تهنئة بصلصة الضغينة
حسن البصري
سأل عبد المجيد تبون، رئيس الجمهورية الجزائرية، طبيبه الخاص وهو ممدد على سرير المرض:
ما نتيجة مباراة كرة اليد التي جمعت منتخبنا بالمروك؟
اتصل الطبيب بوزير الرياضة الجزائري الذي كان مرابطا ضمن خلية متابعة، وربط هذا الأخير الاتصال بسفير بلاده في القاهرة، فعلم أن المنتخب الجزائري فاز على نظيره المغربي بفارق هدف يتيم في بطولة العالم لكرة اليد، فاتصل بالرئيس وحمل له بشرى الانتصار على الجار.
تحركت خطوط الهواتف بين كولن الألمانية والعاصمة الجزائرية، وطلب الجنرالات من الرئيس كتابة تهنئة للمنتخب الجزائري، فيها بلسم للمواطن وشفاء للرئيس.
نشر الرئيس تبون تغريدة على حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” قال فيها: “ألف مبروك شرفتمونا يا أبطال البقية ستأتي إن شاء الله”، ثم تمدد فوق سريره تاركا للتغريدة فرصة استنفاد مفعولها وللشعب فرصة لابتلاع هذا القرص المهدئ، خاصة وأن البلد غارق في النزيف، وللدواء فرصة للانسياب بين تضاريس الجسد.
منذ أن عين تبون رئيسا للجزائر، استفاد كتاب البيانات الرئاسية من إجازة طويلة مدفوعة الأجر، بعد أن أعفاهم من صياغة البلاغات واستبدلها بكلمات على صفحته في تويتر، فخير الكلام ما قل و”مل”.
رغم تحذيرات فريقه الطبي إلا أن الرئيس منشغل بجاره أكثر من مرضه، يفتش وهو على فراش المرض في المعاجم القديمة عن عبارات تدغدغ المشاعر عن التهاني المحشوة بـ”ضريب لمعاني”، سعيا منه إلى شرعية وهمية من بوابة برقيات التهاني والتعازي للزعماء والرؤساء واللاعبين والمدربين، إيمانا بمبدأ وجودي يقول “أنا أهنئ إذن أنا موجود”.
يحاول الرئيس أن يحول فوزا عابرا في رقعة الملعب إلى نصر سياسي، يستنفر إعلامه فيدعوهم للعب دور الكورال في جوقة يوجد رئيسها في كولن وعازفها في الجزائر، وراقصها في القاهرة، كان الله في عون موظفي دائرة المراسيم بمكتب رئاسة الجمهورية لأن العبء الأكبر سيكون على عاتقهم وسيطلب منهم الترقب والترصد أولا بأول لكل المباريات، وفي كل المواجهات التي يكون فيها الرياضيون المغاربة طرفا، لا يهم إذا نالوا صفة مخالطين وأصبحوا على ما اقترفوا نادمين.
كل المسؤولين مطالبون بوضع “جيم” على تغريدة الرئيس، أما الجنرالات فتكفيهم تحية عسكرية عن بعد، وإذا ظهر منهم ناصح واحد يتم استبداله فورا بتفويض رئاسي. في السابق كان الشعراء ينوبون عن الحكام في التغني بالانتصارات، كانت قصائد المديح أشبه ببلاغ مقفى، تشحذ العزائم وتراق حول جوانبها الدراهم، قبل أن ينسحب صناع القوافي من مكاتب التشريفات وينوب عنهم أسراب المدونين والمغردين.
يعرف الرئيس الجزائري السياق السياسي للمباريات، فتاريخ الدسائس في الجارة الشرقية يجعله يأخذ المنافسات الكروية مأخذ جد، لم يكن الانقلاب الذي قام به الرئيس هواري بومدين على احمد بن بلة عسكريا بالدرجة الأولى، فقد كان له طابع كروي، تمت المؤامرة خلال تواجد الرئيس في المنصة الرسمية في ملعب وهران وهو يتابع أطوار مواجهة بين المنتخب الجزائري ونادي سانتوس البرازيلي، حين كان بن بلة يأخذ صورا للذكرى مع بيلي وغارينشا، كان هواري بومدين يصنع خطة أخرى لهزم الرئيس.
عندما خسر المنتخب المغربي لكرة القدم أمام نظيره الجزائري في التاسع من دجنبر 1979، بخماسية في عز الاحتقان العسكري بين البلدين، استغل الرئيس الشاذلي بن جديد الحدث وجعل هذا اليوم الأغر عيدا للنصر، قبل أن تحاصره الهزائم السياسية ويعلن استقالته ويسقط عيد النصر من لائحة العطل المدرسية.
لكن حين فاز المنتخب الجزائري بكأس إفريقيا كان الملك محمد السادس أول المهنئين للرئيس الجزائري المؤقت عبد القادر بن صالح، وهي الرسالة التي كانت أشبه بتسديدة في عمق شباك العلاقات بين الجارين، رسالة لم يقرأ فيها النظام الجزائري السطر الأخير.