تمثيليات هزلية 2.2
إذا أريد لمؤسسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن تكون مؤسسة للحكامة التنموية الجيدة، يجب أن تتم إعادة النظر في معايير اقتراح الأسماء للتنصيب بها حتى تكون قيمة مضافة ويتمكن المجلس من أداء دوره الحقيقي كما أراده الملك، لا أن تدفع لهم مبالغ مهمة في وقت يقوم الأطر والخبراء المتعاقدون بإعداد العمل، فيما البقية يراكمون التعويضات ويستنزفون مالية الدولة المنهكة أصلا.
إن مهمة المجالس الاستشارية كالمجلس الاقتصادي والبيئي، الذي يتقاضى رئيسه نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، راتب رئيس حكومة، هي توفير الرؤية الواضحة لصناع القرار لكي يستعينوا بتقارير الخبراء أثناء تسطير السياسات العامة.
وكذلك الشأن بالنسبة لمراكز الدراسات الاستراتيجية الممولة من المال العام، والتي أظهر كثير منها مدى عجزه عن استباق التطورات والمتغيرات المتلاحقة التي يعرفها المجتمع المغربي، خصوصا على مستوى الطبيعة الاحتجاجية للمغاربة.
ومن بين المراكز التي تستمد ميزانيتها من المال العام هناك المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية IRES الذي يستعد للاحتفال بالذكرى العاشرة لتأسيسه، والذي يشرف على تسييره محمد توفيق مولين، عم «مول البندير».
والواقع أن الاحتفال بالذكرى العاشرة لتأسيس هذا المعهد يجب أن يكون مناسبة للوقوف على استحضار الأهداف التي خلق من أجلها، وكذا الوقوف على حصيلته كمؤسسة تمول من المال العام.
أهمية التساؤل حول التسيير الداخلي للمؤسسة تكمن في كونها تستهلك ما يناهز 12 مليون درهم سنويا كميزانية للتسيير فقط.
ولذلك فالذكرى العاشرة لتأسيس هذا المعهد هي مناسبة للتساؤل عن مردوديته وحصيلته، بل وتأثيره على الحياة السياسية للمملكة باعتباره المتخصص في تقييم السياسات العمومية واقتراح البدائل والحلول.
لقد أظهرت أحداث الحسيمة وجرادة وتنغير وأوطاط الحاج، وغيرها من مناطق المغرب المنسي، فشل هذه المؤسسة في وظيفتها، علما أنها تخصص أموالا طائلة لإنجاز دراسات تقييمية للمكون الاجتماعي في المغرب لكافة جهاته، فكيف يستثنى كمعهد للاستشراف من مسؤولية التقصير في التحذير من غضب وسخط السكان من السياسات العمومية المرصودة لها، واقتراح الحلول والبدائل، وهذا صلب اهتمامه واختصاصه، وإلا فما الحاجة إلى وجوده؟
أما التوظيفات فمجملها من معارف المدير وأقربائه الذين يتقاضون أجورا خيالية بدون مردودية واضحة وكفاءات عالية.
وبالعودة إلى مظاهر النفاق والكذب في ممارسات قيادات الحزب الحاكم، عملا بسياسة «كول مع الذيب وبكي مع السارح»، لاحظ الجميع خروج نقابة الاتحاد الوطني للشغل، الذراع النقابي لحزب العدالة والتنمية، لمهاجمة القانون الإطار المتعلق بإصلاح المنظومة التعليمية، هكذا بدون خجل، رغم أن ممثلي نقابة وحزب العدالة والتنمية بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين صادقوا على رؤية الإصلاح التي انبثق عنها القانون الذي يهاجمونه.
ومن بين هؤلاء «الممثلين» نجد خالد الصمدي، كاتب الدولة الحالي في التعليم العالي، ومحمد يتيم، وزير «التمشغيل» الحالي، وعبد الإله الحلوطي، نائب رئيس مجلس المستشارين، ولحسن الداودي، وزير التعليم العالي السابق، وماء العينين، نائبة رئيس مجلس النواب، ومحمد زويتن، رئيس أرباب المدارس الخصوصية والمدافع عن مصالحهم، هؤلاء كلهم باركوا الرؤية الاستراتيجية التي أعدها مجلس عزيمان والتي مهدت لضرب المجانية.
أكثر من ذلك، فإن أمينة ماء العينين حصلت على تعويضات خيالية عن كل اجتماع للجنة التي كان يرأسها الحجمري، المدير السابق للمدرسة المولوية، وتعويضات عن إعداد أحد التقارير الفرعية المرتبطة بالرؤية التي ستحكم المنظومة التعليمية إلى حين 2030.
ولأن قيادات العدالة والتنمية مولعون بلعبة «كوي وبخ»، فإنهم ينسون أن القانون الإطار أعدته حكومة بنكيران وتحاول تنزيله حكومة العثماني وهما، كما لا يخفى على أحد، حكومتان قادهما حزب العدالة والتنمية.
إن أفضل ما يجسد حالة الانفصام السياسي الذي يعيشه حزب العدالة والتنمية، هو تلك الواقعة التي حدثت
بعد اعتماد دستور 2011 عندما كانت حكومة عباس الفاسي مجبرة على تمرير القوانين الانتخابية، خصوصا بعد توجيهات المجلس الوزاري بالحسيمة، الذي كلف إدريس لشكر بوصفه آنذاك الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان، وإدريس الضحاك الأمين العام للحكومة، والطيب الشرقاوي وزير الداخلية آنذاك، بالانكباب على تنزيل القوانين.
وعكس ما كان يشهره قادة حزب العدالة والتنمية من معارضة حنجرية شرسة، خصوصا لحسن الداودي، رئيس الفريق آنذاك، فإن مساومات في الكواليس كانت تجري بين الصديقين لشكر والداودي، حيث كان يطالب هذا الأخير الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان بالمشاركة في مسرحية سياسية من خلال ترك صقور العدالة والتنمية «يكشكشون» في البرلمان وينتقدون ويعارضون، قبل أن يقرروا الانسحاب من لجنة الداخلية مفسحين المجال أمام اللجنة لكي تصوت على القوانين كما تشاء، وهكذا نجحوا في ضرب عصفورين بحجر واحد، فمن جهة نالوا رضى الداخلية مقابل خضوعهم ومن جهة ثانية نالوا ثقة وإعجاب الشعب المخدوع الذي اعتقد أنهم رجال في الوقت الذي تصرفوا فيه مثل «شمايت» حقيقيين.
وهي الخطة التي تم العمل بها للمصادقة على أربعة قوانين تنظيمية انتخابية تهم الأحزاب السياسية وانتخاب أعضاء مجلس النواب وانتخاب أعضاء مجلس المستشارين وانتخاب أعضاء الجماعات الترابية.
فكيف يريد هؤلاء المنافقون أن يوهموا الشعب الْيَوْمَ أنهم يدافعون عن مصالحه في الوقت الذي يتآمرون عليه مع كل متآمر ويضربون مصالحه وراء ظهره؟