شوف تشوف

الرأيالرئيسية

تقارير جنيف «الحارقة»

التقرير الصادر عن مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، هذه الأيام، يحمل بين سطوره إشارات خطيرة إلى ما تعيشه الأقليات المسلمة في منطقة «شين جيانغ» الصينية، وغيرها من الأقليات العرقية الأخرى.

مقالات ذات صلة

إذ يقول التقرير إن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ارتُكبت ضد الإيغور ومجتمعات أخرى متمتعة بالحكم الذاتي، وبها أغلبيات مسلمة، واعتبر التقارير والشهادات القادمة من هناك، على لسان الضحايا الناجين أو على لسان أعضاء اللجان الحقوقية الذين زاروا تلك المناطق، ذات مصداقية كبيرة.

هذه الشهادات تناولت تفاصيل عمليات التعذيب والاحتجاز القسري وسوء المعاملة، بالإضافة إلى ما أسمته ملابسات «العلاج الطبي القسري».

التقرير زكّى أيضا تفاصيل تتعلق بالحوادث الفردية للعنف الجنسي، والعنف القائم على النوع الاجتماعي.

وهذه التفاصيل مجتمعة جعلت مكتب الموظف السامي يخرج عن صمته ويدق ناقوس الخطر ويطالب الحكومة الصينية بالتدخل للتحقيق في هذه الوقائع.

المشكلة أن القوانين الداخلية للإقليم الذي تقع فيه هذه الممارسات الآن، تسهل على مرتكبي المخالفات احتجاز الضحايا قسرا، مستغلين تسهيلات سياسة المساعدات الصناعية الحكومية المقدمة للإقليم. بل إن مُستغلي هذا القانون يُجبرون العمال على العمل في مقاطعات وأقاليم أخرى، رغما عنهم، في إطار التسهيلات القانونية التي تمكنهم من نقل العمال.

الحكومة الصينية تعتبر إنشاء هذه القوانين سياسة متينة للتخفيف من حدة الفقر وتوفير الشغل في الميدان الصناعي، لكن بين ثناياها توجد ملامح عبودية جديدة في القرن الحادي والعشرين.

نشرت صحيفة The Geneva daily، المتخصصة في أخبار لجان حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، تقريرا مفصلا قالت فيه إن مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة والمعنية بحقوق الإنسان، والشركات متعددة الجنسيات، وغيرها من مؤسسات الأعمال المعروفة باسم مجموعة العمل المعنية بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان، كلها، مجتمعة، نقلت إلى الحكومة الصينية والشركات الصينية الخاصة، على حد سواء، مضمون التقارير التي تفيد بأنها قد تكون متورطة في الانتهاكات.

المتحدثة باسم المجموعة الدولية قالت، في تصريح لها، إن الشركات الصينية لا يجب أبدا أن تغض الطرف عن هذه الانتهاكات، و«يجب أن تبذل العناية الواجبة لحقوق الإنسان بما يتماشى مع المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة لتحديد ومنع وتخفيف ومساءلة المتسببين في انتهاكات حقوق الإنسان».

الآن، السؤال الذي يجب أن يطرح، هل هذه هي المرة الأولى التي تصل فيها تقارير من هذا النوع إلى الأمم المتحدة ويخرج مسؤولو أقسامها الكثيرة لكي ينددوا بما يقع للأقليات، خصوصا في المعامل الصينية التي تصدر إلى العالم كله ملايين الدولارات من السلع؟

بل إن هذه الأنشطة الاقتصادية التي تُزاول في المعامل الصينية تبقى هي الأخرى موضوع مساءلة. ألم يقم الاتحاد الأوروبي بفرض رقابة صارمة على المنتجات الصينية؟ ألم تقم الدول الأوروبية بفرض احترازات إضافية وشروط سلامة دقيقة على المنتجات الإلكترونية والاستهلاكية القادمة من الصين؟

لا زلنا في المغرب مثلا نعاني من الكوارث التي تتسبب فيها الأدوات الكهربائية الصينية، والتي لا تتوفر في أغلبها أي من معايير السلامة، ولا تزال منتشرة في الأسواق رغم تحذيرات جمعيات حماية المستهلك.

إذا كانت الأمم المتحدة، بمقراتها الشاهقة والشهيرة، في «نيويورك» و«جنيف» لم تستطع حتى الآن سوى إصدار التقارير التي تدعو الصين إلى مراقبة ما يقع في مناطقها الصناعية من تجاوزات، فكيف تستطيع جمعيات مغربية، بصلاحيات محدودة، أن تُسائل الشركات التجارية الصينية عن السلع التي تغرق بها أسواقنا المحلية؟

قد يكون الشاحن الكهربائي، الذي نستعمله لشحن الهواتف الذكية، صُنع في معمل مغلق يُحتجز داخله آلاف أفراد الأقليات المسلمين في ظروف لا إنسانية، ويُباع عندنا في الأسواق بعشرة دراهم لا غير، شاملة مصاريف الشحن من الصين إلى الدار البيضاء، وفي الأخير ينفجر الشاحن في قلب منزل أسرة من ذوي الدخل المحدود، مخلفا الرماد.

يونس جنوحي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى