تقرير برلماني أسود
لا شك أن تقرير اللجنة البرلمانية الخاصة بأسعار الخضر، الذي يناقش هذه الأيام بمجلس النواب، وضع أصبعه على واحد من الجراح التي يعاني منها المواطن المغربي في معيشته اليومية. والأكيد أن ما توصلت له اللجنة البرلمانية من نقاط سوداء يفرض على السلطات العمومية المعنية أن تقوم بواجباتها على أكمل وجه في محاربة الطفيليات التي تقتات بشراهة بين الفلاح والمستهلك.
فقد توصلت خلاصات التقرير إلى أن الفلاح يبقى الحلقة الأضعف في سلسلة الإنتاج والتسويق، حيث يشتغل طيلة السنة لتحقيق ربح 10 سنتيمات في الكيلوغرام، بينما الوسيط يربح ما بين 3 و5 دراهم في الكيلوغرام، ما يدل على أن الفلاح لا يتحمل مسؤولية غلاء الأسعار. أكثر من ذلك اعترف التقرير البرلماني بغياب المراقبة والغموض في فرض ضرائب في محلها، والأدهى أن الوسطاء في القطاع الفلاحي غير معروفين وغير معلوم هل يدفعون الضرائب أم لا؟
ينبغي أن تقف الحكومة جيدا أمام أربع خلاصات وردت في مفاصيل التقرير لإيجاد حل جذري لها. أولا، أن هناك عددا متضخما من السماسرة والوسطاء يتحكمون في حلقات الإنتاج والتوزيع يضاعفون سعر المنتجات الفلاحية كيفما شاؤوا ومتى شاؤوا، مما يشجع على المضاربة وكثرة المتدخلين. ويشكل المضاربون حلقة حاسمة في سلسلة القيمة دون أن يؤدوا واجباتهم تجاه الدولة. ثانيا، غياب المعطيات الإلكترونية لسلسلة السماسرة والوسطاء بين المنتج والمستهلك، وهو ما يجعل معظم المضاربين مجهولي الهوية وخارجين عن السيطرة. ثالثا، تحمل الفلاح لارتفاع أسعار المواد الأساسية لفلاحته دون دعم عمومي وهو ما يرفع السعر من المصدر، ورابعا، كوارث أسواق الجملة التي تحولت إلى نقاط سوداء يعشش فيها، تحت أنظار السلطات، الوسطاء والمضاربون الذين أصبحوا المتحكمين فعلياً في السوق.
ما هو مطلوب اليوم من الحكومة هو الاتجاه نحو تقوية دعائم الفلاحة الاجتماعية التّضامنية، أي بيع المنتوج مباشرة من المنتج إلى المستهلك دون الوسائط، وهو حلّ من أهم الحلول التي يجب على السلطات العمومية أن تقوم بها، وهي توقيف سلسلة الوسطاء بين الفلاح والمستهلك وإعطاء الفلاح فرصة لتسويق منتوجه بيده إلى المستهلك من خلال فتح أسواق قرب خاصة بالفلاحين أين يسمح لهم بتسويق منتوجهم إلى المواطن مباشرة، وهذا ما سيسمح بانخفاض ملموس في أسعار الخضر والفواكه.
ويفترض هذا الاقتصاد الفلاحي الاجتماعي من الحكومة دعم الفلاح في مواجهة ارتفاع تكلفة الزراعة بحد ذاتها والأسمدة وأسعار الأدوية الفلاحية، حيث إن هذا الأمر ساهم في ارتفاع أسعار المنتوج الذي يخرج من ضيعات الفلاح. بالإضافة إلى قرارات تحفيزية للفلاحين الذين يخصصون فلاحتهم لتموين السوق الداخلية، فلا يعقل أن يتساوى الفلاح الذي همه تضخيم حساباته البنكية بالتصدير للخارج، والفلاح الذي يزرع أراضيه لكي يضمن الأمن الغذائي للمغاربة.
صحيح أن التقرير حمل عوامل خارجية مرتبطة بسلسلة الإنتاج النصيب الأكبر في ارتفاع أسعار المواد الغذائية، لكن هذا لا يسقط مسؤولية الحكومة في دعم بعض الخضر وقبل ذلك عدم ترك الفلاح تحت سطوة الوسطاء، خصوصا خلال فترات الطلب الكبير على المنتجات، كما هو الحال في شهر رمضان، مع العلم أن هذه الزيادات في الأسعار لا تعود بالنفع على المنتجين الأصليين بل على السماسرة.