شوف تشوف

الرأي

تنازع المصالح في خيرياتنا

حسن البصري

مقالات ذات صلة

قديما قيل «هاك وارا ما فيها حزارة»، في إشارة لتبادل سلس للمنافع، قبل أن تضع الدولة النقط على الحروف ويصبح مبدأ «عطيني نعطيك» محروسا بفزاعات، وتصبح «لحزارة» في خبر كان.

جاءت مذكرة وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، الموجهة للولاة وعمال أقاليم المملكة، حول تنازع المصالح، لتتصدى لكل من يعطي بيمناه ليأخذ بيسراه، وأجازت مسطرة العزل في حق كل عضو منتخب في جماعة ترابية معينة، ثبت ارتباطه بمصالح خاصة مع الجماعة التي ينتمي إليها.

صحيح أن الجمعيات الرياضية اعتبرت مذكرة «تناطح المنافع» ضربة موجعة لجيوب رؤساء فرق يجمعون بين التسيير الجماعي والتدبير الرياضي، لكن قطاعا آخر مسه الأذى ووقف المنتفعون منه «حيارى مظلومين عالصبر مش قادرين»، كما قالت أم كلثوم.

لا حديث في المجالس المنتخبة إلا عن مذكرة حركت بركة راكدة منذ سنوات وأطاحت بقول شعبي مأثور «لي عندو مو في العرس ما يباتش بلا عشا». اليوم يمكنهم أن يقضوا لياليهم ببطون جائعة رغم وجود أمهاتهم في العرس حتى ولو كن في مطبخه.

لكن المسكوت عنه في قضية «تجاذب المصالح» هو العمل الخيري، في ظل وجود إحصاء رسمي يقول إن ستين في المئة من المنتخبين يترأسون جمعيات خيرية أو يشاركون مباشرة في تدبير شؤونها، وظلوا لسنوات يمثلون دور الأم المفوضة الدائمة في الأعراس.

لكل خيرية عضو يصر على الجمع بين فعل الخير وفعل السياسة، ولكي تحمل القبعتين عليك أن تجيد السير على حبلين.

أعرف رئيس جمعية خيرية «إسلامية» يجدد انتخابه رئيسا للجماعة القروية كما يجدد وضوءه، فهو يملك محل جزارة مكترى من الجماعة التي يرأسها، ويخصص منحة سنوية لهذا المرفق الخيري ويصادق عليها بالإجماع، علما أنه يبيع اللحوم للخيرية التي يرأسها، وفي عيد الأضحى يشتري الأكباش التي يتبرع بها المحسنون على المرفق الخيري، تحت مسمى ترشيد النفقات على أن يعيد جدولتها في علاقته التجارية مع المقتصد.

رغم ذلك طالب الرجل بمهلة للتفكير قبل استقالته من رئاسة الجمعية، نصحه الراسخون في علم تنازع المصالح، بتوريث المنصب لرجل ثقة من عائلته، حتى لا تسقط عنه صفة فاعل خير.

وكان الله في عون رئيس جماعة أولاد فريحة بإقليم سطات، الذي يملك في دولاب غرفة نومه أكثر من قبعة، فهو رئيس لجمعية النقل المدرسي بنفس الجماعة، والجمعية الخيرية الإسلامية بالمنطقة، كما يرأس جمعية آباء وأولياء التلاميذ بثانوية أولاد فريحة، وكأن تربة بني مسكين تعاني من شح في الكفاءات.

 في كل جماعة ترابية رجال أشداء يملكون موهبة اللعب بالبيضة والحجر، في كل جمعية خيرية حديث عن صعوبة تطويع العمل الخيري من قبل مذكرة وزارية لكن العكس ممكن، إلا أن المال يستطيع تطويعهما معا.

لنعد قليلا إلى الوراء وتحديدا لتقرير المجلس الأعلى للحسابات حول مؤسسات الرعاية الاجتماعية التي تعنى بالأشخاص في وضعية صعبة، الصادر سنة 2018، سنقف عند مجموعة من الاختلالات الهيكلية من قبيل تدبير مؤسسات متعددة من طرف رئيس جمعية خيرية واحد له صفة مستشار جماعي.

كما توقف التقرير عند ظاهرة تدخل عدة جمعيات في تدبير مرفق خيري واحد، وعدم تطابق النشاط الخيري مع مضمون الترخيص المسلم من طرف الدولة. والغريب أن ينقطع صبيب الدعم الجماعي لهذه المرافق حين يعجز رئيس الجمعية الخيرية عن تجديد ولايته الجماعية، وحين تسقط عنه صفة «الرايس» تصبح صورته في الخيرية باهتة.

كشف تقرير المجلس الأعلى للحسابات أيضا بأن صنابير الدعم تغلق حين يكون رئيس الجمعية الخيرية خارج تشكيلة الفريق الجماعي أو مجرد لاعب احتياطي في صف المعارضة.

ما عسى أن يقول هؤلاء المنتخبون الذين يجمعون بين الإحسان والسياسة سوى: «إذا جاد الله جاد عمر».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى