شوف تشوف

الرئيسيةالملف السياسي

تقنين زراعة «الكيف» من أجل الاستعمالات الطبية والصناعية

هكذا تحول الملف إلى ورقة انتخابية

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
فرضت نبتة «الكيف» نفسها من جديد على المشهدين السياسي والإعلامي في المغرب، بعد مصادقة مجلس الحكومة على مشروع قانون يتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، وسبق لهذا الموضوع أن أثار الكثير من الجدل والنقاشات مع اقتراب كل موعد انتخابي، عندما تحيي بعض الأحزاب مقترحات قوانين حول تقنين هذه الزراعة بأقاليم الشمال، أو تنظيم أيام دراسية تحت قبة البرلمان، حيث تحول مطلب تقنين زراعة «الكيف» إلى ورقة انتخابية وموضوع للمزايدات السياسية بين مختلف الأحزاب، بين مطالب بتقنين الزراعة المذكورة واستعمالها لأغراض طبية وصناعية، من أجل تنمية الأقاليم المعنية بهذه الزراعة وتحسين ظروف عيش سكانها، وبين معارض لذلك، بمبرر تفادي تشجيع انتشار المخدرات.

مقالات ذات صلة

يرى الكثير من المشتغلين في حقل القنب الهندي أن رفع المغرب الحظر عن زراعة هذه النبتة من شأنه أن يزيل تهمة تصدير المخدرات الملتصقة بالمغرب على الصعيد الدولي، لأن تطوير الزراعات المشروعة للقنب الهندي، كفيل بتحسين دخل المزارعين وحمايتهم من شبكات التهريب الدولي للمخدرات، كما ستمكن عملية التقنين عن طريق إحداث وكالة خاصة تحت إشراف الدولة، من تطويق الاستعمالات غير المشروعة لهذه النبتة، والحد من تأثيرها على الصحة والبيئة، كما ستمكن المغرب من ولوج السوق العالمية للقنب الهندي المشروع.

فعوضا عن استغلال المزارعين من طرف أباطرة الاتجار في المخدرات، سيتم توجيه هذه الزراعة إلى استعمالات مشروعة في الأنشطة الصناعية والاستعمالات الطبية، المعتمدة في أساسها على نبتة «الكيف»، وعليه عوضا عن تضرر الاقتصاد من ظواهر تبييض الأموال وتهريبها، من المنتظر أن توفر هذه الزراعة مداخيل مهمة للاقتصاد الوطني، وجعل الأقاليم الشمالية، التي سيتم تحديدها بموجب نص تنظيمي، قبلة للاستثمارات المحلية والأجنبية.

تقنين زراعة القنب الهندي
مع اقتراب نهاية الولاية الحكومية الحالية، صادق المجلس الحكومي في اجتماعه المنعقد يوم الخميس الماضي، على مشروع قانون يتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، أعدته وزارة الداخلية، وأثار هذا المشروع نقاشا في الأوساط السياسية، بعد إعلان قياديين بحزب العدالة والتنمية رفضهم لهذا المشروع، ومن ضمنهم رئيس الحكومة السابق، والأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، الذي أعلن تجميد عضويته بالحزب، احتجاجا على مصادقة وزراء حزب «المصباح» على هذا القانون.

وأوضحت المذكرة التقديمية لمشروع القانون، أنه يندرج في إطار مسايرة التدرج الذي عرفه القانون الدولي من منع استعمال نبتة القنب الهندي إلى الترخيص باستعمالها لأغراض طبية وصناعية، في ظل ما جاءت به الاتفاقية الوحيدة للمخدرات بصيغتها المعدلة ببروتوكول 1972، وتفعيلا للتوصيات الجديدة التي قدمتها منظمة الصحة العالمية بشأن إعادة تصنيف هذه النبتة، وذلك بالشكل الذي يتلاءم مع المستجدات العلمية التي أظهرت أنها تتوفر على مزايا طبية وعلاجية، علاوة على الاستعمالات المختلفة المرتبطة بميادين التجميل والصناعة والفلاحة.

وتأسيسا على ذلك، تضيف المذكرة لجأت العديد من الدول إلى تغيير مقاربتها بشأن نبتة القنب الهندي من خلال تبني قوانين تروم تقنين زراعتها وتحويلها وتصنيعها وتوزيعها واستيرادها وتصديرها، وتنظيم مجالات استعمالاتها المختلفة. وأشارت وزارة الداخلية في المذكرة إلى أنه على المستوى الوطني، كان المغرب سباقا إلى وضع إطار قانوني ينظم استعمال المخدرات لأغراض طبية من خلال الظهير الصادر في 2 دجنبر 1922 الموافق لـ12 ربيع الثاني 1341. غير أن ظهير 24 أبريل 1954 الموافق لـ20 شعبان 1373، وضع حدا لزراعة القنب الهندي في كافة الأنشطة المشروعة.

وانسجاما مع التوجه العالمي المذكور، فقد اعتمدت اللجنة الوطنية للمخدرات المنعقدة في 11 فبراير 2020، توصيات منظمة الصحة العالمية، سيما تلك المتعلقة بإزالة القنب الهندي من الجدول الرابع للمواد المخدرة ذات الخصائص شديدة الخطورة والتي ليست لها فائدة علاجية كبيرة. وسيرا على التوجه نفسه تم إنجاز دراسات حول جدوى تطوير القنب الهندي وطنيا لأغراض طبية وتجميلية وصناعية، خلصت إلى استنتاجات، منها أن السوق العالمية للقنب الطبي تعرف تطورا متزايدا، حيث بلغ متوسط توقعات النمو السنوي 30 في المائة على المستوى الدولي و60 في المائة على المستوى الأوروبي، مما حذا بالعديد من الدول بالإسراع بتقنين القنب الهندي، وذلك من أجل الاستحواذ على أكبر الحصص من السوق العالمية. وأكدت المذكرة أن المغرب يمكن له في هذا السياق، أن يستثمر هذه الفرص التي تتيحها السوق العالمية للقنب الهندي المشروع بالنظر إلى مؤهلاته البشرية والبيئية، علاوة على الإمكانيات اللوجيستيكية والموقع الاستراتيجي للمملكة القريب من أوروبا، التي تعد الأكثر إقبالا على منتوجات القنب الهندي.

حماية المزارعين من شبكات المخدرات
أبرزت مذكرة وزارة الداخلية أن تطوير الزراعات المشروعة للقنب الهندي، كفيل بتحسين دخل المزارعين وحمايتهم من شبكات التهريب الدولي للمخدرات، وسيحد لامحالة من الانعكاسات السلبية التي تفرزها انتشار الزراعات غير المشروعة على الصحة والبيئة، وأنه وحتى يتسنى للمغرب الإسراع بولوج السوق العالمية للقنب الهندي المشروع، فإنه يتحتم استقطاب الشركات العالمية الكبرى المتخصصة في هذا الميدان، وهو ما يستوجب العمل على تأهيل الترسانة الوطنية القانونية من أجل تطوير وعصرنة زراعة وتصنيع القنب الهندي وجلب الاستثمارات العالمية، بغية الاستفادة من مداخيل السوق الدولية لهذه النبتة، مع وجوب تشديد المراقبة للحيلولة دون تحويل مسار هذا المنتوج نحو الاستعمالات غير المشروعة، ومن أجل ذلك، فقد تمت بلورة مشروع قانون يتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي مطابق للالتزامات الدولية للمملكة، ويرتكز أساسا على إخضاع كافة الأنشطة المتعلقة بزراعة وإنتاج وتصنيع ونقل وتسويق وتصدير واستيراد القنب الهندي ومنتجاته لنظام الترخيص، وخلق وكالة وطنية يعهد إليها بالتنسيق بين كافة القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية والشركاء الوطنيين والدوليين، من أجل تنمية سلسلة فلاحية وصناعية تعنى بالقنب الهندي، مع الحرص على تقوية آليات المراقبة وفتح مجال للمزارعين للانخراط في التعاونيات الفلاحية، مع إجبارية استلام المحاصيل من طرف شركات التصنيع والتصدير، وسن عقوبات لردع المخالفين لمقتضيات هذا القانون.

وحسب مقتضيات مشروع القانون، لا يمكن ممارسة أحد الأنشطة المتعلقة بزراعة وإنتاج وتحويل وتصنيع وتسويق القنب الهندي، إلا بعد الحصول على رخصة تسلمها الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي المحدثة بموجب هذا القانون، ولا تمنح رخصة زراعة وإنتاج القنب الهندي إلا بالمجالات التابعة لنفوذ الأقاليم المحددة قائمتها بمرسوم، ولا تمنح رخصة زراعة وإنتاج القنب الهندي إلا في حدود الكميات الضرورية لتلبية حاجيات أنشطة إنتاج مواد لأغراض طبية وصيدلية وصناعية، ولا يمكن أن تمنح رخصة زراعة وإنتاج أصناف القنب الهندي التي تحتوي على نسبة من مادة «رباعي هيدروكانابينول» (THC) المخدرة تتجاوز النسبة المحددة بنص تنظيمي، إلا لفائدة أنشطة الصناعة الدوائية والصيدلية. ويشترط للحصول على رخصة من أجل زراعة وإنتاج القنب الهندي تقديم ملف يثبت استيفاء طالب الرخصة لعدة شروط، أبرزها التوفر على الجنسية المغربية، بلوغ سن الرشد القانوني، والسكن بأحد الدواوير المكونة لأحد الأقاليم المرخص لها، والانخراط في تعاونيات تنشأ خصيصا لهذا الغرض مؤسسة طبقا للقانون المتعلق بالتعاونيات، وأن يكون مالكا للقطعة الأرضية اللازمة لهذا الغرض أو حاصلا على إذن من المالك لزراعة القنب الهندي بالقطعة المذكورة، أو على شهادة مسلمة من لدن السلطة الإدارية المحلية تثبت استغلاله لهذه القطعة. وينص القانون على تسليم المحصول بأكمله إلى التعاونيات، ويجب على التعاونيات أن تبرم مع شركات تصنيع وتحويل القنب الهندي أو شركات التصدير المرخص لها، عقد بيع تلتزم بموجبه بتفويت المحصول المسلم إليها من قبل المزارعين والمنتجين إلى الشركات المذكورة، ويتم التسليم بحضور لجنة تتكون من ممثلي الوكالة والسلطات الإدارية المحلية والسلطات الأمنية المختصة، ويمكن للوكالة القيام بتسليم محاصيل القنب الهندي مباشرة إلى شركات التحويل والتصنيع وشركات التصدير.

الأغراض البديلة لنبتة «الكيف»
يلوح في الأفق القريب أن نبتة الكيف ستفك ارتباطها بمخدر «الحشيش»، اعتبارا للاستعمالات العديدة التي أثبتت التجارب قدرة القنب الهندي على العطاء فيها، وبحسب المهتمين فالعديد من القطاعات المهمة، باتت تجد في النبتة «الساحرة» ملاذا لها، تحولت معه الأخيرة إلى مادة تُدْرَس وتُحلل في كبار المختبرات العالمية، بل إن كثيرا من منتجاتها خرجت إلى الوجود في شكل ملابس متنوعة أحيانا، وأدوية عديدة المنافع في أحايين أخرى، وامتدت إلى قطاع العمران والغذاء وغيرهما من مناحي الحياة، ولم يعد من الغريب في بعض البلاد وجود مختلف أنواع الملابس المصنوعة من ألياف القنب الهندي، في مختلف متاجرها، ذلك أن الخبراء يؤكدون على العديد من الميزات الحسنة لهذا النوع من الأقمشة، اعتبارا لنعومتها وقوتها في الآن ذاته، فضلا عن صداقتها مع البيئة، ضدا على باقي أنواع القماش ذي المصدر النفطي، ناهيك عن استجابتها لمختلف المتطلبات.

إن زراعة القنب الهندي الموجه إلى الملابس تحتاج بعضا من التقنية الخاصة، ذلك أن قضيب القنب يتكون من اللب والألياف، وعليه تُزرع البذور بشكل متقارب بغية الحصول على نمو سريع للغاية جهة الارتفاع، الذي يبلغ وفق الدراسات المختصة حوالي 4 أمتار خلال 100 يوم، يُترك بعدها حتى تتساقط جميع أوراقه، وبعد عملية الحصاد يتم تركه في الحقل مدة معينة، مع تقليبه على كلتي الجهتين، وهي فترة كافية لعودة العديد من المعادن إلى باطن الأرض، يكون معها من السهل فصل اللب عن الألياف، التي بفصلها وترتيبها، تتوجه مباشرة إلى المصانع المختصة.

الدراسات نفسها ومعها التجربة تؤكد أن الملابس المصنوعة من القنب الهندي تشبه القطن في نعومته، وقد استخدمت قبل فترة في صناعة الملابس الداخلية على وجه الخصوص، فأثبتت مقاومتها واستمرارها لفترة أطول.

عندما كان «الكيف» يسمى «الدواء الشافي»
لم تخطئ أمهات الكتب المختصة في الطب الشعبي قديما، في إشارتها إلى المزايا الكثيرة لنبتة القنب الهندي، التي برهنت عليها أحدث المختبرات المختصة، والتي حددت قائمة بالأمراض التي يليق «الكيف» دواء لها، من قبيل التصلب المتعدد والاكتئاب والصرع والصداع النصفي والتوتر، ناهيك عن علاجات أخرى. وتقول الدراسات إن هناك أكثر من 60 مشتقا كيماويا معالجا من نبتة القنب الهندي، تتميز بالسهولة في استخلاصها وبالتكامل في تناولها مع الأطعمة والمشروبات، ولا أدل على ذلك من العديد من الأدوية ذات الفائدة في النوم والتقليل من الآلام، التي مصدرها نبتة الكيف.

إن الحديث عن العلاقة بين القنب الهندي والطب، يكاد يغطي على باقي الاستعمالات المهمة لهذه النبتة، ومرد ذلك حسب العارفين هو الأسبقية التي حققها الإنسان في استطبابه من هذه النبتة، وعليه يتساءل أكثر من مهتم عما يجبر المغرب على إقبار ما يوصف بـ«المنجم الذهبي» واستمراره في استيراد الأدوية وحتى صنعها وبيعها بأثمان غالية، سيما أن البلد يصنف في قائمة الدول التي تباع فيها الأدوية بثمن غال، وعليه فالمستقبل واعد في هذا المضمار إذا ما رُفع غطاء المنع عن هذا القطاع.

هكذا تحول مطلب تقنين «الكيف» إلى ورقة انتخابية في الاستحقاقات السابقة
مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية والجهوية والجماعية، تتحول عشبة «الكيف» إلى ورقة انتخابية تستعملها جميع الأحزاب السياسية لاستقطاب أصوات الناخبين بالأقاليم الشمالية بالخصوص، سواء من خلال تنظيم مهرجانات خطابية، أو من خلال تنظيم أيام دراسية تحت قبة البرلمان، فيما قدمت بعض الفرق البرلمانية مقترحات قوانين تتعلق بتقنين زراعة القنب الهندي والعفو الشامل عن مزارعي هذه النبتة المحظورة، وهي المقترحات التي رفضتها الحكومة السابقة والحالية.

وقبل الانتخابات الجماعية لسنة 2015 والتشريعية لسنة 2016، أصدرت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية بلاغا شديد اللهجة يحذر من الاستغلال الانتخابي لورقة «الكيف»، وحذرت من استعمال أموال المخدرات في الحملات الانتخابية. وعبرت الأمانة العامة للحزب الحاكم عن قلقها مما وصفته ببعض الخطابات الحزبية التي تتعارض مع مستلزمات التنافس السياسي الشريف الذي تتطلبه العملية الانتخابية، وحذرت من خطورة بعض الخطابات التي تسعى لإذكاء النزعة المناطقية والقبلية وتغذية الشعور السلبي بالتهميش لدى الساكنة، وخاصة في جهة طنجة تطوان الحسيمة، بشكل مغرض من أجل إذكاء شعور سلبي بالتهميش والحكرة عند ساكنة هذه المناطق تجاه الدولة ومؤسساتها المركزية في أفق تحقيق مكاسب سياسية وانتخابية زائلة.

واستنكرت أمانة «البيجيدي» استغلال بعض الأطراف السياسية لموضوع المخدرات وما يرتبط به من زراعة «الكيف» في التنافس الانتخابي، وعبرت عن رفضها تبخيس جهود الدولة بهذه المناطق، وحذرت في نفس الوقت من تسرب أموال تجارة المخدرات إلى عالم السياسة وتوظيف المال الحرام لشراء أصوات الناخبين، وهو ما يهدد نزاهة العملية الانتخابية وصدقيتها.

وجاء رد فعل حزب رئيس الحكومة بعد التجمعات التي عقدها حزب الأصالة والمعاصرة ببعض أقاليم الشمال، كما عقد حزب الاستقلال، بدوره، تجمعات خطابية طالب من خلالها الحكومة السابقة بالعمل على تقنين زراعة القنب الهندي «الكيف»، من أجل استعماله في أغراض طبية وصناعية، معلنا رفضه للمقاربة التي تقترحها الحكومة بتشجيع المزارعين بالمنطقة على زراعات بديلة، خاصة أن العديد من المناطق التابعة لإقليم تاونات أصبحت في السنوات الأخيرة تعتمد على زراعة «الكيف» بدلا عن المزروعات الفلاحية التي كانت تشكل مورد عيش ساكنة الإقليم.

كما تسبب اليوم الدراسي الذي نظمته فرق الأغلبية البرلمانية بمجلس النواب، خلال الولاية السابقة، حول موضوع «المناطق الجبلية بالمغرب: أية مقاربة تنموية»، في خلق شرخ بين مكونات التحالف الحكومي، بعدما تحول اللقاء إلى حملة انتخابية سابقة لأوانها، حيث قام فريق العدالة والتنمية بتجييش العشرات من الجمعيات المدنية لحضور الاجتماع الذي احتضنته إحدى قاعات البرلمان، وشن عبد الله بوانو، رئيس الفريق آنذاك، هجوما قويا على حزبي الاستقلال والأصالة والمعاصرة، موجها لهما اتهامات بجمع الأموال من بارونات المخدرات لتمويل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.

وأثار بوانو، خلال الاجتماع، موضوع دعوة حزبي الاستقلال والأصالة والمعاصرة لتقنين زراعة القنب الهندي بأقاليم الشمال، واتهم الحزبين باستغلال الموضوع من أجل استمالة أصوات الناخبين بهاته المناطق. وأكد بوانو أن القانون المغربي يمنع زراعة «الكيف» والاتجار في المخدرات، موضحا أن الحماية سمحت بهذه الزراعة عبر ظهير صادر سنة 1919، ثم ظهير 1934، كما أن الحماية لم تمنع الزراعة خلال سنة 1954، وفي سنة 1958 سمح محمد الخامس شفويا بزاعة القنب الهندي في ثلاث مناطق محددة، إلى أن جاء ظهير صادر سنة 1974، والذي تم بموجبه منع هذه الزراعة، وكذلك تجريم الاتجار في المخدرات. واتهم بوانو حزبي الاستقلال والأصالة والمعاصرة باستغلال موضوع زراعة «الكيف» مع اقتراب الحملة الانتخابية من أجل استمالة أصوات الناخبين بهذه المناطق.

وكشف بوانو أن مناطق الشمال و«كتامة» تعرف أعلى نسبة مشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، لذلك «هؤلاء يتحركون بهذه المناطق»، في إشارة إلى حزبي الاستقلال والأصالة والمعاصرة اللذين عقدا تجمعات خطابية مع المزارعين قبل أسابيع ببعض الأقاليم المعروفة بهذه الزراعة، قبل أن يتساءل «لماذا يتحرك هؤلاء، واش باغيين يجمعوا الفلوس للانتخابات». واعتبر بوانو أن موضوع تقنين زراعة الكيف يجب أن يبقى موضوعا للدولة وليس لحزب معين لكي يتخذ بشأنه القرار، مشيرا إلى أن «المزايدة في هذا الموضوع هي مزايدة انتخابية»، وعبر عن تخوفه من خروج السكان بمناطق أخرى من المغرب للمطالبة بإصدار قانون يسمح لهم بزراعة القنب الهندي.

الحكومة رفضت مقترح قانون لتقنين زراعة «الكيف»
قاطعت الحكومة السابقة والحالية عدة اجتماعات عقدتها لجنة القطاعات الإنتاجية بمجلس النواب، لتقديم مقترح قانون يتعلق بتقنين زراعة وتصنيع وتسويق عشبة القنب الهندي «الكيف»، الذي وضعه فريق حزب الاستقلال، ولم يحضر أي عضو من أعضاء الحكومة لجلسة تقديم هذا المقترح، ولازال هذا القانون معروضا على اللجنة دون الشروع في دراسته.

ويهدف مقترح القانون، إلى وضع إطار قانوني لسياسة الدولة في توجيه هذه العشبة لتكون في خدمة المجتمع اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، وتنظيم استعمالها في الأغراض العلاجية والطبية البشرية أو الحيوانية، وفي المواد الصيدلية والأبحاث العلمية، وكذلك في الأغراض الصناعية، مع وضع ضوابط تمنع من تحويلها إلى إنتاج وصناعة المخدرات الضارة، والحد من الاتجار غير المشروع، وضبط أنواع البذور التي تستعمل في زراعة «الكيف».

ويقترح الفريق الاستقلالي إحداث مؤسسة عمومية باسم «الوكالة الوطنية لإنتاج وتوزيع وتسويق عشبة الكيف»، تخضع لوصاية رئاسة الحكومة، ويسعى مقترح القانون إلى اتخاذ تدابير وقائية لسوء استعمال تلك النبتة من طرف المستهلكين، وإعادة تأهيل المدمنين وإدماجهم في الحياة الطبيعية للمجتمع، وتنظيم صناعة وتوزيع وبيع واستهلاك المنتجات من الكيف، ووضع معايير علمية محددة بدقة لتوزيع النبتة الخام أو المصنعة وتسويقها داخل وخارج البلاد، وشدد مقترح القانون على المنع الكلي لتحويل نبتة الكيف لمادة مخدرة أو ترويجها كذلك، كما حدد شروطا خاصة بالنسبة لمنتجي الكيف ومزارعيها والشركات ومقاولات المختبرات الطبية المصنعة، وكيفية حصولها على تراخيص وموجبات السحب، وعلى منع التوزيع والمتاجرة في المنتجات المصنعة من الكيف إلا للشركات والمقاولات التي يحددها نص تنظيمي.

ورغم مقاطعة الحكومة لمناقشة مقترح القانون، تقدم الفريق الاستقلالي بمقترح قانون آخر حول نفس الموضوع، ويتعلق بالعفو العام عن الأشخاص المحكوم عليهم والمتابعين في جرائم زراعة الكيف، يروم تعطيل أحكام قانون العقوبات بالنسبة لجريمة زراعة الكيف وإزالة جميع آثاره الجزائية، ويشمل هذا المقترح جميع الأشخاص الموجودين في حالة اعتقال أو سراح أو فرار المتابعين بإحدى هذه الجرائم في أي مرحلة من مراحل الدعوى الجنائية أو الصادر في حقهم حكم قضائي ابتدائي أو نهائي، مع إلغاء جميع التدابير الوقائية الشخصية. أما بالنسبة للتدابير الوقائية العينية فيحصرها في الممتلكات والأشياء التي لازالت في طور التنفيذ والغرامات والتعويضات التي لم يتم تحصيلها بعد من قبل الجهات المعنية ودون أن يترتب عن هذا العفو إضرار بحقوق الغير.

زراعة الكيف مقننة بظهير شريف يعود إلى سنة 1919
موضوع تقنين القنب الهندي «الكيف»، يعود إلى سنة 1919، حيث هناك ظهير شريف صدر بالجريدة الرسمية، مؤرخ في 5 نونبر سنة 1919، يضبط زراعة الكيف بالمغرب. والواضح من خلال هذا الظهير أن السلطة تسلم رخصة قانونية إدارية لطالبي زراعة الكيف، وتستخلص منهم ضرائب عن ذلك، وتحرك العقوبات الزجرية في حالة واحدة، وهي عدم إشهار رخصة الإدارة للأعوان المكلفين بالتفتيش والمراقبة، وقدرها 50 سنتيما أو فرنكا واحدا حتى ثلاثمئة فرنك.

وينص الظهير على أنه لا يمكن لأحد أن يباشر زراعة الكيف قبل حصوله على رخصة لذلك من إدارة التبغ، وتعين هذه الإدارة القطع التي تزرع في كل ناحية بالقنب الهندي، باعتبار احتياجها إليه وبمراعاة النتيجة المتحصلة من زرعه في السنين السابقة، ثم تعمل الإدارة على توزيع القطع على أصحاب رخص الزراعة، وتقوم الإدارة بتحصيل غلة الكيف من المزارعين الذين يسلمون محاصيلهم إلى مستودع إدارة التبغ. ويلزم الظهير المزارعين الحاصلين على رخصة الكيف بتمكين المراقبين وأعوان إدارة التبغ من الدخول إلى الحقول الزراعية ومحلات تجفيف الكيف والمخازن المودع فيها من أرادوا من طلوع الشمس إلى غروبها وذلك لإجراء التحقيق والإحصاء اللازم إجراؤه بشأن الكيف.

ويعتبر العديد من سكان المناطق الشمالية أن هذه الزراعة مقننة منذ 1919 وبالظهير الذي صدر في 5/11/1919 الذي يضبط زراعة الكيف والذي تم تعديله بظهير 2/3/1920 وكذا بالوثيقة الخليفية الصادرة عن السلطان بشمال المملكة مولاي الحسن 1934 التي تسمح بزارعة الكيف دون الحصول على تراخيص في مناطق محددة سلفا، كما أن قانون 21 ماي 1974 المتعلق بتجريم زراعة وترويج المخدرات لم ينسخ الظهير السابق، وبالتالي فإن الفلاح في هاته المناطق يعتبر أنه مرخص وأن المتابعات هي باطلة في أساسها وأن قانون 1974 يجرم الاتجار في المخدرات وليس زراعته.

ثلاثة أسئلة لمحمد زين الدين: «الأحزاب تتعامل بمنطق نفعي مع مشروع تقنين القنب الهندي» أستاذ القانون العام بكلية الحقوق المحمدية

كيف شكل تقنين القنب الهندي مطية للأحزاب للركوب عليه؟
تجب الإشارة إلى أن تعاطي الأحزاب مع ملف تقنين القنب الهندي كان بمنطق براغماتي نفعي، وبمنطق الربح والخسارة في هذا الموضوع بالتحديد، وهذا الأمر برز جليا مع حزب العدالة والتنمية الذي عبر على مستوى القيادات عن رفض هذا المشروع، لكن على مستوى الفعل يظهر أنه يوجد قبول به لاعتبارات متعددة منها ما هي خارجية وما هي داخلية. فالاعتبارات الخارجية ترتبط أساسا بعلاقة الحزب مع باقي المكونات السياسية الأخرى، وأيضا في علاقة الحزب مع باقي مكونات الدولة، أما الداخلية فهي ما تتعلق بالحزب وقيادييه، وهو الأمر الذي ظهر في قرار الأمين العام السابق عبد الإله بنكيران تجميد عضويته، وهي الخطوة التي تحمل بعدين أساسيين، أحدهما هو إرسال رسائل إلى قيادات الحزب، خصوصا الذين قاموا بـ«انقلاب أبيض» عليه، أو ما سمي تيار الاستوزار، ومن جهة أخرى تأليب القواعد الحزبية ضد هذا التيار، وهو الأمر الذي برز جليا في تحديده أسماء بعينها واستبعاده لأسماء أخرى لم يقرر مقاطعتها، وهو الأمر الذي يوضح أن البعد الداخلي في المصادقة على هذا القانون ونقاشه حاضر بقوة لدى «البيجيدي»، هذا بالإضافة إلى منطق الركوب على ما هو إيديولوجي، ومحاولة إرسال رسائل بأن الحزب يمارس نوعا من الطهرانية والمحافظة على المجتمع إلى غير ذلك، مع العلم أن مشروع القانون واضح، ويتضمن التشديد بالنسبة إلى العقوبات المتعلقة بالاستعمالات غير المشروعة لهذه النبتة.

في المقابل هناك أحزاب معينة تدافع عن هذا المشروع، وتحاول الركوب على الموضوع، وعلى الخصوص هنا حزب الأصالة والمعاصرة الذي دافع عنه من ذي قبل، ويعتبر أن المصادقة على هذا القانون هي انتصار له، وبالتالي سيجني منه أصواتا انتخابية في الاستحقاقات المقبلة، وهذا ما أعتبره مجانبا للصواب، فهذا القانون هو مشروع وطني، والدولة لما رأت أن هناك عددا من الأطراف الأخرى هي التي تستفيد من هذا الحقل، مقابل هيئة أخرى تزداد فقرا وتهميشا، في حين أنه ليس هنالك بدائل بالنسبة إلى الفلاحة في تلك المناطق، كما أن الدولة في الوقت نفسه لا تستفيد الشيء الكثير، لأن عائدات تلك الفلاحة يستحوذ عليها أباطرة المخدرات، كما أن المحصول من تلك المادة يهرب بطرق غير شرعية، والقانون الجديد قد جاء لتغيير هذا الوضع، حيث ستكون الدولة مستفيدة وكذلك الفلاحون البسطاء.

هل الركوب السياسي على ملف تقنين الكيف يتعزز لدى «البيجيدي» باستغلال الخطاب الديني؟

هناك محاولات للخلط بين المشروع وأهدافه، وبين الخطاب الديني والدعوي، خصوصا مع حزب العدالة والتنمية الذي يلعب دائما على هذا الوتر، وهو ما برز أيضا في رسالة الأمين العام السابق للحزب عبد الإله بنكيران، التي حاول فيها أيضا وضع الجناح الدعوي للحزب والمواطنين والرأي العام على السواء في خانة «أنتم مسؤولون»، والإحراج وتصفية الحسابات على قاعدة هذا الملف، لما يبدو أنها أزمة داخل الحزب طفت على السطح السياسي بشكل واضح، والركوب على الملف كما أشرت، كما هو الأمر في ملفات سابقة، أما الحديث عن رسائل إلى الدولة ومحاولة استغلال الملف مثلا لإظهار أن الحزب يقدم تضحيات، فهذا المنطق غير سليم، لأن الدولة تتعامل بمنطق المصلحة العليا، وهو الأمر الذي يتم استحضاره في مثل هذه المشاريع، والمصالح الاستراتيجية للدولة فيه، والاعتبارات التي دفعت الدولة إلى عرض تقنين القنب الهندي هي غياب البدائل لدى سكان تلك المناطق، وما ذكرته لك من منطق الربح غير المشروع لفئة من هذه الزراعة، وبالتالي فالأمر بتعلق باختبارات استراتيجية للدولة وليست للحكومة، و«البيجيدي» يدبر الشأن العام، وهذا الأمر يقتضي الخضوع للتوجهات الاستراتيجية للدولة.

هل التكتل الحزبي من أجل تمرير هذا القانون مع باقي القوانين الأخرى يمكن أن يشكل مستقبلا تحالفا حزبيا قويا؟

تجب أولا الإشارة إلى أن موقع الحزب الذي يرأس الحكومة قد بدا أمام هذا الملف وملف تعديل القوانين الانتخابية ضعيفا ومعزولا، وهذا الأمر يجعل باقي الأحزاب في تقارب أكثر، سيما إذا تحدثنا عن أحزاب المعارضة بالتحديد، الأصالة والمعاصرة والاستقلال والتقدم والاشتراكية، وما يظهر أنه ليس هنالك حديث بعد عن تحالف ولكن هنالك تنسيق، وهو الذي يمكن أن يضاف إليه حزبا التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الاشتراكي. وبالتالي يبقى حزب العدالة والتنمية معزولا في هذا الملف وملفات أخرى على مشارف المحطة الانتخابية، وإن كانت التحالفات الحزبية لا تبرم إلا بعد الانتخابات وليس قبلها، غير أن التقاطبات في بعض الملفات من بينها ملف تقنين القنب الهندي قد تمهد لتحالفات، وإن كانت لا ترقى إلى أن تكون حاليا تحالفات، لكن مستقبلا قد تصل إلى ذلك بعد نتائج الانتخابات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى