شوف تشوف

الرأي

تهديد روسي صارم لأردوغان

عبد الباري عطوان
لا نعرف ما إذا كان الهجوم العسكري المفاجئ للفصائل السورية المعارضة الحليفة لتركيا، والمدعوم بقصف مدفعي من الجيش التركي الذي يَبلُغ تِعداد وحَداته في إدلب حوالي 15 ألف جندي، ومِئات الآليات العسكرية المدرعة هو التطبيق الميداني لتحذيرات الرئيس أردوغان للجانب السوري بالانسحاب من جميع المناطق التي استعادها في إدلب وتصل مساحتها إلى 600 كيلومتر مربع، وإلا سيستخدم القوة لفرض الانسحاب، وإذا كان الحال كذلك فإن النتائج جاءت حتى الآن عكس ما كان يتوقع، فقد اعترفت وزارة الدفاع التركية بمقتل جنديين وإصابة خمسة آخرين، وربما يكون العدد أكبر، وأكدت وزارة الدفاع الروسية أن الجيش العربي السوري تصدى لهذه الهجمات والاختراقات لمواقعه في ريف إدلب، وبلدة النيرب بكفاءة عالية. الرئيس أردوغان يتبع سياسة «حافة الهاوية» لرفع سعر مطالبه والحصول على تنازلات ميدانية، وهذا النهج لم يعد يعطي ثماره من كثرة تكراره.
رد الفعل الروسي على هذا التصعيد التركي جاء صارما، حيث نفذ سلاح الجوي الروسي سلسلة من الهجمات ضد مواقع المسلحين المصنفين على قائمة الإرهاب، وبدأ بقصف المواقع السورية، بتزامن مع توجيه القيادة الروسية إنذارا شديد اللهجة إلى نظيرتها التركية بوقف الهجمات فورا، وإلا فإن قواتها في إدلب ستتعرض للقصف، حسب ما جاء في بيان رسمي روسي، ومصادر سورية شبه رسمية، فبعد هذا الإنذار صمتت المدافع، وتوقف القصف فورا.
وزارة الدفاع الروسية اتهمت الجانب التركي علنا بخرق تفاهمات سوتشي عام 2018، بدعمها لفصائل المعارضة السورية المصنفة إرهابيا، وإصدار الأوامر بقصف مواقع الجيش السوري بصواريخ تركية جديدة ومتطورة نجحت في إسقاط مروحيتين سوريتين، الأمر الذي أثار غضب الروس لما يمكن أن يترتب على ذلك من تغيير في شروط الاشتباك ومعادلاته على الأرض.
يصعب علينا التكهن بالتطورات القادمة في المشهد السوري، وفي مدينة إدلب وريفها على وجه الخصوص، ولكنها قد لا تكون في صالح الجانب التركي، في ظل تصاعد المعارضة الداخلية التركية لهذا التورط العسكري.
عبد الله غول، الرئيس التركي السابق، وأحد أبرز مؤسسي حزب العدالة والتنمية الحاكم، خرج عن صمته، ووجه انتقادات عنيفة جدا للرئيس أردوغان وسياساته، من بينها تأكيده أن الإسلام السياسي الذي يراهن عليه الأخير (أردوغان) انهار، وأنه، أي غول، يدعم عودة النظام البرلماني، وقال في حديث لصحيفة تركية (قرار) إن العلاقات بين تركيا وجوارها العربي في أسوأ مراحلها، وشدد على ضرورة المصالحة مع مصر، وطالب بعدم خوض أي حرب شاملة مع سوريا.
أعداد القتلى في صفوف الجيش التركي الموجودة وحداته في إدلب تتصاعد، وربما تتصاعد أكثر إذا حدث صدام مع القوات الروسية إلى جانب القوات السورية، مما يؤدي إلى اقتحام مليون لاجئ سوري للحدود التركية طلبا للسلامة، ومن غير المعتقد أن الرأي العام التركي سيظل صامتا وهو يتابع هذه التطورات.
ثلاثة اجتماعات بين وفود تركية وروسية جرت، في غضون أسبوعين، حول إدلب في أنقرة وموسكو باءت جميعا بالفشل، لأن الجانب الروسي يدعم تقدم الجيش العربي السوري في إدلب باعتبار تقدمه تطبيقا لاتفاق سوتشي الذي لم تلتزم به تركيا، وينص على الفصل بين الجماعات المتشددة والأخرى المعتدلة في إدلب، وإعادة المدينة إلى حضن الدولة السورية.
لقاء القمة الذي طالبت به القيادة التركية أكثر من مرة بين الرئيسين أردوغان وبوتين، لتسوية الأزمة ووقف التصعيد في إدلب، لم يجد أي ردود فعل إيجابية في موسكو، بل الرفض المطلق حتى الآن، ونعتقد أن فرص هذه القمة تتراجع في ظل مطالبة الرئيس أردوغان أمريكا بإرسال صواريخ «باتريوت» للتصدي للطائرات والصواريخ الروسية، مما يعني أن القيادة في موسكو أبطلت تفعيل بطاريات صواريخ «إس 400»، التي اشترتها أنقرة أخيرا وأثارت غضب أمريكا وحلف «الناتو».
إدلب ستكون المدينة التي لن تحدد مستقبل سوريا، ونهاية المعارضة المسلحة، المعتدلة أو المتطرفة فقط، وإنما مستقبل الرئيس أردوغان كزعيم لتركيا وطموحاته بإعادة بعث الدولة السلجوقية، أو العثمانية الجديدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى