إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
على غرار كل سنة، قبل صدور قرار الأمم المتحدة بشأن الصحراء المغربية، تقوم جبهة «البوليساريو» بمناورات استفزازية بالقرب من نقط تمركز الجيش المغربي على الحدود بالأقاليم الجنوبية. ورغم التنبيهات المتتالية من طرف المنتظم الأممي، مازالت الجبهة الانفصالية تتمادى في الأعمال الاستفزازية المتكررة التي تقوم بها بالقرب من المنطقة العازلة على الحدود المغربية- الجزائرية بالأقاليم الجنوبية، والتي تنتهك الاتفاقات العسكرية، وتهدد وقف إطلاق النار القائم منذ سنة 1991 وتمس بشكل خطير بالأمن والاستقرار في المنطقة. وتشكل هذه الاستفزازات تحديا للمجتمع الدولي وإهانة للأمين العام ولمجلس الأمن، وكل ذلك يجري بدعم كامل من طرف النظام الجزائري، حيث تؤكد قرارات مجلس الأمن دور الجزائر كطرف رئيسي في النزاع المفتعل.
قرر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يوم الجمعة الماضي، تمديد ولاية بعثة المينورسو لمدة عام واحد، مع تأكيده، مرة أخرى، على سمو المبادرة المغربية للحكم الذاتي لحل النزاع المصطنع حول الصحراء المغربية. ورحب مجلس الأمن، في قراره رقم 2548 الذي يمدد ولاية بعثة المينورسو إلى غاية 31 أكتوبر 2021، بـ «التدابير والمبادرات المتخذة من قبل المغرب، وبالدور الذي تقوم به اللجنتان الجهويتان للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بالعيون والداخلة، وكذا تفاعل المغرب مع آليات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة»، كما أعرب مجلس الأمن عن «بالغ انشغاله إزاء المعاناة المستمرة» التي يتكبدها سكان مخيمات تندوف بالجزائر، كما جدد قرار مجلس الأمن طلب الجهاز التنفيذي للأمم المتحدة تسجيل وإحصاء سكان مخيمات تندوف، مشددا على «ضرورة بذل الجهود بهذا الشأن».
تمديد ولاية بعثة المينورسو
جاء في القرار رقم 2548 الذي قدمته الولايات المتحدة، وتمت المصادقة عليه عبر إجراء خطي لأعضاء المجلس الخمسة عشر، عقب إلغاء الاجتماعات الحضورية بمقر الأمم المتحدة، على خلفية اكتشاف حالات إصابة بفيروس كورونا، أن «مجلس الأمن قرر تمديد ولاية بعثة المينورسو إلى غاية 31 أكتوبر 2021»، وأكد مجلس الأمن، في هذا القرار الجديد، للسنة الرابعة عشرة على التوالي، سمو مبادرة الحكم الذاتي، التي قدمتها المملكة في 11 أبريل 2007، مشيدا «بجهود المغرب الجادة وذات المصداقية والتي تجسدها مبادرة الحكم الذاتي».
إلى ذلك، جدد القرار الأممي تكريس موقع الجزائر كطرف رئيسي في المسلسل السياسي حول الصحراء، مؤكدا على ضرورة «التوصل إلى حل سياسي واقعي وعملي ودائم» لقضية الصحراء «على أساس التوافق»، وبعد أن دعا إلى تعيين مبعوث شخصي جديد للأمين العام للأمم المتحدة بالصحراء، جدد مجلس الأمن التأكيد على ضرورة مواصلة مسلسل الموائد المستديرة وتشجيع «استئناف المشاورات بين المبعوث الشخصي المقبل» وأطراف هذا النزاع الإقليمي، ويتعلق الأمر بكل من المغرب والجزائر وموريتانيا والبوليساريو.
وفي هذا السياق، شدد القرار الأممي على أهمية تجديد الأطراف لالتزامها بالدفع قدما بالعملية السياسية، برعاية الأمين العام للأمم المتحدة، مع التأكيد على أنه من «الضروري» أن يتحلى الأطراف بالواقعية وبروح التوافق للمضي قدما»، كما دعا المجلس إلى الأخذ بعين الاعتبار «الجهود المبذولة منذ عام 2006 والتطورات اللاحقة لها، بهدف التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول من كل الأطراف»، وحث القرار الأممي على إظهار الإرادة السياسية والعمل في مناخ ملائم للحوار، بما يضمن تنفيذ قرارات مجلس الأمن منذ عام 2007، الذي يصادف تقديم المغرب لمبادرته بشأن الحكم الذاتي، وسجل مجلس الأمن، في هذا الصدد، أن «التوصل إلى حل سياسي لهذا النزاع الطويل الأمد وتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في اتحاد المغرب العربي، من شأنه أن يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار، وهو ما سينعكس بدوره على خلق فرص الشغل والنمو لكافة شعوب منطقة الساحل».
الجزائر طرف رئيسي في النزاع
جدد القرار رقم 2548، الذي صادق عليه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مرة أخرى، تكريس موقع الجزائر كطرف رئيسي في المسلسل الرامي للتوصل إلى «حل سياسي واقعي وبراغماتي ودائم» لقضية الصحراء «قائم على التوافق»، وبالفعل، فإن قرار مجلس الأمن ذكر الجزائر خمس مرات، أي نفس عدد المرات التي ذكر فيها المغرب، ويعبر القرار أيضا عن «الدعم الكامل» لمجلس الأمن لجهود الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي المقبل للحفاظ على الزخم الجديد للمسلسل السياسي الرامي للتوصل إلى حل لقضية الصحراء.
وفي هذا الصدد، تذكر الهيئة التنفيذية للأمم المتحدة أن المبعوث الشخصي السابق، هورست كوهلر، اتفق مع المغرب والجزائر وموريتانيا والبوليساريو على عقد اجتماع جديد «بنفس الصيغة» التي عرفتها المائدتان المستديرتان المنعقدتان بجنيف في دجنبر 2018 ومارس 2019، وفي هذا السياق، يدعو القرار إلى إظهار الإرادة السياسية والعمل في جو موات للحوار، بما يضمن تنفيذ قرارات مجلس الأمن منذ عام 2007، وهو العام الذي قدم المغرب فيه مبادرته للحكم الذاتي.
وأشاد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بالزخم الجديد الذي أسفرت عنه الموائد المستديرة بين المغرب والجزائر وموريتانيا والبوليساريو، مجددا تأكيده على ضرورة مواصلة وتكريس هذه الموائد المستديرة باعتبارها العملية الوحيدة التي تهدف إلى التوصل إلى حل سياسي توافقي للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، وهكذا، نوهت الهيئة التنفيذية للأمم المتحدة في قرارها رقم 2548، بالزخم الجديد المنبثق عن المائدتين المستديرتين حول قضية الصحراء، اللتين انعقدتا في دجنبر 2018 ومارس 2019 في جنيف، بمبادرة من المبعوث الشخصي السابق للأمين العام للأمم المتحدة، هورست كوهلر، مشيدة بـ«التزام» المغرب بالانخراط في المسلسل السياسي الأممي «بشكل جاد ومحترم».
وبعد أن دعا إلى تعيين مبعوث شخصي جديد للأمين العام للأمم المتحدة بالصحراء، شجع مجلس الأمن، في هذا السياق، على «استئناف المشاورات بين المبعوث الشخصي المقبل» وأطراف هذا النزاع الإقليمي، ويتعلق الأمر بكل من المغرب والجزائر وموريتانيا والبوليساريو. كما عبر المجلس عن دعمه الكامل «للمجهودات المبذولة حاليا من طرف الأمين العام، ومبعوثه الشخصي المقبل، والتي تهدف إلى مواصلة عملية المفاوضات المتجددة للتوصل إلى حل لقضية الصحراء». وأشار القرار، أيضا، إلى أن المبعوث الشخصي السابق للأمين العام للأمم المتحدة اتفق مع المغرب والجزائر وموريتانيا والبوليساريو على عقد اجتماع جديد «بنفس الصيغة» التي عرفتها المائدتان المستديرتان المنعقدتان سابقا بجنيف.
من جهة أخرى، دعا المجلس المبعوث الشخصي المقبل إلى الارتكاز على التقدم الذي أحرزه سلفه في إطار عملية الموائد المستديرة، وبالتالي البدء من حيث توقف هورست كوهلر، وفي السياق ذاته، نوه مجلس الأمن بـ«تعهد المغرب والجزائر وموريتانيا والبوليساريو بمواصلة التزامهم، في إطار روح من الواقعية والتوافق، طوال مدة هذه العملية من أجل ضمان نجاحها»، كما يدعو القرار إلى التحلي بالإرادة السياسية والعمل في مناخ مناسب للحوار بهدف دفع المحادثات إلى الأمام، وبالتالي ضمان تنفيذ قرارات مجلس الأمن منذ 2007.
بوريطة يكشف رسائل القرار الأممي
أكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، أول أمس السبت، أن القرار رقم 2548، الذي اعتمده مجلس الأمن في 30 أكتوبر 2020 بشأن قضية الصحراء المغربية، يحتوي على ثلاث رسائل، وهي رسائل الوضوح والحزم والثبات. وشدد بوريطة، في تصريح بخصوص اعتماد مجلس الأمن القرار رقم 2548، على أن الأمر يتعلق أولا برسالة وضوح في تحديد الأطراف الحقيقية في هذا النزاع الإقليمي، بالإشارة تحديدا إلى دور الجزائر، التي ورد ذكرها ما لا يقل عن 5 مرات، بينما لم يتم ذكر هذا البلد على الإطلاق في القرارات السابقة لعام 2017 . وأكد أن مجلس الأمن يدعو إذن الجزائر إلى الاضطلاع بدور يرقى إلى مستوى انخراطها السياسي، الدبلوماسي، العسكري والإنساني في هذا النزاع الإقليمي، مبرزا «عدم وجود عملية سياسية ممكنة في معزل عن الانخراط الفعلي والبناء لهذا البلد». وأضاف بوريطة أن «هناك بعد ذلك وضوحا في تحديد مبتغى العملية السياسية»، مشيرا إلى أن القرار لا يدع مجالا للشك حول التزام مجلس الأمن من أجل «حل سياسي واقعي، براغماتي ومستدام… يقوم على التوافق». وأبرز أنها «منهجية مجلس الأمن في تجديد التزامه إزاء حل سياسي والاستبعاد النهائي لكل الحلول غير القابلة للتطبيق»، مسجلا أن «القرار يحيل بوضوح على أن كل حل غير براغماتي، ليس واقعيا ولا قابلا للتطبيق، ومن ثم، يجب استبعاده»، كما شدد بوريطة على الوضوح في مسار المسلسل السياسي، من خلال الموائد المستديرة التي يتعين أن تعرف مشاركة كافة الأطراف المعنية، لاسيما الجزائر، وفي الواقع، يؤكد الوزير، فإن القرار لا يتضمن أية إحالة على الاستفتاء، بينما يشير ست مرات إلى الحل السياسي، مشيرا إلى أن «من يواصلون طرح خيار الاستفتاء هم خارج القرار الأممي»، الذي يرسخ الشرعية الدولية ويعبر عن إرادة المجتمع الدولي.
وبخصوص رسالة الحزم، أوضح بوريطة أن الأمر يتعلق، أولا، بعملية إحصاء السكان المحتجزين في مخيمات تندوف، فمجلس الأمن يشدد على المسؤولية الإنسانية للجزائر، التي يتعين عليها الامتثال لواجباتها الدولية، وقال إن القرار يدعو الجزائر «مرة أخرى إلى أن تضع في حسبانها تسجيل اللاجئين في مخيمات تندوف»، كما يتعلق الأمر بالحزم في عملية إحصاء السكان المحتجزين في مخيمات تندوف، وكذا الحزم في احترام وقف إطلاق النار ووقف الأعمال الاستفزازية والتي تستهدف زعزعة الاستقرار.
وذكر الوزير بأن مجلس الأمن في القرار رقم 2548 ينضم إلى تقرير الأمين العام بخصوص الانشغال بخروقات الاتفاق العسكري والتهديد الحقيقي لوقف إطلاق النار، مضيفا أنه، وبالفعل، أبلغ الأمين العام مجلس الأمن بـ 53 انتهاكا من قبل مليشيات «البوليساريو»، وأشار إلى أن بنود الاتفاقية العسكرية رقم 1 لم تحترم بشكل كاف من قبل «البوليساريو». وتابع بوريطة أن الأمين العام سجل «تآكلا» في التعاون مع بعثة المينورسو، مشيرا إلى أن مجلس الأمن طلب من «البوليساريو»، منذ قراره 2414 لسنة 2018، تنفيذ «انسحابها الفوري» من «المنطقة العازلة في الكركارات»، و«الامتناع عن القيام بمثل هذه الأعمال المزعزعة للإستقرار»، والتي قد تعرقل العملية السياسية.
وفي ما يتعلق برسالة الثبات، أكد الوزير على الثبات في الحفاظ على مكتسبات المغرب، وخاصة المبادرة المغربية للحكم الذاتي، كقاعدة لأي حل سياسي ومعايير الواقعية والعملية والتوافق التي تميز المبادرة المغربية، وأكد، في هذا الصدد، أن عدة بلدان، ولا سيما الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، جددوا، بمناسبة هذا القرار، دعمهم للمبادرة المغربية. وتابع الوزير أن الأمر يتعلق أيضا بالثبات في الحفاظ على مكتسبات المغرب، ولاسيما الثبات في تحدبد صلاحيات بعثة المينورسو، موضحا أن مجلس الأمن يؤكد أن هذا التفويض يقتصر على مراقبة التقيد الصارم باحترام وقف إطلاق النار وأن المجلس لم يخضع لمنطق الابتزاز السياسي والأعمال اللصوصية والتحرش بالأمانة العامة للأمم المتحدة، التي كانت تدفع في اتجاه تغيير مهام بعثة المينورسو. وخلص بوريطة إلى أن القرار يؤكد بشكل نهائي مهمة بعثة الأمم المتحدة، التي لا يرتبط وجودها بأي شكل من الأشكال بفرضية الاستفتاء، وهو خيار استبعده مجلس الأمن.
مجلس الأمن يعرب عن قلقه من انتهاك الاتفاقات العسكرية في الصحراء
جدد مجلس الأمن الدولي، يوم الجمعة الماضي، الإعراب عن «قلقه» إزاء استفزازات البوليساريو وانتهاكاتها للاتفاقات العسكرية في الصحراء، وأمر الحركة الانفصالية باحترام «التزاماتها» التي قطعتها في هذا الصدد أمام المبعوث الشخصي السابق للأمين العام للأمم المتحدة، هورست كوهلر.
وجدد مجلس الأمن التأكيد في قراره رقم 2548، على «أهمية الاحترام الكامل لمقتضيات هذه الاتفاقات، من أجل الحفاظ على زخم العملية السياسية في الصحراء»، مستحضرا الالتزامات التي قدمتها البوليساريو للمبعوث السابق، بالانسحاب الكامل من المنطقة العازلة بالكركرات، وعدم القيام بأي نشاط استفزازي ومزعزع للاستقرار في المنطقة شرق منظومة الدفاع في الصحراء المغربية.
وأكد المجلس أيضا أن «الاتفاقات العسكرية المبرمة مع بعثة المينورسو بشأن وقف إطلاق النار يتعين أن تحترم بشكل تام»، داعيا الأطراف إلى «الالتزام الكامل بها، والوفاء بالتزاماتها تجاه المبعوث الشخصي السابق، والامتناع عن أي عمل من شأنه تقويض المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة، أو زعزعة استقرار الوضع في الصحراء».
وكان مجلس الأمن قد أعرب في قراره رقم 2414، الذي تم اعتماده في أبريل 2018، عن «قلقه» من وجود البوليساريو في المنطقة العازلة بالكركرات، وأمرها
بـ«مغادرتها فورا». كما أعرب المجلس عن «قلقه» من أن البوليساريو تخطط لنقل «بنياتها الإدارية» المزعومة إلى شرق منظومة الدفاع، وأمرها بـالكف «عن مثل هذه الأفعال المزعزعة للاستقرار»، وفي جميع القرارات اللاحقة، بما في ذلك القرار الذي تمت المصادقة عليه الجمعة الماضي، أمر مجلس الأمن البوليساريو بلغة لا لبس فيها، بالوقف الفوري لأنشطتها المستفزة في الكركرات وشرق منظومة الدفاع في الصحراء المغربية.
ومنذ عام 2017، وأخيرا في 21 أكتوبر 2020، أمر الأمين العام للأمم المتحدة، من خلال متحدثه الرسمي، البوليساريو «بعدم إعاقة حركة المرور المدنية والتجارية في الكركرات، وعدم القيام بأي إجراء من شأنه أن يغير الوضع القائم». ويشكل القرار رقم 2548 بذلك أمرا واضحا وصارما من مجلس الأمن إلى البوليساريو، التي تتصرف
كـ«قطاع الطرق»، لوضع حد وبشكل فوري لاستفزازاتها في الكركرات وشرق منظومة الدفاع في الصحراء المغربية، والتي تنتهك وقف إطلاق النار والاتفاقات العسكرية وقرارات مجلس الأمن، وتهدد السلم والأمن الإقليميين وتقوض العملية السياسية الأممية.
وبالإضافة إلى ذلك، رحب مجلس الأمن في هذا القرار بالملاحظة التي أبداها الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره بتاريخ 23 شتنبر 2020، والتي أكد فيها أن الوضع في الصحراء المغربية ما زال متسما بـ«الهدوء»، مفندا مرة أخرى المزاعم المضللة للانفصاليين بشأن الوضع في الأقاليم الجنوبية للمملكة.
ثلاثة أسئلة لمحمد زين الدين أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بالمحمدية : «النظام الجزائري يحاول تصدير أزماته الداخلية عبر ملف الصحراء المغربية»
1ما هو دور الجزائر في الأحداث الأخيرة التي شهدها معبر الكركرات؟
إنها ليست المرة الأولى التي تتورط فيها الجزائر في النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، فكلما كانت هناك أزمة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية في الجارة الشرقية، إلا وتقوم بمحاولة تصديرها إلى الخارج، والوجهة المفضلة عند حكام الجزائر هي المغرب، لأنه ليس لدى النظام الجزائري مخارج سياسية، وهو الذي يعيش اليوم في مأزق صعب جدا على المستوى الدستوري، بسبب غياب الحلول لدى هذا النظام على هذا المستوى، إذ أن الهاجس هناك هو كيف سيتم تنظيم الاستفتاء الدستوري، وعلى مستوى الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الجزائر، وأيضا على مستوى فقدان الثقة بين الشعب وبين الحكام، بالإضافة إلى ذلك، التحرك الدبلوماسي النشيط للدبلوماسية المغربية، وهذه العناصر مجتمعة دفعت بالنظام الجزائري إلى التخبط خبط عشواء، في محاولات أكدت بالجانب الأول أنها طرف أساسي في النزاع، بعدما كانت تحاول إظهار غير ذلك، لكن اليوم لم يعد أحد من المنتظم الدولي والأمم المتحدة والقوى الكبرى يتق بأنها ليست طرفا، بل على العكس تأكد بالملموس أنها طرف في هذا النزاع، وهي من تغذيه لأهداف جيواستراتيجية، وللتنفيس على أزمة نظام سياسي يختنق يوما بعد يوم، وهذا الأمر قد بدى بشكل جلي من خلال المحاولة اليائسة في منطقة الكركرات وتحريك بعض الأطراف الانفصالية لتنفيذ خروقات ضدا على قرارات الأمم المتحدة، وضدا على المينورسو، واعتقد أنها محاولة يائسة لكون المغرب يحقق تواجدا فعليا على الميدان، والجزائر تسير وفق أوراق غير واضحة المعالم، وهذا الأمر يتجلى في قرار العديد من الدول فتح قنصلياتها في الأقاليم الجنوبية، وهو الأمر الذي يحمل نهاية الدعاية الجزائرية لقضية الصحراء المغربية.
2 هل من شأن هذه الاستفزازات في الأقاليم الجنوبية والمناطق شرق الجدار الأمني أن تزيد من حدة التوتر بين المغرب والجزائر؟
إن اتفاق وقف إطلاق النار بالأقاليم الجنوبية بين المغرب والبوليساريو، محكوم بضوابط واضحة، والمغرب حريص على احترام هذه الضوابط ولم يخرج عنها قيد أنملة، وحينما يتعلق الأمر بتجاوز ميداني، فليس من المستبعد أن تتطور الأحداث ونرى تدخلا للمغرب. إن هذه الاستفزازات هي محاولة اليائس الذي يسعى بجهده إلى تغيير الأوضاع، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يحدث، لأنه على مستوى الواقع فالكفة لصالح المغرب، وهو الذي يوجه ضربات قاضية جدا للبوليساريو وحليفتها الجزائر، من خلال القنصليات والتمثيليات الدبلوماسية الأجنبية التي باتت حاضرة في الأقاليم الجنوبية، ومن خلال الدور الوازن أيضا على المستوى الإفريقي، والذي كان لوقت قريب لم يكن المغرب حاضرا فيه، وأصبح حاضرا اليوم، وأيضا من خلال التجاوب الإيجابي حتى مع الأمم المتحدة، ويمكن القول إن الصورة اليوم أصبحت واضحة والجزائر هي من تفتعل هذا النزاع وتحضنه، ولا تسعى إلى إيجاد حل أو إنهائه، بل تدفع البوليساريو إلى محاولة تأجيج الوضع. واعتقد أنه في حال استمرار الاستفزازات على مستوى المناطق الجنوبية فقد نرى تدخلا للمغرب بما يلزم، وربما عسكريا، في مواجهة إلى محاولة لخرق الاتفاق المتعلق بوقف إطلاق النار، وقد لاحظنا كيف أن المغرب وجه غير ما مرة رسائل إلى الأمين العام للأمم المتحدة، ينبه فيها إلى هذه الخروقات.
3 هل نجاح المغرب وحضوره القوي على المستوى القاري عمق من أزمة الطرح الانفصالي والموقف الجزائري؟
يمكن القول إن هذا عامل من بين العوامل التي دفعت الطرح الانفصالي إلى اتخاذ مثل هذه السلوكات اليائسة، ولا ننسى أنه بعد عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، جرت الكثير من مياه التغيرات، فالمغرب أظهر أنه عضو ملتزم بالقضايا الإفريقية كاملة، وبدون أي تدخل وأي ضغط، وقد أكد على الأمر على عدة مستويات، من خلال الدعم السياسي والاقتصادي والمالي للقارة الإفريقية بعودته، وبالتالي فإن سياسة ملء الكرسي الفارغ التي كان نهجها المغرب تجاه الاتحاد الافريقي، قد أعطت أكلها، والتجربة الميدانية قد أكدت أن المغرب عضو فاعل وفعال في الاتحاد الإفريقي، وعلى كافة المستويات في الوقت الذي تغيب الجزائر بشكل شبه تام عن الساحة القارية والاتحاد الإفريقي، لا على مستوى الدعم الاقتصادي والسياسي والمالي والعسكري، نجد أن المغرب يمارس كل هذه الأدوار كاملة ودون التمييز بين الدول، وحتى الدول الإفريقية تأكد أن دور المغرب كان ولازال إيجابيا على المستوى الإفريقي وعودته للاتحاد الإفريقي كانت محمودة عكس ما كان يروج له الخصوم بأن هذه العودة ستزرع الفرقة والخلاف في البيت القاري، كما أن الموقف الواضح للمغرب في ملف الصحراء المغربية ترك نوعا من الأريحية الكبيرة لدى الدول الإفريقية، وذلك بأن تدبير الملف مكفول للأمم المتحدة.
الولايات المتحدة تؤكد جدية ومصداقية مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء
جددت الولايات المتحدة الأمريكية التأكيد، يوم الجمعة الماضي، عقب اعتماد مجلس الأمن الدولي للقرار رقم 2548 بشأن الصحراء المغربية، على أن المبادرة المغربية للحكم الذاتي تظل «جدية وذات مصداقية وواقعية» لتسوية هذا النزاع الإقليمي.
وأكدت بعثة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، في تفسيرها للتصويت على هذا القرار، «نعتبر المخطط المغربي للحكم الذاتي جديا وذا مصداقية وواقعيا، ويمثل مقاربة كفيلة بتلبية تطلعات ساكنة الصحراء»، لتدبير شؤونها المحلية في إطار «من السلم والكرامة».
كما جددت الولايات المتحدة دعوتها للأطراف المعنية بهذا النزاع الإقليمي «لإظهار التزامها بحل سياسي واقعي وبراغماتي ودائم يقوم على التوافق، من خلال استئناف المفاوضات دون شروط مسبقة وبحسن نية»، مؤكدة أن المواقف الجامدة لا يجب أن تعيق تقدم المسلسل السياسي الذي يتم تحت الرعاية الحصرية للأمم المتحدة. وأعربت البعثة الأمريكية عن تطلعها إلى أن «تحترم جميع الأطراف التزاماتها بوقف إطلاق النار، وأن تتعاون بشكل تام مع بعثة المينورسو، وتجنب أي عمل من شأنه زعزعة استقرار الوضع أو تهديد المسلسل الأممي».
وتابعت قائلة: «ندعو كافة الأطراف إلى التحلي بضبط النفس، خاصة على ضوء الأحداث الأخيرة في الكركرات، والتي تشكل تهديدا للسلم والاستقرار في المنطقة، والتكثيف الجسيم للانتهاكات التي أشار إليها التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة، في إشارة مباشرة إلى الاستفزازات والانتهاكات المرتكبة من قبل البوليساريو وميليشياتها في المنطقة العازلة بالكركرات وشرق منظومة الدفاع بالصحراء المغربية»، وحذرت في هذا الصدد، من أن «تغييرات أحادية الجانب للوضع القائم على الأرض لن تساعدنا على التوصل إلى حل دائم وسلمي» لهذا النزاع الإقليمي.
وقرر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في قراره رقم 2548، تمديد ولاية بعثة المينورسو لمدة عام واحد، مع تأكيده، مرة أخرى، على سمو المبادرة المغربية للحكم الذاتي لحل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. وأكدت الهيئة التنفيذية للأمم المتحدة في هذا القرار، للسنة الرابعة عشرة على التوالي، سمو مبادرة الحكم الذاتي التي قدمتها المملكة في 11 أبريل 2007، مشيدة بجهود المغرب «الجادة وذات المصداقية» التي تجسدها هذه المبادرة.
النظام الجزائري يلعب ورقة الصحراء لتحويل الأنظار عن الأزمة الداخلية
تواجه الجارة الشرقية، الجزائر، أزمة سياسية واجتماعية خانقة في ظل تزايد المخاوف من حدوث انهيار اقتصادي، منذ أن وقعت أزمة النفط عام 2014 بسبب تراجع سعر النفط الخام تراجعًا كبيرًا، والأزمة العالمية الأخيرة التي هوت بأسعار المحروقات في السوق العالمية إلى أرقام ما تحت الصفر، وهي التي دفعت السلطة الحاكمة في قصر المرادية إلى اتخاذ تدابير تقشفية قاسية أعادت موجة الاحتجاجات الشعبية إلى الشارع الجزائري في ظل تفشي وباء كورونا وفي خضم استعداد النظام الحاكم لتنظيم استفتاء على تعديلات دستورية مهمة تنهي بقايا فترة من الحكم السابق لعبد العزيز بوتفيلقة مع ذلك، بينما ظلت كل المحاولات الحكومية اللاحقة لتنويع الاقتصاد تصطدم بحائط مسدود. ومع ارتفاع معدلات البطالة وسوء الأوضاع الاجتماعية الاقتصادية، بات البلد مقبلاً على الانفجار.
سجّلت احتياطات الصرف في البلاد انخفاضًا حادًا من 193,6 مليار دولار في العام 2014 إلى نحو 65 مليار دولار في يونيو 2019، قبل الأزمة الحالية المرتبطة بوباء كورونا، وباتت البلاد على شفا خطوات من انهيار اقتصادي في الجزائر بحلول العام 2022، وهي المخاوف من الانهيار الاقتصادي الوشيك الذي أعاد إلى ذاكرة الجزائريين الأزمة التي أصابت سوق النفط العالمية عام 1986 وأسفرت عن أعمال الشغب العنيفة الشهيرة عام 1988، تلتها الأحداث والاضطرابات السياسية والاجتماعية والتي باتت تعرف لدى الجزائريين بـ”العشرية السوداء”. وزادت هذه المخاوف صدقية ضبابية الوضع السياسي التي تلقي على ساحة سياسية أكثر تعقيدًا تحول دون إجراء الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية التي تحتاجها البلاد.
وفي خضم هذا الوضع الداخلي المتأزم، يحاول النظام الجزائري تنفيس الأزمة الداخلية بتحريك الأسطوانة القديمة مستغلا احتضانه لانفصاليي البوليساريو، لافتعال استفزازات «جديدة قديمة»، ضد المغرب. ويرى الموساوي العجلاوي، الأستاذ بمعهد الدراسات الإفريقية، أن «الدوافع وراء التحرك الأخير للعناصر الانفصالية في المنطقة الحدودية بين المغرب وموريتانيا، هي دوافع متعددة ومتداخلة، بمصالح مختلفة، أولاها أن قيادة جبهة البوليساريو الحالية هي من صنع البشير طرطاك، وهو جنرال كان مكلفا بتنسيق المؤسسات الأمنية، وهو اليوم معتقل، وبالتالي فقيادة للبوليساريو هي من نتاج جهاز انقرض داخل الدولة الجزائرية»، مضيفا أن «قيادة البوليساريو تعيش على وقع المزايدات بين تيارات متنافسة حول من هو الأقرب إلى «القضية»، وقد ظهر هذا الجانب في عدة تصريحات من داخل الجبهة»، يضيف العجلاوي، مبرزا أن «التحركات الأخيرة للعناصر الانفصالية هي ترجمة لنوع من التسابق بحثا عن شرعية ما، وهذا سبب من داخل البوليساريو وراء هذه التحركات».
وأكد العجلاوي على أن هناك سببا آخر للأحداث الأخيرة يرتبط بالجارة الشرقية الجزائر، وهو أن «الواجهة الجديدة بالجزائر بحاجة إلى إفهام الجيران والعالم أن هناك تحولا في النظام الجزائري، وأن الجزائر أصبحت شرسة في سياستها الخارجية، من خلال ثلاثة ملفات، وهي الملف الليبي والملف المالي وملف الصحراء»، مؤكدا على أنه «لا يمكن للبوليساريو أن تتحرك دون ضوء أخضر من الأجهزة الأمنية والعسكرية الجزائرية»، حسب العجلاوي، الذي أوضح «أن هناك مستوى ثالثا يرتبط بالتحول في الموقف الدولي، وهو التحول الذي ينعكس من جهة من خلال عدم استعجال المنتظم الدولي في تعيين مبعوث الأمين العام، كما أن كل التقارير الجديدة للأمين العام للأمم المتحدة أو لمجلس الأمن الدولي، تؤكد على أن لا وجود لأي شيء اسمه الأراضي المحررة».
المخابرات الأمريكية تفضح إنفاق الجزائر لأموال ضخمة لزعزعة استقرار المغرب
جدد القرار رقم 2548، الذي صادق عليه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يوم الجمعة الماضي، مرة أخرى، تكريس موقع الجزائر كطرف رئيسي في المسلسل الرامي للتوصل إلى «حل سياسي واقعي وبراغماتي ودائم» لقضية الصحراء «قائم على التوافق»، وبالفعل، فإن قرار مجلس الأمن ذكر الجزائر خمس مرات، أي نفس عدد المرات التي ذكر فيها المغرب.
وأوضح مصدر دبلوماسي، أن ما يزعج الجزائر بالفعل، هو كونها فشلت في إيهام المجتمع الدولي بأنها طرف غير معني بالنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، في حين أن الدبلوماسية المغربية كشفت عن زيف ادعائها وفضحت مزايدات النظام الجزائري بخصوص الحل السياسي لقضية الصحراء المغربية، الذي يسعى مجلس الأمن إلى إقراره بشكل متوافق عليه من خلال مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحتها المملكة المغربية سنة 2007، لذلك لا تكف الآلة الدعائية الجزائرية بشن حملاتها المسعورة والممنهجة للتشويش على الإجماع الوطني حول هذه القضية والمكاسب التي يحققها المغرب تأييدا ودعما من المجتمع الدولي.
وكشفت وثائق سرية لوكالة المخابرات الأمريكية، عن المسؤولية المباشرة للجزائر في النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء، والتي يحاول من خلالها النظام الجزائري غير ما مرة تمويه الأمم المتحدة والرأي العام الدولي عن طريق نفي علاقته بهذا النزاع، وأكدت الوثائق أن الجزائر أنفقت في سنة واحدة أزيد من 750 مليون دولار من أجل زعزعة إستقرار المغرب و القيام بعمليات تخريب داخل مدن الصحراء المغربية، من خلال تمويل عناصر انفصالية، بالإضافة إلى الأموال الكثيرة التي تنفقها لتمويل دعايتها ضد المغرب بالمحافل الدولية، وكذلك لترويج الأطروحة الانفصالية.
وحسب المعطيات الواردة في وثائق الأرشيف المتعلق بصراع الصحراء المغربية والأطراف الفاعلة فيه، فإن تورط الجزائر واضح ولا يمكن للمسؤولين الجزائريين التنصل من الأدوار السلبية التي قاموا ويقومون بها على امتداد ما يقارب نصف قرن من أجل إطالة أمد النزاع وزعزعة الاستقرار بشمال إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، وعزت وثائق أرشيف وكالة المخابرات الأمريكية أسباب دعم الجزائر لجبهة البوليساريو ومعاكستها للوحدة الترابية للمغرب إلى مرحلة الحرب الباردة، مشيرة إلى أن الإيديولوجيا ساهمت إلى حد كبير في تأجيج الخلافات بين ما اعتبرته مرجعية اشتراكية في الجزائر وبين ملكية تقليدية في المغرب.
وبعد أن أكدت ذات الوثائق تحكم الجزائر في قرارات البوليساريو بحكم احتضانها وتقديم مختلف أوجه الدعم المادي والعسكري لها، فقد خلصت إلى أن «الجزائر يجب أن تكون طرفا في التفاوض حول ملف الصحراء ولا يمكن أبدا عزلها عما يجري في المنطقة»، مضيفة أن الجارة الشرقية للمغرب «يمكن أن تقنع البوليساريو بالعودة إلى طاولة التفاوض، لأنها هي من تسندها بدعم عسكري حيوي يشمل الأسلحة والتدريب، والبوليساريو لا تساوي أي شيء من دون هذا الدعم».