تهمة «عرب الخدمة»
سلام الكواكبي
أكدت محكمة الاستئناف في باريس، قبل أيام، حكما قضائيا صدر أخيرا بحق الصحافي طه بو حفص، الذي يعمل في موقع إعلامي يساري يشرف عليه حزب فرنسا الأبية، بتهمة «الشتم في الفضاء العام بسبب الأصل». ولقد بدأت القضية عندما غرد بو حفص، وهو فرنسي من أصول جزائرية، على موقع «تويتر»، واصفا ليندا كباب، الممثلة العامة لإحدى أقوى نقابات الشرطة الفرنسية، بـ«عربية الخدمة». وقد اعتبر القضاء هذا التوصيف مسيئا لها، وأن له أيضا بعدا عنصريا، لأنه، حسب النص القضائي، «يختصر المدعية بأصلها العربي»، وبأن النقابة الأمنية التي تنتمي إليها تستغلها بسببه لتجعل منها مدافعة عن تصرفات الشرطة التي يتهمها بعضهم بالقسوة تجاه بعض العرب والمسلمين في فرنسا. وفي دفاعه عن سبب نشره هذه التغريدة التي حذفها، أشار بو حفص إلى أن هذا التعبير ليس عنصريا البتة، بل هو سياسي. وقد أكد الصحافي المدان أنه أراد أن يشير، من خلال استخدامه هذا التوصيف، إلى استراتيجية عنصرية توجد لدى بعض أفراد المؤسسة الشرطية، وأنه أراد أيضا أن يدين المواقف السياسية للشرطية النقابية التي، وللدفاع عن بعض الممارسات التمييزية لأفراد في المؤسسة الأمنية، غالبا ما تشير إلى أصولها العربية لتعزيز مصداقية ما تقوله. وكانت الرابطة الدولية ضد العنصرية ومعاداة السامية، قد شاركت في القضية بوصفها جهة مدعية.
للوهلة الأولى، يبدو أن الأمر يتعلق فقط بتعبير متهور أورده صحافي شاب ومتحمس له بعد عنصري، أساء إلى سيدة شرطية من أصل جزائري، فادعت على صاحبه وحكم لها القضاء بتعويض مالي رمزي، مسجلا الإدانة في السجل القضائي للصحافي المدعى عليه. لكن، هل الأمر هو بهذه البساطة؟
أشارت وقائع الجلسات القضائية إلى أن تغريدة الصحافي كان الهدف من استخدامها الإشارة إلى استخدام جزء من الشرطة الفرنسية لنقابية جزائرية الأصل للتغطية على بعض الممارسات التمييزية، التي يتهمها بعضهم بها، تجاه العرب والمسلمين. وغالبا ما تُجمع أحزاب اليسار الفرنسي، كما المنظمات الحقوقية، على أن أفرادا في الشرطة يعتمدون عموما قاعدة «تهمة الشكل» الأجنبي، وذلك للتدقيق في البطاقات الشخصية للمارة، أو لتوجيه أصبع الاتهام في القضايا الجنائية والمخالفات. وقد لجأ محامو المتهم إلى استدعاء أفراد من الشرطة ذوي أصول عربية للتأكيد على أنهم تعرضوا للتمييز، حتى داخل المؤسسة الأمنية كمنتمين لها. كما ذكروا أنهم يتفهمون تماما تعبير «عرب الخدمة» ولا يعتبرونه عنصريا أبدا. وقد أشار هؤلاء الشرطيون الشهود إلى أن هناك ميلا داخل الجهاز لاستخدام من يحمل اسما عربيا أو لون بشرة غير أبيض، لإظهار وجه منفتح وتشاركي ومُشجع على الاندماج للمؤسسة الشرطية أمام الرأي العام الفرنسي.
من جهة أخرى، قام محامو الصحافي المتهم، وهم من المعروفين في مجال الترافع ضد انتهاكات مسجلة ضد بعض رجال الشرطة، بدعوة مجموعة من علماء الاجتماع والسياسة الذين نشروا كتبا عن مفاهيم العنصرية والتمييز والعنف الشرطي. وقد هدف الدفاع من خلال دعوة هؤلاء، إلى المساعدة في توضيح المفهوم المستخدم، وتبيان ابتعاده عن أي توصيفات عنصرية، مؤكدين أن جهاز الشرطة ليس عنصريا، لكن مع الإشارة إلى وجود تصرفات عنصرية لدى بعض أفراد المؤسسة الأمنية. وقد شدد المحامون على أن مفهوم «عرب الخدمة» تعبير يتكرر استخدامه في النصوص النقدية والتحليلية، للإشارة فعليا إلى بعض الانحرافات العنصرية وكيفية تجميلها من مرتكبيها. كما حاول الخبراء الأكاديميون التركيز على البعد السياسي للمفهوم، من دون أن ينجحوا في إقناع القضاة.
وبالابتعاد قليلا عن المجال الأمني ومراقبة المشهد السياسي بشكل عام، من المؤكد أن هذا المفهوم الذي صار مدانا، إن تم تأكيده من محكمة النقض التي لجأ إليها المدعى عليه، سيبتعد عن الفضاء العام وسيخشى استخدامه كثيرون. في المقابل، من النفاق أن يخشى المرء استعماله لتوصيف حالة سياسية يوفر من خلالها من هو من أصل عربي بتوفير الحجة والذريعة والتبرير لمن يميل إلى التطرف اليميني أو الديني، مستعينا على ذلك بوضع رجل أو امرأة من أصول عربية في مقدمة المشهد. ولذا، نجد كثيرين ممن يمكن وصفهم بــ«عرب الخدمة» في أوساط أحزاب اليمين المتطرف الأوروبي عموما، والفرنسي خصوصا. ومن جهته، يركز الإعلام عليهم، ويصح أن يُطلَق على بعضهم تعبير «كارهي الذات» وعلى آخرين منهم «الانتهازيين» أو «المنتفعين». كما يُركز الإعلام على من يهاجم العرب والمسلمين، خصوصا إن كان من أصول عربية أو مسلمة، وبالتالي، تنفى الصفة العنصرية عن هذا الكلام السلبي مبدئيا، بالتأكيد على أصول من يُخرجه من فمه. وقد أفسحت هذه الفرصة بالمجال لكتاب وصحافيين تنقصهم الموهبة الأدبية أو القدرة المهنية، على تصدر المشهد العام من خلال انتقاداتهم التي تتطرف خارج إطار المعقول تجاه أترابهم، أفرادا ومجتمعات، لمجرد ما تحمله أسماؤهم وسحناتهم من مؤشرات «مصداقية»، يعتبرها المتلقي متأتية من معاناة داخلية يجرى الإفصاح عنها بشجاعة.
نافذة:
شدد المحامون على أن مفهوم «عرب الخدمة» تعبير يتكرر استخدامه في النصوص النقدية والتحليلية للإشارة فعليا إلى بعض الانحرافات العنصرية وكيفية تجميلها من مرتكبيها.