محمد اليوبي
تفجرت فضيحة من العيار الثقيل بمجلس جماعة فاس، بعد اكتشاف بيع سيارات صالحة للاستعمال على أساس أنها «خردة» بأثمان بخسة، في حين أن أسعارها الحقيقية تقدر بالملايين، وكانت هذه السيارات محجوزة بالمحجر الجماعي. وأمرت النيابة العامة بفتح تحقيق في الموضوع بعد توصلها بعدة شكايات، حيث شرعت الفرقة الجهوية للشرطة القضائية في إجراء أبحاث قضائية والاستماع للمشتبه فيهم.
وبدوره، وجه والي جهة فاس مكناس، سعيد زنيبر، شكاية إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بفاس، يوم 6 شتنبر الجاري، حول «شبهة مخالفة القانون من خلال عملية بيع سيارات محجوزة عن طريق المزاد العلني، من طرف جماعة فاس». وأوضح الوالي، من خلال الشكاية التي تحمل توقيع الكاتب العام للولاية، عبد السلام فريندو، أن جماعة فاس أقدمت، يوم الخميس 28 يوليوز 2022، على تنظيم عملية بيع بالمزاد العلني لعدد من السيارات المحجوزة بالمحجز الجماعي وغير الصالحة للاستخدام في التنقل والتي يتجاوز عددها 130 سيارة من مختلف الأصناف.
وكشفت الشكاية أن السمسرة العمومية المذكورة رست على المسمى «إ.ف.ا» بصفته المشارك الوحيد، بمبلغ 408.300 درهم للحصة الأولى و343.400 درهم للحصة الثانية، غير أنه، ومن خلال تفحص ملف المزاد العلني المذكور، تبين أن عددا من السيارات الواردة في لائحة المقتنيات كانت موضوعا لتصحيح الإمضاء من طرف نائل الصفقة لدى الجماعة المذكورة، كما ورد في التقرير المنجز من طرف الموظفين بمكتب تصحيح الإمضاء، بغية جعلها صالحة للاستعمال في التنقل، وذلك بناء على استمارات تم توقيعها من طرف النائب الثالث لرئيس مجلس الجماعة، عبد القادر البوصيري، الذي يشغل كذلك منصب نائب برلماني عن مدينة فاس باسم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
وأحال والي الجهة، على الوكيل العام للملك، مجموعة من الوثائق التي تفضح عملية التلاعب في هذه الصفقة، حيث تم بيع مجموعة من السيارات كانت محجوزة بالمحجز الجماعي على أساس أنها «خردة» غير صالحة للاستعمال أو التنقل، وكان من المفروض أن يتم تفكيكها وبيعها على شكل قطع غيار بعد إتلاف وثائقها، لكن صاحب الصفقة، بتواطؤ مع عدة مسؤولين ومنتخبين بالجماعة وبمركز تسجيل السيارات، تمكن من استخراج وثائق هذه السيارات لإعادة بيعها واستعمالها من جديد. وفي هذا الصدد، طلب الوالي، من الوكيل العام، اتخاذ ما يراه مناسبا طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل حول ما قد يكون شاب هذه العملية من خروقات محتملة، فضلا عن دراسة إمكانية إخبار السلطة بالإجراءات التي سيتم اتخاذها في الموضوع.
وفي رده على هذه الاتهامات، اتصلت «الأخبار» بالبرلماني البوصيري، الذي ارتبط اسمه بكل الفضائح التي تفجرت بجماعة فاس، ومنها صفقات إصلاح الطرق، وتفويت عقار لإحدى الشركات، والآن صفقة بيع السيارات المحجوزة بالمحجز الجماعي، وأوضح البوصيري أن الجماعة أعلنت عن تنظيم سمسرة لبيع السيارات والدراجات النارية المحجوزة في احترام تام للمسطرة القانونية المعمول بها، مشيرا إلى أن دفتر التحملات ينص على أن هذه السيارات هي «متلاشيات غير صالحة للاستعمال»، وأكد أنه، بعد الإعلان عن السمسرة، توصلت الجماعة بعرض وحيد من مقاول شارك في الصفقة، وتقدم بثمن بخس لاقتناء هذه المتلاشيات، لكن أعضاء اللجنة لم يقتنعوا بالعرض المقدم، واقترحوا عليه إضافة نسبة 10 في المائة عن الثمن الافتتاحي الذي حددته الجماعة، فوافق على ذلك، حيث تكلف موظف يشغل منصب رئيس مصلحة بإنجاز محضر لعملية البيع، حيث وقع عليه كل أعضاء اللجنة.
وأكد البوصيري أنه، إلى حدود التوقيع على محضر البيع، كانت الأمور كلها قانونية، وهنا انتهت مهمته، لكن، بعد هذه الإجراءات، وقعت تطورات وتلاعبات مشبوهة، يضيف البوصيري، نافيا علاقته بها، وكشف أنه بعد أداء المستحقات للخزينة، وتوقيع عقد البيع، قام المقاول نائل الصفقة بتوقيع وثائق بمصلحة تصحيح الإمضاء بالجماعة، تمكن من خلالها من استخراج وثائق للسيارات. وقال البوصيري «فوجئنا بوقوع عملية تزوير للمحضر الذي وقعنا عليه، ويضم ثلاث صفحات، حيث تم استبدال الصفحة الأولى، بحذف عبارة «سيارات غير صالحة للاستعمال» وتعويضها بعبارة «سيارات صالحة للاستعمال» مع الاحتفاظ بالصفحات الأخرى من المحضر، ومنها الصفحة الأخيرة التي تتضمن توقيعات أعضاء اللجنة». وطالب البوصيري بفتح تحقيق معمق مع كل المتورطين في عملية التزوير، وأن يمتد التحقيق إلى الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية المسؤولة عن مركز تسجيل السيارات بفاس، لأن هذا المركز يعرف أنها سيارات غير صالحة للاستعمال، ورغم ذلك تم استخراج وثائقها من جديد.
واتصلت «الأخبار» بعمدة فاس، عبد السلام البقالي، لمعرفة رأيه بخصوص الفضائح المتتالية التي يعرفها مجلس المدينة، لكن هاتفه ظل يرن بدون جواب، فيما أكدت المصادر أن والي الجهة وجه له استفسارا عن الخروقات التي شابت هذه الصفقة، وطلب منه الجواب داخل أجل 10 أيام، وذلك طبقا لمقتضيات المادة 64 من القانون التنظيمي للجماعات، ومن المنتظر أن يحيل الملف على أنظار المحكمة الإدارية لترتيب الآثار القانونية عن هذه الخروقات.