شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

تناطح المصالح

حسن البصري:

لم تكف مذكرة وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت لوقف تنازع المصالح والتقليص من تناسل كائنات بعشرات الأقنعة، فاضطرت مصالح وزارة الداخلية لتذكير ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم والمقاطعات، بوجود بعض المنتخبين بمجالس الجماعات تربطهم علاقات مصلحة مع الجماعات الترابية، ويمثلون دور المانح والمستفيد.

يتعامل كثير من رؤساء الجماعات مع هذه المذكرة بمنطق «اللهم إني بلغت»، فيصرفون النظر عن انتهاك حقيقي للحكامة ويكتفون بتغيير المنكر بجيوبهم، علما أن الآثار القانونية لهذه الدورية تصل إلى حد العزل.

في كل جماعة ترابية تبدو أعراض تنازع المصالح على وجوه منتخبين يجلسون نهارا على كرسي الجماعة وفي المساء يقضون ما تبقى من وقت على كرسي رئاسة النادي، في ربط حقيقي للمسؤولية بقناة صرف المال العام.

أغلب رؤساء الأندية المغربية كبر شأنها أو صغر يعشقون التعدد، وحين أشهرت دورية لفتيت في وجوههم سيف العزل، وخيرتهم بين الاستقالة من النادي أو الجماعة بحثوا عن حيلة تبقيهم في مناصبهم، فلجؤوا إلى مخرج منحهم فرصة لعب دورين في مسرحية «الحكامة»، لأنهم ينظرون إلى الدولة كالشاة المذبوحة واللحم فيها مشاع.

يقرر الرئيس تخصيص منحة مالية دسمة لجمعية يرأسها، يحول المبلغ المالي من حساب الجماعة إلى حساب الجمعية، يكتب رسالة استعطاف إلى نفسه يلتمس منها ألا تكون أمارة بالسوء، ويرصد ما تبقى من رصيد المنح للتصدق على الجالسين فوق رصيف الصبر ينتظرون زخات الدعم، بعد أن أدوا صلاة الاسترزاق.

هل أصبح منصب رئيس فريق لكرة القدم أكثر جاذبية من منصب عمدة أو رئيس جماعة ترابية؟

وما سر التهافت على قيادة الفرق الرياضية من طرف رجال السياسة؟

ولماذا أضحى كرسي رئيس النادي آلية من آليات إنتاج الوجاهة تحت مسمى «صنع في المغرب»؟

ما أن استوى هؤلاء الرؤساء في كراسيهم، حتى همس الراسخون في السياسة في آذانهم وقالوا لهم إن تنازع المصالح لا يفسد لتدبير الشأن العام قضية، ونصحوهم بالجمع بين الكرة والسياسة تحت سقف واحد، وقالوا لهم لا فرق بين دوريات الداخلية ودوريات الكرة إلا بالجمهور.

في الجماعات الترابية مشاهد لحالات التنافي، أزيد من خمسين مستشارا جماعيا يشاركون في تسيير فرق بطولة القسم الاحترافي الأول، بنفس عقلية تدبير الشأن الجماعي، يتهافتون على اللجان المدرة للوجاهة، حتى ولو تطلب الأمر حمل أكثر من لون سياسي في شهر واحد، والقفز بالزانة بين مقرات الأحزاب ودكاكينها.

في الجموع العامة يلقون خطبا مستنسخة، يقدمون دروسا في التضحية والروح الرياضية والحكامة الجيدة، ويؤكدون سهرهم على مصالح البلاد والعباد، لكنهم لا يكشفون عن مكان سهرهم.

هذه النماذج التي تسللت من الفرق الرياضية إلى الجامعات، تستحق أن تدرس في شعب التدبير بالمعاهد العليا، ليقف الجيل الجديد على مدى قدرة الحرس القديم على ترويض المذكرات الوزارية وتحويلها إلى فزاعة في حقل مهجور.  

أما الراسخون في سوسيولوجيا الأعيان فيصرون على أن الطريقة المثالية لتجنب الخسارة في الانتخابات السياسية والرياضية والنقابية والجمعوية، هي عدم المشاركة فيها، لكن النفس الأمارة بالوجاهة تحث الرياضي على الإمساك بتلابيب اللعبة السياسية، وتهمس في أذن السياسي وتبشره بدخول ملاعب الكرة دخول الفاتحين.

أغلب الرياضيين الذين حملتهم رياح السياسة إلى رئاسة مجالس بلدية منتخبة، ينتمون لبرج الحرباء، لذا لا يجدون إحراجا في ارتداء كل الألوان، معظمهم يركبون سيارات رباعية الدفع ويخفون ملامحهم وراء زجاج داكن كتبت عليه عبارة «هذا من فضل ربي»، ولا تخلو خطبهم من القسم بأغلظ الأيمان، ولا تغيب عن هواتفهم رنات دينية تدخل سامعها في نوبة صوفية فيخال نفسه في حضرة زاهد.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى