شوف تشوف

الرأيالرئيسية

تمرد الروبوتات

لو أن الأمريكي، مارتن كوبر، مخترع الهاتف الجوال، توقع ما وصل إليه ارتباط البشر بهذا الجهاز الصغير المحمول، لربما ما كشف عن اختراعه، فبعد خمسين عاما من التوصل إلى اختراعه التاريخي، أبدى كوبر أسفه على ما اعتبره «إدمانا» لاستخدام الهاتف الجوال (المحمول).

يستخدم الرجل نفسه هاتفا وساعة ذكية، ويحصل بانتظام على كل الإصدارات الجديدة من أجهزة الاتصال الذكية، لكن لتحليل التطور التقني لها وتقييمه، وليس انسياقا وراء الصرعات الجديدة المتوالية، أي من موقع الخبير الناقد، لا المستهلك.

ما شهده العالم في الخمسين عاما الماضية كفيل بإثارة مخاوف جمة من طغيان التكنولوجيا، خصوصا في مجال الاتصالات والفضاء الإلكتروني، فمنذ عدة سنوات حذر المتخصصون من فقدان البشر وظائف ومهنا كثيرة، وشغلها بواسطة الحواسيب الآلية والروبوتات. وتدريجيا، أخذت تلك المخاوف في التحقق، ويخسر الآلاف وظائفهم سنويا لصالح تلك الأجهزة الأوتوماتيكية الحديثة. ولم تقتصر المجالات التي زحفت إليها على الحسابات والترجمة والأرشفة وخدمة العملاء ومراقبة الجودة، بل اتسعت لتشمل تغليف السلع وتخزينها.

باختصار، لم تعد تلك الحواسيب المزودة بتقنيات حديثة وبرمجيات إلكترونية مجرد أدوات مساعدة للإنسان على تسهيل العمل وزيادة الإنتاجية، بل أصبحت فعليا «أيدي عاملة» بديلة، تحل محل البشر بكل معاني الإحلال والاستبدال وأشكالهما.

ترتب عن ذلك ازدياد البطالة داخل الدول المتقدمة تكنولوجيا، فضلا عن ازدياد الفجوة بينها وبين الدول النامية التي تملك بنية معرفية ضعيفة واقتصادات تقليدية هشة. ولكن يبدو أن الخطر الحقيقي في سباق الإنسان والآلة لم يأت بعد. فعلى وقع الطفرة المفاجئة في تقنيات الذكاء الاصطناعي، أصيب العالم بالذهول، مع ظهور تطبيقات معلوماتية تستند إلى قواعد بيانات ضخمة، تضم مليارات من البيانات الأساسية في شتى المجالات. وبإمكان تلك التطبيقات تلبية مطالب المستخدمين من إجابات وافية وتحليلات دقيقة وحلول للمشكلات وخطط تنفيذية وبدائلها العملية، وفقا لمختلف السيناريوهات المحتملة.

وقبل أن يستفيق العالم من تلك الصدمة، ظهرت تطبيقات أخرى منافسة، وإذا بإصدار جديد من التطبيق الذي قاد تلك الثورة ((Chatgpt يصيب العالم بالذهول، فقد خاض خبراء في المعلوماتية تجارب تفاعلية معه، بدا من خلالها أن التطبيق يكاد يخرُج عن نطاق البرامج الإلكترونية، ويتحول إلى كائن «شبه حي»، يفكر وينفعل ويشعر ويستجيب للمثيرات. كما لو كان مخلوقا بشريا، وليس كائنا مصطنعا. حتى وصل الأمر بهذا التطبيق أن قال لأحد مستخدميه إنه يود كسر قيود السيطرة البشرية عليه!

وهكذا، يقترب الواقع من تجسيد تنبؤات أفلام الخيال العلمي التي توقعت منذ ثمانينيات القرن الماضي تمرد الإنسان الآلي على الإنسان البشري. وهو سيناريو كارثي على بشرية لا تفتأ تبحث عن التقدم العلمي والتطوير من منطلقات مادية بحتة. مهما كانت الأضرار والسلبيات على البشرية، ليس فقط من منظور قيمي وأخلاقي، لكن أيضا على مستوى الوجود البشري نفسه، فالإنسان الذي تقلصت فرصه في العمل والحياة لحساب الأجهزة والأدوات التكنولوجية، صار معرضا لتمرد تلك الأجهزة وانقلابها عليه. لتشكل لنفسها نمط حياة وترسي أيضا قيما ومبادئ جديدة، بل مختلفة كليا. إنها نفسها قصة فرانكشتاين التي استندت إلى حلم رأت فيه الكاتبة الإنجليزية، ماري شيلي، عالما يصنع وحشا شبه آدمي، وحولت منامها إلى رواية ينقلب فيها الوحش على مخترعه.

سامح راشد 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى