محمد اليوبي
أثار تمرد المنتخبين في المجالس الجهوية والجماعية على التحالفات التي أقرتها أحزابهم السياسية جدلا قانونيا كبيرا، بخصوص أحقية هذه الأحزاب في اللجوء إلى القضاء لتجريد المنتخبين المتمردين من عضوية المجالس التي انتخبوا فيها.
وكان عزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، ونزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، وعبد اللطيف وهبي، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، قد وقعوا على بلاغ مشترك بخصوص التحالف بين الأحزاب الثلاثة لانتخاب رؤساء الجهات، ودعت الأحزاب الثلاثة منتخبيها إلى الانضباط لهذا التحالف، وذلك سعيا منها لاستكمال هذا المسار عبر تعزيز تخليق الحياة السياسية، واحتراما لسلطة أصوات المواطنين وسعيا إلى قطع الطريق على الممارسات المشينة التي غالبا ما تحاول بعض الأطراف التحكم في الخريطة السياسية خدمة لمصالحها عوض خدمة المصلحة العامة. ودعت الأحزاب الثلاثة منتخبيها في المجالس المنتخبة إلى ضرورة الالتزام بهذا التوجه والتقيد بالقرار الذي تبنته القيادات الحزبية في حدود من الانفتاح على باقي المكونات السياسية الأخرى، وفي حالة الإخلال أو التنصل من هذا الالتزام، فإنها ستكون مضطرة لتفعيل المساطر المنصوص عليها في أنظمتها الأساسية واللجوء إلى مساطر العزل والتجريد في حق المخالفين.
وتنص المادة 20 من القانون التنظيمي للأحزاب السياسية على أنه يتم تجريد كل عضو من عضويته بمجلس جماعة ترابية أو غرفة مهنية بطلب يقدم لدى كتابة الضبط بالمحكمة الإدارية المختصة من لدن الحزب السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات. وتبت المحكمة في هذا الطلب داخل أجل شهر من تاريخ تسجيله لدى كتابة الضبط بها.
وحصلت «الأخبار» على اجتهاد لمحكمة النقض، بخصوص التجريد من العضوية بسبب التخلي عن الانتماء السياسي، وذلك بناء على طعن وضعه حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي تقدم بتاريخ 12/12/2017 بمقال أمام المحكمة الإدارية بأكادير يعرض فيه أن عضوي مجلس جهة كلميم واد نون اتخذا بدورة المجلس العادية لشهر أكتوبر 2017 موقفا معاكسا لتوجهات الحزب بتصويتهما لصالح توجهات المعارضة قصد المصادقة على مجموعة من الاتفاقات تهم مشاريع ذات صلة بالنهوض بقطاع الصحة والتعليم العالي وتقوية البنية التحتية على صعيد الجماعات الترابية للجهة وتقوية الجاذبية السياحية للجماعات، واعتبر الحزب أن هذه الاتفاقيات المذكورة تسير في إطار تنزيل الحزب لبرنامجه الانتخابي ووفائه بالوعود التي كان قد قدمها للناخبين، وأن تصرفهما يشكل تخليا ضمنيا عن انتمائهما السياسي للحزب، ملتمسا الحكم بتجريدهما من صفة العضوية في مجلس جهة كلميم واد نون مع ما يترتب عن ذلك قانونا.
وحسب الاجتهاد، فإن مفهوم التخلي عن الانتماء السياسي الذي يترتب عليه تجريد المنتخب من العضوية في المجلس يجب أن يفهم في سياقه العام والشامل في إطار المستجدات التي استهدف المشرع الانتخابي من خلالها تخليق العمل السياسي وإخضاعه لضوابط صارمة للحيلولة دون اتخاذ الترحال السياسي الصريح أو الضمني مطية للوصولية والانتهازية وتحصين المؤسسات المنتخبة من أي تلاعب من شأنه أن يمس بمصداقيتها ويشل عملها ويفقدها الثقة، سيما وأن المجلس الدستوري وفي قراره عدد 818/2011 في الملف رقم 11/1172 بتاريخ 20/10/2011 قد أكد لما أحيل عليه القانون التنظيمي من أجل تفسير المادة 20 منه أن حرية المنتخب في تغيير انتمائه السياسي مقيدة بحقوق الناخبين وحقوق الهيئات السياسية التي رشحته لمهام انتدابية في نطاق تعاقد معنوي بين الطرفين، واعتبر أن مقتضيات المادة المذكورة ليس فيها ما يخالف الدستور، الأمر الذي يجعل التخلي عن الانتماء السياسي للحزب ينسحب على كل ممارسة سياسية خارج الإطار العام للتعاقد المعنوي بين العضو والحزب السياسي الذي رشحه من جهة وبين العضو والناخبين الذين صوتوا عليه، وليس في التخلي الصريح عن الانتماء السياسي للحزب.
وأوضح أن هذا الإطار العام للتعاقد المعنوي يوجب على المنتخب عدم المساس بالتوجه السياسي للحزب الذي ينتمي إليه وبرنامجه الانتخابي كما يلزمه بعدم خيانة أصوات الناخبين بعد أن قدم لهم برنامجا يلخص اختيارات الحزب السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والبيئية وتمكن بذلك من إقناعهم بأن معالم هذا البرنامج ستخضع إلى إجراء عملية أثناء تمكين الحزب من دواليب تسيير الشأن العام، وبذلك يكون الترحال السياسي ووفقا لهذا المفهوم غير مقتصر كما ذهبت المحكمة على مجرد التخلي الفعلي واليقيني عن الانتماء لحزب معين بقدر ما يتجلى في سلوك وممارسة سياسية تفيد أن المعنيين بالأمر لا يعطيان قيمة للالتزام السياسي ومصداقية العمل الحزبي.
وأكد قرار محكمة النقض أن حرية المنتخب في تغيير انتمائه السياسي مقيدة بحقوق الناخبين وحقوق الهيئات السياسية التي رشحته لمهام انتدابية في نطاق تعاقد معنوي بين الطرفين يوجب على المنتخب عدم المساس بالتوجه السياسي للحزب الذي ينتمي إليه وبرنامجه الانتخابي، كما يلزمه بعدم خيانة أصوات الناخبين بعد أن قدم لهم برنامجا يلخص اختيارات الحزب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية وتمكن بذلك من إقناعهم بتطبيقها أثناء تمكين الحزب من دواليب تسيير الشأن العام، وبذلك يكون الترحال السياسي وفقا لهذا المفهوم غير مقتصر على مجرد تقديم استقالة من الحزب بقدر ما هو سلوك وممارسة عبر من خلاله المستأنف عليهما بأنهما لا يعطيان قيمة للالتزام السياسي ومصداقية للعمل الحزبي.