة ياسين. يعترف المدرب بدور الزواج في تمتين صلته بالدين فظل يتردد على مسجد النور كلما عاش قضى شهر رمضان في الدار البيضاء دون أن يخلف الوعد من دروس الوعظ والإرشاد فهي ملاذه الثاني بعد المستطيل الأخضر.
«رابور» يعتنق الإسلام بفرنسا ويتصوف بالمغرب
ما أن أعلن فنان الراب ريجيس إسلامه وأصبح يحمل اسم عبد الملك، حتى شد الرحال إلى المغرب، وقضى أياما في الزاوية البودشيشية شرق المملكة. في حواره مع الجزيرة الوثائقية سيروى هذا «الرابور» تجربة إسلامه وبحثه عن نور هداية يضيء طريقه، واختار الكتابة والقصائد وسيلة لذلك.
أصدر عبد الملك كتابه «مكاشفة القلوب» في طبعتين فرنسية وأخرى مغربية، ليعلن على الملأ انتقاله من «الضلال إلى النور». يقع الكتاب في 159 صفحة موزعة على خمسة فصول، ومذيلة ببعض القصائد والأغاني التي أبدعها وأداها الفنان عبد الملك في سهراته وألبوماته.
ولد عبد الملك في الكونغو وانتقل إلى فرنسا وعاش فترة في بلجيكا، قبل أن يصبح من أشهر رابورات أوروبا، لكن سيغير نمط حياته ويصبح واحدا من أتباع الطريقة الصوفية البودشيشية المغربية، وفي مداغ كان الفنان الفرنسي يقضي أوقاتا طويلة من أجل التعبئة الروحية «بحثا عن نور يقذفه الله في قلبه وتنحل به العقدة بين التدين والموسيقى».
عاش الولد ظروف الهجرة القاسية إلى فرنسا، وتحديدا في ستراسبورغ، تبعات الطلاق الذي فرق بين والده ووالدته لتتحمل الأم أعباء أسرة تعيش أقسى ظروف الهشاشة.
انخرط الفتى ريجيس في عالم المنحرفين وعانى من مطاردة البوليس، وكانت أمه تذكره بحقيقة أصوله الدينية وتحدثه عن بيئة عائلته المسيحية الكاثوليكية، لكنه اعتاد اكتشاف الذات والآخر بفضل شيخ الزاوية البودشيشية حمزة بن العباس.
في حضرة سيدي حمزة «تعرفت على إسلام متنور، يتم فيه قبول الآخر كما هو، وتحترم فيه الاختلافات. إسلام يدعو إلى العودة إلى الذات، وخوض معركة حقيقية ضد الأنا وضد الجهل. ومن خلال هذه التربية، اكتشفت حب بلدي، فرنسا، وأهمية قيمه».
ويضيف عبد الملك في حوار صحفي: «كنت أشعر أنني لم أرو ظمأي الروحي، فكانت الكتب ملاذي. كان اهتمامي كبيرا بكبار المتصوفين الإسلاميين، الذين ألفوا كتبا ما بين القرنين التاسع والثاني عشر. قرأت كتب ابن عربي، الرومي، عبد القادر، إلى أن منحني أحد الأصدقاء كتابا حول الصوفية، وقرأت فيه أن ثمة شيخا روحيا يعيش في المغرب ويدعى سيدي حمزة».
المدرب فيليب تروسيي يعتنق الإسلام ويستبدل فليب بـ «عمر»
تختلف قصة اعتناق المدرب الفرنسي فيليب تروسيي الديانة الإسلامية عن قصص باقي المدربين الأجانب، الذين دخلوا الإسلام عبر بوابة المغرب. فقد تريث تروسيي طويلا قبل أن يقنع زوجته دومينيك ويقرران سويا اعتناق الديانة الإسلامية في أحد مساجد الرباط المدينة المفصلة لهذا المدرب العاشق للمغرب.
استبدل اسم فيليب بعمر، واستبدلت زوجته دومينيك اسمها بأمينة، بل إن مراسيم اعتناق الإسلام تمت بحضور إمام وقاض شرعي.
قالت وكالة «فرانس بريس» إن دخول الإسلام كان يوم الجمعة وهو يوم له قدسيته عند المسلمين. فيما رحبت الصحف المغربية بهذا الاختيار واحتفت صحيفة «لوبينيون» الصادرة بالفرنسية بالزوجين من خلال عنوان: «أهلا بكما عمر وأمينة في مملكة الرحمن مملكة الحق» واعتبرت اعتناقهما الإسلام مفاجأة رائعة.
بدأ تروسيي مسيرته في التدريب مع فريق الفتح الرباطي، وساهم في قيادته إلى تحقيق نتائج جيدة، قبل أن يقرر الاستقرار في العاصمة حيث اشترى بيتا ونسج علاقات صداقة مع مسيري الفريق. استمرت تلك العلاقة بعد أن غادر المدرب الداهية متجها إلى إفريقيا، درب مجموعة من المنتخبات قبل أن ينتقل إلى تدريب المنتخب الياباني، ففرق أخرى، ليعود إلى المغرب. درب المنتخب الأول لكرة القدم لفترة قصيرة ليغادره قبيل أيام من كأس إفريقيا للأمم، وفي كل تعاقداته كان يصر على ضم إطار مغربي لفريق عمله، يرافقه في صلواته وصيامه.
وفور إعلان إسلامه أقام نادي الفتح حفلا كبيرا بهذا الحدث، وكانت الفرحة كانت غامرة بمنزل تروسيي بالرباط، حيث تليت أمداح نبوية، وأعاد المسيرون واللاعبون لحظة نطقه بالشهادتين هو وزوجته.
إسلام عمر بونغو.. بين ليبيا والسعودية والمغرب
حين خرج ألبيرت برنارد بونغو إلى الوجود سنة 1935 كان مسيحي الديانة، وحين توفي والده وهو في السابعة من عمره أضاف بونغو أونديمبا كلقب له تقديرا لوالده، باسيلي أونديمبا.
اشتغل بونغو كملازم في القوات الجوية الفرنسية، ثم صعد بسرعة في الخدمة المدنية، وأصبح في نهاية المطاف نائب رئيس الغابون، قبل أن يصبح رئيس البلاد.
بدأت جاذبية الدين الإسلامي تتوغل في وجدان الرئيس الغابوني، حين زار الجماهيرية الليبية سنة 1973، حيث حضر اجتماعا لمنظمة أوبك.
حسب القصة المتداولة فإن زيارة ليبيا جعلت بونغو مفتونا بخطبة ألقاها العقيد القذافي في الساحة الخضراء، ويقال إن الرئيس الليبي معمر القذافي طلب منه خلال هذه الزيارة اعتناق الإسلام.
مباشرة بعد المؤتمر، شد ألبرت برنارد بونغو الرحال إلى السعودية حيث اعتنق الدين الإسلامي وعاد إلى بلاده وهو يحمل صفة الحاج عمر، بل إن ابنه علي بونغو سيتحول للإسلام في نفس الوقت مع والده، وكان سن «علي» في عام 1973، نحو 15 عاما.
احتفل الحسن الثاني بصديقه عمر بانغو، ودعاه لبناء مسجد في ليبروفيل، أرسل الملك عشرات الحرفيين المغاربة، بعد أن اعتمد في تزيينه من الداخل على الزليج البلدي التقليدي والجبس والخشب وفسيفساء الزليج المغربي الفاسي بالخصوص، الملون وفقا للأسلوب العربي- الإسلامي الذي تفنن الحرفيون المغاربة في تحضيره. وفي يوم الجمعة 11 فبراير 1983، تم تدشين مسجد في قلب العاصمة الغابونية ليبروفيل يحمل اسم «الحسن الثاني»، كتب على لوحته إنه «رمز للأخوة الدائمة بين المغرب والغابون»، وجرى افتتاحه من قبل فخامة رئيس الجمهورية الغابونية عمر بانغو، بحضور مولاي الحسن بن المهدي، ممثلا للملك الحسن الثاني.
وحين زار الرئيس الغابوني السابق علي بانغو المغرب وتوقف للترحم على الملك الحسن الثاني، أعجب بضريح محمد الخامس أيما إعجاب وأصر على أن يجعل له نسخة في ليبروفيل. وما أن وصل إلى بلاده حتى شرع في تنفيذ الفكرة.
في الذكرى السابعة والأربعين لحكم الرئيس الغابوني الراحل عمر بونغو، وتحديدا سنة 2014، وقفت الغابون في لحظة عرفان لمؤسس نهضة البلاد، وكانت هذه الوقفة بلمسة مغربية، حيث تم تدشين ضريحه، الذي أشرف عليه مهندس معماري مغربي اسمه شفيق القباج، تم تصميمه على شاكلة الضريح الذي دفن فيه ملوك علويون، في مقدمتهم الملك الراحل محمد الخامس ووريث عرشه الحسن الثاني، إلى جانب الأمير مولاي عبد الله.
محمد أسد.. دبلوماسي يهودي اعتنق الإسلام في طنجة
كرمت الحكومة النمساوية محمد أسد وأطلقت اسمه على شارع بساحة الأمم المتحدة في فيينا، وشاركت إلى جانب دول أخرى في إنتاج فيلم وثائقي يحمل عنوان «الطريق إلى مكة» يستلهم السيرة الذاتية للمفكر المسلم الراحل. وحذت العاصمة الألمانية برلين حذو نظيرتها النمساوية بتكريم أسد بإقامة رمز تذكاري باسمه بوسطها بجوار المنزل الذي عاش فيه في عشرينيات القرن الماضي.
بدأت أولى خيوط هذا المفكر الدبلوماسي حين خرج إلى الوجود في 2 يوليوز 1900 بمدينة ليبميرغ النمساوية في أسرة يهودية شديدة التدين، كان والده مدرسا وجده حاخاما ما جعله يغوص في عمق اللغة العبرية ويتبحر في دراسة التوراة والتلمود. بدأ دراسته العميقة في جامعة فيينا، لكنه ما لبث أن انقطع ورحل أوائل العشرينيات إلى برلين حيث التحق بالأوساط الثقافية، وعمل بفرع لوكالة «يونايتد براس أوف أميركا»، وأصبح عام 1921 محررا ثقافيا بصحيفة «فرانكفورتر».
نقطة التحول في مسار هذا الرجل حين هزت وجدانه مقاطع من القرآن دخلت أعماقه، ووضعته أمام نفسه، التي يهرب منها، وظلت تلاحقه من بعد، حتى أثبت القدر أنها تخاطب الأعماق، حينها نطق ليوبولد بالشهادتين، وغير اسمه إلى محمد أسد.
بعد إسلامه عام 1926 سافر لأداء فريضة الحج، واستقر في المدينة المنورة وتعرف على مؤسس السعودية وأول ملوكها عبد العزيز آل سعود وعمل مستشارا له، كما سافر إلى الهند وساهم مع العلامة محمد إقبال في تأسيس دولة باكستان الإسلامية، التي كرمته بمنحه جنسيتها، وتعيينه بمناصب مختلفة كان آخرها وزيرها المفوض بهيئة الأمم المتحدة.
في عام 1952 استقال من وظيفته وغادر نيويورك إلى سويسرا، حيث بقي عشرة سنوات تفرغ فيها للكتابة والتأليف، ثم رحل إلى مدينة طنجة وقضى فيها عشرين عاما.
عاش الرجل في حي بني يدر بطنجة إلى جانب أكبر المفكرين والكتاب والصحافيين محمد أسد، ومنها عمل مراسلا صحافيا وانكب على كتابة مذكراته ثم استقر بين طنجة وإسبانيا وتوفي ودفن في غرناطة. ويعتبر محمد أسد أحد أكثر مسلمي أوروبا في القرن العشرين تأثيرا.
في مدينة طنجة تعرف على حياة المغاربة عن قرب، واستغرب للتعايش الحاصل في المدينة القديمة بين المسلمين والمسيحيين واليهود، وفي مدينة تحت الوصاية الدولية عاش الرجل حياة المفكر وانبرى للدفاع عن الإسلام والرد على الشبهات المثارة حوله، وحاول «تجسير» الهوة بين الحضارتين الإسلامية والغربية، وانكب على كتابة مؤلفاته التي وصفها المفكر الألماني المسلم مراد هوفمان بأنها وصاحبها «هدية الغرب إلى الإسلام».
مهندس بريطاني يعتنق الإسلام ويحمل اسم لعلج
في النقش المنحوت باللغة العربية على تحصينات ميناء الصويرة يصادفك اسم أحمد العلج، وقد نقش بخط مغربي، وسجل فوقه بالأرقام تاريخ 1184، حيث نقرأ «الحمد لله، هذا الباب أمر ببنائه فخر الملوك سيدي محمد على يد مملوكه أحمد لعلج»، المعروف أيضا باسم أحمد الإنجليزي، المهندس المعماري من أصل إنجليزي، والذي عمل لدى السلطان المغربي محمد بن عبد الله.
تعددت الروايات حول أحمد الإنجليزي أو أحمد العلج، وما إذا كان مهندسا معماريا أو مجرد مساعد للمهندسين، فيما تؤكد روايات أخرى أن الرجل كان رئيسا لورشات العمل وليس مهندسا معماريا، بل إن اشتغاله على الموانئ يرجع لعمله في صفوف قراصنة سلا قبل أن يرحل صوب الصويرة.
لا تتحدث الروايات التاريخية عن اسمه وتكتفي كتب التاريخ بلقب «الإنجليزي» تارة و»أحمد لعلج» تارة أخرى، خاصة بعد اعتناقه الإسلام وتكليفه ببناء أجزاء من مدينة الصويرة، كمدخل الميناء. ومن بين الأبواب التي تشهد على كل ما سبق، «باب المرسى» الذي يوجد بمدينة الصويرة، حيث بني سنة 1770، كما تخبر بذلك النقوش التي توجد بالباب.
ولأن أحمد الإنجليزي عاش طويلا حياة البحار، فقد أصر على جعل أسوار المدينة المواجهة للبحر محمية بسلسلة من المدافع وبرجين محصنين: برج الميناء وبرج القصبة، وتوجد على طوله فتحات لازالت تطل منها بعض المدافع في مواجهة البحر.
حين اعتنق أحمد الديانة الإسلامية أصبح يخالط ثلة من المهندسين والبنائين المغاربة أو الوافدين، أبرزهم الحاج علي التطواني الذي بنى سجن الجزيرة الكبيرة المقابل للمدينة، والمهندس محمد الصويري الذي قام بمد المدينة بالماء من ساقية دار السلطان المهدومة إلى سجن الجزيرة، ثم الحاج بوبكر جسوس فاسي الأصول، أمين ميناء موغادور.
ابنة حاكم سبتة المسيحية تسلم على يد فقهاء تازة
في تازة العليا، يوجد زقاق ضيق يفضي إلى الجامع، كتب عليه «زنقة لالة عذراء». لا ينتبه كثير من الناس لحاملة شرف اسم المكان، بينما تؤكد الكتابات التاريخية أن عذراء هي سيدة جاءت إلى تازة من سبتة واسمها الحقيقي فلوراندا ابنة الغماري حاكم مدينة سبتة، حلت بالمنطقة بعد أن تعرضت لاعتداء جسدي من طرف لودريق ملك القوط بطلطيلة الإسبانية ففقدت إثره بكارتها.
كشفت الضيفة لنسوة المدينة المحروسة معاناتها، فاحترمها أهل رباط تازة ووقفوا إلى جانبها في هذا المصاب، بل وأطلقوا عليها اسم العذراء من باب تسمية الشيء بضده تخفيفا لآلامها وأحزانها، فاعتنقت الإسلام، وأحبت سكان المدينة الذين تعاطفوا مع قضيتها، فبنت لهم مسجدا سمي باسمها «مسجد لالة عذراء»، وبمقربة منه يوجد قبرها، قبل أن تعم التسمية كل المنطقة التي أصبح يطلق عليها «زنقة لالة عذراء».
قام الدكتور غونزاليس بمجهود كبير من أجل استخراج هذه الحكايات التي يعود معظمها إلى القرنين الثاني عشر والخامس عشر الميلاديين. وأبرزها حكاية الملك لودريق، حيث تتحدث عن إقدام حاكم سبتة الروماني الأصل يوليان الغماري بإرسال ابنته فلوراندا، وكانت ذات حسن وجمال، إلى بلاط ملك القوط لودريق بطليطلة لتتربى تربية تليق بمقامها، «لكن من سوء حظها، أن أغرم بها الملك ففض بكارتها. ولما وصل الخبر إلى والدها قرر الانتقام لشرف الأسرة، وقدم للمسلمين كل التسهيلات لفتح الأندلس». وحسب ابن عذاري: «كان امتعاضه من فاحشة ابنته السبب في فتح الأندلس».
غضب يوليان الغماري، الذي كان أميرا على غمارة والذي جعل من طنجة عاصمة لحكمه، كما كانت مدينة سبتة تحت إمرته، غضبا شديدا حين أخبرته ابنته بتفاصيل الاعتداء، فقرر الانتقام قبل وفاته وتحديدا في سنة 705 ميلادية. بل وعبر الغماري عن استعداده لمساعدة موسى بن نصير على غزو الأندلس والإطاحة بمملكة القوطيين، وهناك رواية أخرى تقول إن حاكم طنجة كان بربريا من قبائل غمارة الريفية لذا يلقب بالغماري. فهل كانت لالة عذراء سببا رئيسيا في سقوط الأندلس في يد المسلمين؟، وهل يمكن القول بأن نزوة جنسية غيرت مجرى التاريخ؟
تقول الرويات التاريخية، أن الوالد المكلوم خاصمه النوم منذ أن هامت ابنته فلوراندا على وجهها هربا من نظرات الناس، وهي ابنة الحاكم يوليان، فاضطر إلى مهادنة الفاتحين للمغرب ونقل عاصمة حكمه من طنجة إلى سبتة وساعد جيوش المسلمين على عبور المضيق الرابط بين البحرين الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، والاستقرار بالجبل المقابل لسبتة الذي لا يزال يحمل اسم طارق بن زياد حتى الآن. لكن مصادر أخرى تنفي هذه الرواية وتذهب إلى أن مساعدة الغماري للمسلمين جاء بعد أن تبين عدم جدوى الصمود، بسبب أوضاع إسبانيا الاقتصادية والاجتماعية والدينية.