النعمان اليعلاوي
بدأت مؤشرات الهدنة تلوح في سماء الشرق الأوسط، عقب الأزمة الإيرانية الأمريكية، منذ مقتل القائد العسكري لفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني على يد الطيران العسكري الأمريكي بالعراق، وهو الحادث الذي ردت عليه إيران بقصف صاروخي على قاعدتين عسكريتين أمريكيتين في كل من عين الأسد جنوب الفرات وأربيل بإقليم كردستان العراق. وبعدما كانت المؤشرات توحي بتصاعد الأزمة العسكرية بين البلدين، خرجت واشنطن لتأكيد على أنها لا ترغب في استخدام القوة العسكرية ضد إيران، وأنها مستعدة للتفاوض معها «دون شروط مسبقة». كما أعلنت طهران أنها لا تسعى إلى التصعيد أو الحرب مع الولايات المتحدة، في الوقت الذي اعتبرت إيران أن ردها العسكري على مقتل سليماني قد انتهى ولا مجال للدخول في عمليات عسكرية أخرى في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية.
أمريكا.. رسائل تهدئة
رسالة التهدئة الأمريكية صدرت عن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي أكد أنه لا توجد إصابات في صفوف القوات الأمريكية بالعراق، نتيجة القصف الذي نفذته إيران على قواعد عسكرية بالعراق، وقال إن بلاده لا ترغب في استخدام القوة العسكرية ضد إيران، وأعلن أن الولايات المتحدة سوف تفرض عقوبات اقتصادية إضافية على النظام الإيراني، وستستمر هذه العقوبات حتى تغير إيران سلوكها، معتبرا أن الاقتصاد هو الرادع الأكبر، مضيفا أن إيران مولت الإرهاب من خلال الأموال التي حصلت عليها من الاتفاق النووي، فكان هناك جحيم في العراق ولبنان وسوريا ومناطق أخرى.
في السياق ذاته، قال ترامب في تصريح بالبيت الأبيض إنه «يجب أن تنهي إيران طموحها النووي وتنهي دعمها للإرهاب»، وأضاف أن على الدول الخمس التي وقعت هذا الاتفاق مع إيران (روسيا، الصين، ألمانيا، بريطانيا وفرنسا) أن تعرف حقيقة هذه الدولة وتنسحب من الاتفاق النووي، مشددا على أنه لن يكون بحوزة إيران سلاح نووي طالما بقي رئيسا للولايات المتحدة، وقال إن دول العالم تحملت السلوك الإيراني المزعزع للاستقرار في المنطقة، «لكن هذه الأيام انتهت».
من جانبه، أكد مايك بنس، نائب الرئيس الأمريكي، في مقابلة صحافية، أن الولايات المتحدة «تتلقى معلومات استخباراتية مشجعة بأن إيران تبعث برسائل إلى تلك الميليشيات نفسها بألا تتحرك ضد أهداف أمريكية أو مدنيين أمريكيين، وتأمل أن تجد تلك الرسالة صدى». ووصف نائب الرئيس الأمريكي قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، الذي قتل في غارة جوية أمريكية يوم الجمعة الماضي، بأنه كان القائد الرئيسي للميليشيات التي ترعاها إيران، وأضاف أنه وصلت واشنطن معلومات قبل الهجوم الإيراني، فجر أول أمس الأربعاء، باحتمال تعرض قوات بلاده لاعتداءات إيرانية، وأن الإنذار المبكر «أتاح فرصة نقل أمريكيين وحلفاء من دائرة الخطر».
وتواصلت رسائل التهدئة الأمريكية من دواليب السياسة الداخلية لواشنطن، حيث قدم السيناتور الديمقراطي جيف ميركلي، والجمهوري راند بول مشروع قرار يؤكد أن ترامب لا يملك تفويضا من الكونغرس للقيام بعمل عسكري ضد طهران، وقال إن ما سمعه خلال الإحاطة حول التطورات مع إيران في مجلس الشيوخ ليس مرضيا، مؤكدا أنه ليس منطقيا استخدام التصريح بشن حرب على الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عام 2002 لقتل جنرال إيراني في العراق حاليا، في إشارة إلى سليماني. كما قالت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأمريكي، أول أمس، إن المجلس -الذي يهيمن عليه الديمقراطيون- سيصوت الأمس على مشروع قرار يمنع ترامب من خوض حرب ضد إيران.
إيران: «لا تصعيد والرد انتهى»
من جانبها، اعتبرت إيران أن القصف الصاروخي على القاعدتين الأمريكيتين في العراق قد حقق مسعاه، في كونه رسالة عسكرية انتقامية لمقتل القائد العسكري الإيراني، قاسم سليماني، وأكد مجيد تخت روانجي، مندوب إيران لدى الأمم المتحدة، أن بلاده «لا تسعى إلى التصعيد أو الحرب مع الولايات المتحدة»، معتبرا أن «زيادة التوتر ليس في مصلحة أحد»، مضيفا أن رد بلاده على مقتل سليماني «كان متناسبا مع المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تقر الحق في الدفاع عن النفس، وأن العملية انتهت»، لكنه هدد بأنه في حال تحركت الولايات المتحدة عسكريا ضد إيران «فسيكون هناك رد». كما اعتبر السفير الإيراني أنه لا مبرر لاستمرار الوجود الأمريكي في المنطقة، وأن واشنطن تختلق الذرائع كي تبقى لبيع مزيد من الأسلحة والاستفادة من العلاقات الاقتصادية، مؤكدا أن دول المنطقة قادرة على العيش معا بسلام.
من جانبه، قال مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري الشيعي في العراق والموالي لإيران، إن الأزمة التي عانى منها العراق قد انطوت بعد التصريحات الأخيرة الصادرة عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعن الجانب الإيراني، مشيرا إلى أنباء عن تواصل الجانبين الإيراني والأمريكي مع الحكومة العراقية، قبل وقوع الهجوم الصاروخي الإيراني على قاعدة عين الأسد في الأنبار وقاعدة حرير في أربيل، وكلاهما تستضيف قوات أمريكية، وقال الصدر: «اتصل الطرفان برئيس مجلس الوزراء المقال، قبل الغارة الجوية»، وذلك في إشارة إلى عادل عبد المهدي، رئيس حكومة تصريف الأعمال، الذي كان قد قدم استقالة حكومته، وتابع «ما يهمني الآن هو أولا، أن هذه الأزمة الكأداء قد انطوت، وخصوصا بعد خطاب ترامب وخطاب الجمهورية الإسلامية».
وحث الصدر الفصائل العراقية على «التأني والصبر وعدم البدء بالعمل العسكري وإسكات صوت التشدد من بعض غير المنضبطين، إلى حين استنفاد جميع الطرق السياسية والبرلمانية والدولية». وقال زعيم التيار الصدري إنه ينصح بإغلاق كل مقرات الحشد الشعبي «لكي لا يكون هدفا للاستكبار العالمي، وخصوصا إذا صار قرارنا المقاومة العسكرية مع المحتل، في حال رفضه الخروج».