تقنين الأدسنس
يبحث البرلمان الفرنسي، خلال هذه الدورة، مشروع قانون لضبط عمل المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، وتنظيم بيئة التأثير التجاري على وسائل التواصل المختلفة، ويحدد بدقة الوضع الاعتباري والقانوني والضريبي للمؤثر لمنع استغلال المؤثرين للمستهلكين والمواطنين ولضمان دفع هؤلاء المؤثرين لضرائب عن نشاطهم التجاري والإشهاري.
واليوم المغرب في حاجة إلى التفكير في مثل هاته التشريعات المقارنة لتقنين نشاط هؤلاء الذين باتوا يشكلون تجارا ورجال أعمال على مواقع التواصل الاجتماعي، يحققون مداخيل خيالية دون وجود ضوابط قانونية في ما يتعلق بعملهم ودون قوانين تكبح التجاوزات التي لا يمكن التحكم فيها من دون وجود قوانين تنظم هذا النشاط. وما جعل المطالب ترتفع بقوة نحو التقنين هو تزايد عدد هؤلاء وتسللهم نحو عدة مجالات مثل الإعلام والصحافة والتمثيل والغناء والفن والدين والطب وغيرها من المهن المنظمة بقوانين.
والمصيبة أن “المؤثر” يربح من وراء انتحاله لعدد من الصفات أموال “الأدسنس”، فمجرد “ستوري”، لا تتجاوز مدته بضع دقائق، يمكنه تحقيق مكاسب مالية ضخمة لصاحبه “المؤثر” الذي يمتلك ملايين المعجبين، من دون حسيب ولا رقيب، ومن دون دفع ضرائب ولا جباية، بينما تقتطع الدولة من أجور عامل لا يتجاوز مدخوله 3000 درهم.
وإذا ابتعدنا قليلا عن ضرورة تقنين مداخيل المؤثرين، فإن كارثة أخرى أصبحت مقلقة ومصدر تهديد حقيقي للمؤسسات والتعايش الجماعي، وترتبط بشراسة الخطاب الاجتماعي والتواصلي لوقوعه في فخ الكراهية والتمييز العنصري، وترويج الأخبار الزائفة، خصوصاً وأن صاحب الخطاب يجلس وراء الشاشة ويتلذذ بشتى الأساليب التي تلفت الانتباه، والتي من شأنها تمزيق النسيج الاجتماعي وغرس أفكار العداء بين الأفراد وفوق ذلك يتكسب من ضربه لقيم ومقومات الدولة والمجتمع.
وإذا كان المبدأ يفرض احترام حرية نشاط المؤثرين واليوتوبرز وصناع المحتوى ما داموا لا يرتكبون أي جرائم، فإن التخوف يرجع إلى وجود عدد من الأشخاص “المجرمين” والمتاجرين في البشر بين هؤلاء النشطاء، ما يجعل محتوى ما يقدمونه على مواقع التواصل الاجتماعي يسيء للقانون ويمنع الدولة من مراقبة أموال المواطنين وفرض واجبات عليها.
لذلك نحتاج اليوم وضع قانون يرسم حدود الحقوق والواجبات بالنسبة للمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، وهنا تقع المسؤولية على الحكومة والبرلمان لوضع حد للفوضى التي باتت تطبع هذه المواقع قبل أن يفوت الأوان.