شوف تشوف

الرئيسيةالملف السياسيسياسية

تقارير المجلس الأعلى للحسابات وربط المسؤولية بالمحاسبة

287 حكما تأديبيا و22 ملفا جنائيا أمام رئاسة النيابة العامة

رفعت زينب العدوي، رئيسة المجلس الأعلى للحسابات، التقرير السنوي للمجلس برسم سنتي 2019 و2020، إلى الملك محمد السادس، وعلى غرار التقارير السابقة الصادرة عن المجلس، يتضمن التقرير الأخير، عدة اختلالات وتلاعبات مرتبطة بتدبير المال العام، بعضها يكتسي طابعا جنائيا، حيث أحالت العدوي 22 ملفا على رئاسة النيابة العامة لاتخاذ المتعين بشأنها، كما أصدر المجلس 287 حكما بالتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، لكن إذا كانت هذه التقارير تدخل في إطار المساهمة في تخليق الحياة العامة ومحاربة كل أشكال الفساد وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، إلا أن واقع الحال يجعل هذا المسعى تواجهه العديد من الإكراهات والصعوبات، خاصة في ظل وجود مئات الملفات العالقة بأقسام جرائم الأموال بالمحاكم، ويبقى السؤال مطروحا حول مصير هذه التقارير بعد إحالتها على القضاء؟.
إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
المحاكم المالية أصدرت 287 حكما وقرارا في مادة التأديب المالي
نشر المجلس الأعلى للحسابات تقريره السنوي الذي يقدم بيانا عن جميع أنشطة المجلس والمجالس الجهوية، تضمن تسجيل العديد من الخروقات المالية والإدارية شابت تسيير مؤسسات وإدارات عمومية وكذلك الجماعات الترابية.
وفي هذا الإطار، وفي ما يتعلق بالتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، فإن هذا الاختصاص يجسد الوظيفة العقابية الأساسية للمحاكم المالية، إذ يتم بمقتضاه البت في مسؤولية الأشخاص المتابعين أمام هذه المحاكم من طرف النيابة العامة لديها، بواسطة قرارات وأحكام، إما بعدم المؤاخذة في حالة عدم ثبوت ارتكاب المتابع المعني لمخالفة مستوجبة للمسؤولية أو بالحكم عليه بالغرامة المناسبة، حسب ظروف وملابسات الفعل المرتكب، في إطار الحدين الأقصى والأدنى المنصوص عليهما في المادة 66 من مدونة المحاكم المالية. وبالإضافة إلى الغرامة، وفي حالة ما إذا ترتبت عن المخالفة المرتكبة خسارة للجهاز العام المعني، تحكم المحكمة المالية بإرجاع الأموال المطابقة من رأسمال
وفوائد.
ويمارس هذا الاختصاص وفق دعوى تقام أمام المحاكم المالية من طرف النيابة العامة لدى هذه المحاكم من أجل المطالبة بتوقيع الجزاء على الأشخاص المتابعين، الذين يرتكبون إحدى المخالفات المستوجبة للمسؤولية في هذا المجال. ويعكس الدور الرئيسي للنيابة العامة، كسلطة متابعة وملاءمة في إقامة الدعوى، الطابع الزجري لهذا الاختصاص، وهو ما يقتضي التمييز في إطار ممارسة هذه الدعوى بين مختلف السلطات المتدخلة في المسطرة القضائية، سواء في مرحلة المتابعة أو التحقيق أو البت في القضية، إذ يشكل هذا التمييز أحد شروط المحاكمة العادلة. كما تمنح المسطرة المتبعة في إطار ممارسة هذا الاختصاص ضمانات للمتابعين لتمكينهم من ممارسة حقوق الدفاع خلال جميع مراحل المسطرة، وتتشابه إلى حد بعيد مع الحقوق المكفولة للمتهمين في إطار المسطرة الجنائية.
في هذا الإطار، أصدرت المحاكم المالية، خلال سنتي 2019 و2020، ما مجموعه 287 حكما وقرارا في مادة التأديب المالي تم بمقتضاها الحكم على الأشخاص المتابعين، والذين ثبت ارتكابهم لمخالفات مستوجبة للمساءلة في هذا المجال، بغرامات بلغ مجموعها 5.228.700,00 درهم. كما تم الحكم في بعض الحالات، بإرجاع مبالغ الخسارة التي تسببت فيها بعض المخالفات للأجهزة المعنية بما مجموعه 1.338.237,05 درهم.
ومن خلال الإحصائيات المتعلقة بممارسة هذا الاختصاص، يلاحظ أن جميع طلبات رفع القضايا خلال سنتي 2019 و2020، كان مصدرها سلطات داخلية بالمحاكم المالية، والمتمثلة، بالنسبة للمجلس الأعلى للحسابات، في الرئيس الأول للمجلس، في إطار اختصاص البحث التمهيدي الموكول إليه، طبقا للمادة 12 من مدونة المحاكم المالية، بشأن تقارير المفتشيات التي يتوصل بها المجلس، وكذا هيئات الغرف على إثر تداولها في نتائج المراقبة القضائية في إطار التدقيق والبت في الحسابات، طبقا للمادة 37 من مدونة المحاكم المالية، وكذا في مشاريع التقارير الخاصة التي تسفر عنها مهمات مراقبة التسيير، وذلك استنادا إلى مقتضيات المادة 84 من مدونة المحاكم المالية. وتعكس هيمنة الطلبات الداخلية كمصدر رئيسي لإثارة الدعوى القضائية أمام المحاكم المالية أهمية إعمال منهجية المراقبة المندمجة في تحقيق التكامل بين مختلف الاختصاصات الموكولة إلى هذه المحاكم سواء القضائية منها أو غير القضائية.
أما مساهمة السلطات الخارجية عن المحاكم المالية في إثارة الدعوى القضائية أمام هذه المحاكم، فقد ظلت محدودة، إذ لم تتجاوز الطلبات الصادرة عن الوزراء نسبة 4% من مجموع الطلبات الواردة على النيابة العامة لدى المجلس الأعلى للحسابات، في حين لم يصدر عن السلطات الأخرى المؤهلة، والمحددة في المادة 57 من مدونة المحاكم المالية، أي طلب في هذا الشأن. وتسري هذه الملاحظة، كذلك، على القضايا الرائجة أمام المجالس الجهوية للحسابات، إذ توزعت طلبات رفع القضايا الموجهة إلى السادة وكلاء الملك لدى هذه المجالس بين تلك الصادرة عن رؤساء المجالس الجهوية للحسابات على إثر مداولات هيئات هذه المجالس سواء في إطار التدقيق والبت في الحسابات أو مراقبة التسيير بنسبة 68 % وتلك الصادرة عن وزير الداخلية استنادا إلى تقارير المفتشية العامة للإدارة الترابية بنسبة 32 %.
أما بشأن المخالفات المستوجبة للمسؤولية، فإن أغلب الأفعال والمؤاخذات موضوع القضايا الرائجة أو تلك التي بتت فيها المحاكم المالية، خلال سنتي 2019 و2020، تتعلق بحالات عدم التقيد بالنصوص القانونية المطبقة على تنفيذ عمليات الموارد والنفقات العمومية في مختلف مراحل تنفيذها، سواء في مجال المداخيل أو الصفقات العمومية، كما هو الشأن بالنسبة لفرض وتحصيل الرسوم الجماعية واللجوء إلى صفقات التسوية (استلام أشغال أو خدمات قبل التأشير على الصفقات) وعدم تطبيق غرامات التأخير وتغيير المواصفات التقنية أثناء التنفيذ دون المساطر القانونية والإشهاد غير الصحيح على استلام الأشغال أو المواد. كما يلاحظ تنامي المخالفات ذات الصلة بتدبير الممتلكات والحصول على امتيازات نقدية أو عينية غير مبررة، كانعكاس لتصاعد عدد القضايا الرائجة أمام المحاكم المالية والمتعلقة بالمؤسسات والمقاولات والشركات العمومية وكذا إبرام وتنفيذ عقود التدبير المفوض.
وأكد تقرير المجلس أن القرارات والأحكام الصادرة عن المحاكم المالية، في هذا المجال، كرست مجموعة من القواعد والمبادئ التي تروم توضيح المقتضيات السارية في مجال التدبير العمومي وإرساء وإشاعة قواعد حسن التدبير وإثارة الانتباه إلى الثغرات والاختلالات التي تشوب هذا التدبير بهدف العمل على تجاوزها في المستقبل. على هذا الصعيد، وفضلا عن تكريس الاتجاه نحو توسيع نطاق مبدأ شرعية المخالفة في مادة التأديب المتعلق بالميزانية، الذي يتجاوز مخالفة القواعد المنصوص عليها في القوانين والأنظمة ليمتد إلى الممارسات الجيدة في التدبير، همت القواعد المستنبطة من الأحكام والقرارات الصادرة مختلف مجالات التدبير المالي العمومي، لاسيما مخاطر اللجوء إلى سندات وصفقات التسوية والواجبات الوظيفية لصاحب المشروع في إطار تدبير الصفقات العمومية والشروط والواجبات التي تقتضيها مهمة الإشهاد على تسلم الخدمات والأعمال موضوع الصفقات العمومية، وكذا شروط وقواعد الإعلان عن التسلم المؤقت والنهائي كما هو الشأن بالنسبة لواجبات العضو في لجنة تسلم الأعمال موضوع صفقة عمومية مسؤولية الآمر بالصرف بصفته صاحب المشروع في مجال الإشهاد على العمل المنجز، وحول السلطة التقديرية لصاحب المشروع في إعمال الإجراءات القسرية من أجل حث صاحب الصفقة على تنفيذ التزاماته التعاقدية.
بيد أنه، وبالرغم من أهمية هذه القواعد والمبادئ، فقد خلص تقييم التجربة التي راكمتها المحاكم المالية في هذا المجال، إلى هيمنة المخالفات الشكلية (عدم احترام قواعد قانونية دون إحداث ضرر) على المنازعة القضائية أمام هذه المحاكم وضعف أثر العقوبات الصادرة عنها التي يحد من فعاليتها ضعف مبالغ الغرامات المحكوم بها ومحدودية حالات الحكم بإرجاع الأموال من أجل جبر الضرر الذي لحق جهازا عموميا نتيجة المخالفات المرتكبة، الأمر الذي يقتضي تعزيز الوظيفة العقابية للمحاكم المالية بشكل يتناسب مع الغاية من سن هذا الاختصاص والرهانات الجديدة للتدبير المالي العمومي في إطار الانتقال إلى التدبير المرتكز على النتائج بدل التدبير المبني على الوسائل، من خلال اعتماد سياسة عقابية فعالة وناجعة، تراعي التوازن في الممارسة القضائية بين مختلف المخالفات المستوجبة للمسؤولية، إذ يجب أن تنصب المساءلة أمام المحاكم المالية، فضلا عن مدى مخالفة القواعد القانونية، على الأسباب الهيكلية والتنظيمية التي ساهمت في ارتكاب المخالفات، والنتائج التي ترتبت عن الأفعال المرتكبة وحجم الخسارة التي أسفرت عنها، وذلك حتى يتسم العقاب في هذا الإطار بالشمولية والنجاعة والإنصاف، وذلك من خلال تركيز العقوبات على المخالفات التي تتسم بالخطورة من قبيل تلك التي تفضي إلى إلحاق خسارة أو إلى الحصول على منفعة غير مبررة أو إلى تسجيل حالات سوء تدبير الأموال والمشاريع العمومية أو تلك التي يترتب عنها أثر سلبي على المرتفقين والتجهيزات والاستثمارات العمومية.
الاختصاصات القضائية للمحاكم المالية
على غرار الأجهزة العليا للرقابة على المالية العامة في الدول التي تعتمد النموذج القضائي، أسند إلى المحاكم المالية، بموجب دستور المملكة، نوعان من الاختصاصات، ينظمها القانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية، وهي اختصاصات قضائية تتجلى في التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، والتدقيق والبت في حسابات الأجهزة العمومية المدلى بها من طرف المحاسبين العموميين أو المحاسبين بحكم الواقع، واختصاصات غير قضائية تتمثل في مراقبة تسيير مرافق الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات والأجهزة العمومية الأخرى لأجل تقديرها من حيث الكيف واقتراح الوسائل الكفيلة بتحسين طرقه والزيادة في فعاليته ومردوديته ومستوى أدائه، وكذا مراقبة استخدام الأموال العمومية التي تتلقاها المقاولات أو الجمعيات أو كل جهاز يستفيد من مساهمة عمومية.
ومن أجل تحقيق التكامل بين هذين النوعين من الاختصاصات، أرست مدونة المحاكم المالية منهجية المراقبة المندمجة قصد التوفيق بين طبيعة هذه المحاكم كمؤسسات قضائية تعاقب على المخالفات المالية التي يرتكبها المسؤولون في مجال تنفيذ ميزانية الأجهزة العمومية وتدبير ماليتها، ووظيفتها في مجال مراقبة التسيير التي تسعى إلى المساهمة، من خلال الملاحظات والتوصيات التي تسفر عنها المهمات الرقابية، إلى تحسين تدبير وأداء الأجهزة العمومية. وتنسجم هذه المقاربة مع الأهداف التي أحدثت من أجلها الأجهزة العليا للرقابة، والتي تنصب على «تسجيل الفوارق مقارنة بالقواعد والاختلالات والخروقات بالنظر إلى القوانين والأنظمة، وتقييم الفعالية والكفاءة والاقتصاد في التدبير المالي بشكل يمكن، بصدد كل حالة، من اتخاذ الإجراءات التصحيحية وتحديد المسؤوليات أو اتخاذ إجراءات لتفادي أو لجعل تكرار مثل هذه الممارسات غاية في الصعوبة».
وإذا كانت ثنائية الاختصاصات القضائية المنوطة بالمحاكم المالية تعكس أهمية مبدأ الفصل بين مهام الآمر بالصرف والمحاسب العمومي في التنظيم المالي والمحاسبي للأجهزة العمومية، فإن التحولات الراهنة التي يخضع لها نظام المالية العامة، والتي تتجه نحو تكامل وتداخل اختصاصات الآمرين بالصرف والمحاسبين العموميين، وكذا إرساء قواعد التدبير المرتكز على النتائج، تقتضي مراجعة الإطار القانوني لممارسة هذه الاختصاصات القضائية بما يضمن فعالية ممارستها ومواكبتها للرهانات الجديدة للتدبير العمومي بهدف حماية أمثل للقانون العام المالي ولمبادئ وقواعد التسيير الجيد في تدبير الشأن العام، وكذا لمصالح الأجهزة العمومية.
العدوي أحالت 22 ملفا على رئاسة النيابة العامة
كشف التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنتي 2019 و2020، الذي رفعته زينب العدوي، رئيسة المجلس، إلى الملك محمد السادس، عن إحالة 22 ملفا على الحسن الداكي، رئيس النيابة العامة، من أجل اتخاذ المتعين بشأنها، لكون الخروقات والاختلالات المسجلة تكتسي صبغة جنائية.
وأوضح التقرير أنه اعتبارا لكون بعض الأفعال التي تكون موضوع متابعات أمام المحاكم المالية، قد تندرج أيضا ضمن جرائم الاعتداء على المال العام، نصت المادة 111 من مدونة المحاكم المالية على أن المتابعات أمام المحاكم المالية لا تحول دون ممارسة الدعوى الجنائية، ويجد مبدأ قابلية تراكم العقوبات أساسه في كون عناصر المسؤولية في مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية تختلف عن تلك المتعلقة بالمسؤولية الجنائية، إذ تتجاوز هذه الأخيرة وظيفة تدبير المال العام، لكونها تهدف إلى معاقبة الإخلال بواجب الاستقامة وحفظ الأمانة، في حين تتسم المسؤولية في مادة التأديب المالي بطبيعة إدارية وعقابية، لا يشترط لقيامها توفر الركن المعنوي، وترتكز على وظيفة المسؤول المتابع ومدى قيامه بالمهام المنوطة به، طبقا للقوانين والأنظمة السارية على الجهاز العمومي الذي يتولى داخله مهام وظيفية، كما تهدف من خلال العقوبات المالية إلى حماية النظام العام المالي، الذي تحكمه قواعد قانونية خاصة.
وفي هذا الإطار، وخلال سنتي 2019 و2020، عرض المجلس الأعلى للحسابات على النيابة العامة لدى المجلس 28 ملفا تتضمن أفعالا قد تكتسي صبغة جنائية، من بينها 20 ملفا أحيل عليها من طرف وكلاء الملك لدى المجالس الجهوية للحسابات، وفقا لمقتضيات المادة 162 من مدونة المحاكم المالية.
وطبقا لمقتضيات المادة 111 من مدونة المحاكم المالية، أحالت النيابة العامة خلال سنتي 2019 و2020، 22 ملفا على الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض – رئيس النيابة العامة-، وذلك قصد اتخاذ المتعين بشأنها، فيما اتخذت مقررات بعدم إثارة الدعوى العمومية بخصوص ستة ملفات، لعدم كفاية القرائن والإثباتات اللازمة لإثارة هذه الدعوى.
وأشار التقرير ذاته إلى أنه وفي إطار تنزيل أحكام دستور المملكة، في الشق المتعلق ببذل المساعدة للهيئات القضائية، تم خلال شهر يونيو 2021، توقيع مذكرة تعاون بين الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، والرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، والوكيل العام للملك لدى المجلس.
وتهدف مذكرة التعاون إلى جانب تعزيز التعاون بين الأطراف الموقعة عليها، سيما في مجال التكوين ودعم قدرات قضاة المحاكم المالية وقضاة المحاكم الزجرية، إلى تكثيف التنسيق بين هذه الأطراف، بشأن معالجة الشكايات والوشايات والتقارير ذات الصلة بالجرائم المالية، وتبادل الوثائق المتعلقة بها والاجتهادات القضائية المتميزة، وذلك في أفق المساهمة في تخليق الحياة العامة ومحاربة كل أشكال الفساد، وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
أما بالنسبة إلى اختصاص التدقيق والبت في الحسابات، فيهدف إلى ضمان التقيد بمبدأ حصرية مهام المحاسب العمومي في مجال قبض الأموال العمومية، من خلال البت في المسؤولية المالية والشخصية للمحاسبين العموميين والمحاسبين بحكم الواقع، عند الاقتضاء، في إطار دعوى تلقائية تنعقد بحكم القانون، إذ تتولى المحاكم المالية في هذا الإطار، التدقيق والتحقيق والبت في حسابات الأجهزة العمومية التي يدلي بها المحاسبون العموميون عن عمليات المداخيل والنفقات، وكذا عمليات الصندوق المنجزة من طرفهم، وذلك بواسطة أحكام وقرارات نهائية، تثبت ما إذا كان المحاسب العمومي بريء الذمة، أو في حسابه عجز أو فائض.
وقد بلغ عدد الحسابات التي تم التدقيق والتحقيق فيها، خلال سنتي 2019 و2020، ما مجموعه 7.659 حسابا، أسفرت عن تسجيل 1.625 ملاحظة. كما أصدرت هذه المحاكم، خلال الفترة نفسها، 438 حكما وقرارا نهائيا صرحت بموجبها بعجز إجمالي قدره 7.049.254,91 درهما بالنسبة إلى الحسابات التي بت فيها المجلس الأعلى للحسابات، وبما قدره 22.480.240,76 درهما بالنسبة إلى الحسابات التي بتت فيها المجالس الجهوية للحسابات.
كما بينت الممارسة القضائية للمحاكم المالية أن المخالفات التي شكلت موضوع أحكام وقرارات بالعجز، خلال الفترة المعنية، تتعلق بحالات عدم اتخاذ المحاسبين العموميين للإجراءات الواجبة في مجال تحصيل المداخيل. أما في مجال أداء النفقات، فإن أغلب الحالات التي تم الحكم فيها بوجود عجز في حسابات المحاسبين العموميين، تتعلق بشكل أساسي بعدم مراقبة صحة حسابات تصفية النفقات العمومية. وقد أسفرت هذه الأحكام والقرارات كذلك عن بروز التوجه الذي أصبح مكرسا لدى هذه المحاكم، سواء على مستوى بعض المسائل المسطرية أو المبادئ والقواعد المكرسة في إثبات المخالفات وقواعد إسناد المسؤولية المالية والشخصية للمحاسبين العموميين، سيما الطابع الموضوعي للمسؤولية.
*رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام 
محمد الغلوسي (*):
«تقارير المجلس الأعلى للحسابات وثيقة مرجعية والمتابعات يجب أن تشمل جميع المسؤولين في جرائم الفساد المالي» 
قال محمد الغلوسي رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام إن تقرير المجلس الأعلى للحسابات بخصوص سنة 2019 و2020، والذي تضمن مخالفات رصدها المجلس بمناسبة افتحاصه لبعض المؤسسات والجماعات الترابية، قد أشار إلى «إحالة ملفات ذات صبغة جنائية على رئاسة النيابة العامة، كما أصدر أحكاما لها صلة بالتأديب والميزانية انطلاقا من اختصاصات المجلس القانونية والدستورية»، مبينا أن «الأحكام التي جاءت في التقرير، تضمنت غرامات في مواجهة المخالفين والحكم باسترجاع مبالغ مالية، حسب الغلوسي، الذي أوضح «أن حجم المخالفات المرصودة في تقرير المجلس يبقى محدودا وضعيفا بالنظر لحجم المخالفات والاختلالات الموجودة فعلا على أرض الواقع»، موضحا أن ذلك «يعود إلى أسباب متعددة منها تعدد صلاحيات المجلس وضعف موارده البشرية والمادية واللوجستية فضلا عن الحجم الهائل للمؤسسات والجماعات المعنية بالافتحاص، والمسح الرقابي»، معتبرا أن «هذا الأمر جعل إنجاز المجلس لمهامه المتعددة تبدو شبه مستحيلة، وتلك معركة كبرى تتعلق بتخليق الحياة العامة ومكافحة الفساد دون أسلحة للمواجهة».
وأوضح الغلوسي أن المجلس أحال «ملفات تكتسي صبغة جنائية على رئاسة النيابة العامة انطلاقا من المادة 111 من مدونة المحاكم المالية، وهي ملفات في الغالب تهم منتخبين وموظفين دون مسؤولين كبار»، معتبرا أن «هذا يجعل الأسئلة مشروعة حول مدى سيادة القانون على الجميع كما أن المجلس وانطلاقا من تقاريره السابقة لا يحيل كافة القضايا ذات الصبغة الجنائية على القضاء رغم صراحة المادة 111 المشار إليها»، مبرزا أن «القضايا الجنائية المحالة على رئاسة النيابة العامة انطلاقا من تقارير المجلس الأعلى للحسابات، غالبا ما تصدر بخصوصها أحكام ضعيفة لا ترقى إلى مستوى خطورة الجرائم، ناهيك عن كونها تستغرق زمنا طويلا أمام المحاكم المختصة، وغالبا ما تقتصر المتابعات والأحكام على موظفين صغار ومنتخبين دون المسؤولين الكبار، كما أنه لا توجد آلية لاسترجاع الأموال المنهوبة، فضلا عن كون المؤسسات المعنية بالتنصب كطرف مدني أمام القضاء تتلكأ عن القيام بدورها في حماية المال العام».
وبخصوص دور هذه التقارير في تعزيز مكافحة الفساد، أشار الغلوسي إلى أنه «كان بالإمكان أن تشكل تقارير مؤسسة دستورية كالمجلس الأعلى للحسابات آلية قانونية ومؤسساتية لمكافحة الفساد، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتخليق الحياة العامة وتعزيز حكم القانون، إلا أن هذه الأهداف لا تزال بعيدة المنال»، وهو ما أرجعه المتحدث إلى كون «صدور التقارير مجردة لحظة طقسية يتم الاحتفال بها كل مرة، ليبقى السؤال معلقا إلى حين، وماذا بعد صدور تقارير المجلس الأعلى للحسابات ؟»، مبينا أن هذه «التقارير تصدر وتنشر، وعلى صدر صفحاتها، وبالبنط العريض، اختلالات مالية وقانونية وتدبيرية جسيمة، فيما يظل مع ذلك المخالفون والمفسدون في منأى عن أية محاسبة»، معتبرا أن هذا الأمر يكرس «الإفلات من العقاب، واستمرار ناهبي المال العام في مراكمة الثروة بطرق غير مشروعة، وفي تقلد المسؤوليات العمومية من مواقع مختلفة».
وأوضح أن «تقرير المجلس الأعلى للحسابات يبقى وثيقة مرجعية، ومنتوج بذل فيه مجهود، وهو وثيقة تأطيرية وتوجيهية، للمرافق العمومية موضوع التقرير لكونه يتضمن العديد من التوصيات والملاحظات، من شأن الالتزام بها أن يرسخ الحكامة والشفافية في تلك المؤسسات المعنية»، مؤكدا على أن «الدور الرقابي للمجلس الأعلى للحسابات ومجالسه الجهوية، يستمده من النصوص القانونية والمؤطرة لاختصاصات المحاكم المالية، والمجلس الأعلى للحسابات يحمل طبيعة قضائية»، حسب الغلوسي، الذي أبرز أن «المجلس أصدر أحكاما تقتصر على تغريم المخالفين منهم آمرون بالصرف ومسؤولون، وهذه الأحكام تبقى نسبية ولا تعكس الاختلالات التي يعج بها التدبير العمومي»، وأن «المجلس سيجد صعوبة في استخلاص تلك الغرامات الصادرة في الأحكام ضد المخالفين، بسبب تعدد مهام المجلس وضعف موارده المالية والبشرية التي تبقى ضعيفة بالنظر إلى حجم المهام المنوطة به».
مئات الملفات عالقة بأقسام جرائم الأموال بالمحاكم 
كشف تقرير لرئاسة النيابة العامة، أن مجموع عدد القضايا الرائجة أمام أقسام الجرائم المالية بمختلف المحاكم يبلغ 700 قضية، بالإضافة إلى التقارير الصادرة عن المجلس الأعلى للحسابات، والتي أحالتها النيابة العامة على القضاء.
وأوضح التقرير أنه رغم النتائج المشجعة التي تم تحقيقها، منذ إحداث أقسام الجرائم المالية، إلا أنه لوحظ من خلال تتبع القضايا الرائجة أمام هذه الأقسام، أنه ما زالت هناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهد، من أجل تحقيق الغاية المرجوة من إحداث أقسام متخصصة في قضايا الجرائم المالية، إذ لوحظ أن عدد المخلف لا يزال كبيرا، كما أن بعض القضايا ما زالت لدى الشرطة القضائية، رغم مرور أمد طويل على فتح الأبحاث بشأنها.
ومن أجل تحقيق النجاعة القضائية، أصدر رئيس النيابة العامة دورية يحث من خلالها أعضاء النيابة العامة على بذل المزيد من الجهد، وإيلاء عناية خاصة لهذا النوع من القضايا. حيث تم تحديد مجموعة من التدابير التي تم تنفيذها خلال سنة 2019، وهي وضع مخطط للقضاء على المخلف من القضايا الرائجة في البحث، والعمل على إنهاء الأبحاث داخل آجال معقولة، وإيلاء عناية خاصة للقضايا التي عمرت طويلا خلال مرحلة البحث، من أجل معرفة الأسباب التي تحول دون إنهاء الأبحاث بشأنها، واتخاذ التدابير اللازمة لإنهائها، وتوزيع القضايا بشكل متوازن على الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء، والفرقة الوطنية للدرك الملكي، والفرق الجهوية للشرطة القضائية، وذلك تفاديا لمركزة القضايا لدى إحدى هذه الفرق، على نحو يثقل كاهلها ويحول دون إنهائها للأبحاث في آجال معقولة، والتنسيق مع الرؤساء الأولين من أجل تجهيز الملفات والقضاء على المشاكل المتعلقة بالتبليغ وتنفيذ الإجراءات القضائية المأمور بها من قبل قضاة التحقيق وقضاة الحكم. وأشار التقرير إلى أنه من نتائج هذه التدابير، وفي إطار مواكبة رئاسة النيابة العامة لعملية تصفية الأبحاث العالقة، تقليص عدد القضايا الرائجة خلال مرحلة البحث بشكل ملحوظ، سيما بالنسبة إلى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء ومحكمة الاستئناف بفاس.
وبخصوص التعاون الإيجابي مع تقارير المجلس الأعلى للحسابات، تطرق التقرير إلى اعتماد نظام الدعوى الموازية الذي يسمح بتحريك الدعوى الجنائية، بموازاة مع ممارسة دعوى التأديب المالي بالمحاكم المالية. وأوضح أنه إعمالا للمادتين 111 و162 من مدونة المحاكم المالية، فإنه كلما تبين من خلال تدقيق حسابات المؤسسات الخاضعة لرقابة المجلس الأعلى للحسابات، بأن هناك أفعالا تستوجب عقوبة جنائية، يرفع الوكيل العام للملك لدى المجلس المذكور الأمر من تلقاء نفسه، أو بإيعاز من الرئيس الأول إلى رئيس النيابة العامة، قصد اتخاذ ما يراه ملائما، ويشعر بذلك السلطة التي ينتمي إليها المعني بالأمر، كما يخبر رئيس النيابة العامة المجلس بالتدابير التي اتخذها.
وأبرز التقرير أن المحاكم المالية تعتبر من آليات المساءلة والرقابة المالية اللاحقة، المحدثة من أجل توطيد مبادئ الحكامة الجيدة في مجال التدبير العمومي، بالإضافة إلى إحالة كل ما يكشف عنه التدقيق من أفعال جُرْمية على النيابة العامة من أجل تحريك مسطرة المتابعات القضائية، وتعمل رئاسة النيابة العامة على إحالة تقارير المجلس الأعلى للحسابات وتقارير المجالس الجهوية للحسابات على النيابة العامة المختصة، بعد دراستها، في اليوم نفسه الذي تتوصل فيه بها، قصد إجراء الأبحاث اللازمة ومتابعة مرتكبي الأفعال الجرمية وإحالتهم على المحكمة، من أجل محاكمتهم طبقا للقانون.
ثلاثة أسئلة لمحمد زين الدين*:
«تحريك ملفات الفساد المالي تعبير عن رغبة مجلس الحسابات في إرساء النزاهة والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة»
ما قراءتكم للتقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات؟
قبل الجواب عن هذا الأمر، وجبت الإشارة إلى الظرفية الخاصة التي صدر فيها تقرير المجلس الأعلى للحسابات، حيث جاء في ظرفية خاصة فرضتها جائحة كورونا التي أثرت بشكل كبير على العديد من المجالات، حيث عرف الناتج الداخلي الإجمالي تراجعا سنة 2020، بنسبة 6,3 في المئة، بالإضافة إلى فقدان 430 ألف منصب شغل،  شملت قطاعات حساسة كالفلاحة والصناعة، وهو ما أدى إلى ارتفاع معدل البطالة من 9 إلى 12 في المئة، وهذا ما أدى إلى تأثير سلبي على المالية العمومية، وهو ما دفع الحكومة إلى تعديل قانون المالية لسنة 2020 لكي يتلاءم مع هذه الإكراهات.
كما أن تقرير المجلس الأعلى للحسابات يأتي في ظرفية مرتبطة أيضا بصدور تقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، وهو الذي سلط الأضواء على أعطاب التسيير العمومي في المغرب، خصوصا في شقه المالي، دون إغفال أن هذا القرير جاء، أيضا، بمقاربة جديدة للمجلس الأعلى للحسابات، الذي تقوده السيدة زينب  العدوي، بالتركيز على البعد الزجري في الاختلالات التي تم ارتكابها من قبل المشرفين على التدبير العمومي، خصوصا في الشق المالي. والمثير للانتباه في هذا التقرير أنه لا يكتفي فقط بالتركيز على البعد الزجري، بل يعطينا صياغات لمخرجات هذه الاختلالات التي يعاني منها التسيير العمومي، والذي يشمل ويصل البعد الجنائي، حيث إن التقرير جاء بحوالي 35 خلاصة أساسية لهذه الاختلالات.
والمثير أيضا، في هذا التقرير، أن مخرجات التسيير العمومي شملت مختلف القطاعات، منها الصحة والتعليم والشغل والرياضة. وبلغة الأرقام، فمن خلال عملها في إطار مراقبة التسيير واستخدام وتوظيف الأموال العمومية، قامت المحاكم المالية بإنجاز 647 إجراء، منها 89 إجراء تم من قبل المجلس الأعلى للسحابات، و558 إجراء تم إنجازها من قبل المجالس الجهوية للحسابات، علما أن هذه  العمليات شملت مختلف المجالات، من الإدارة مرورا بمجال  التربية والتكوين وأيضا الصحة، وصولا إلى الرياضة، ما يعني أن دائرة الفساد الإداري تفشت بشكل كبير.
وطبقا لمنطوق الفصل 148 من الدستور، يجعل منه قوة ردعية قوية جدا، وهذا ما جعل عمل المجلس يشهد تطورا كبيرا، حيث ارتفعت أرقام الملفات التي قدمت للنيابة العامة خلال السنتين الأخيرتين، ووصلت في سنة 2020 إلى 177 ملفا تم تقديمها من طرف المجالس الجهوية للحسابات إلى النيابة العامة، وهو ما يؤشر، أيضا، على أن المجالس الجهوية للحسابات، وعلى الرغم من الإكراهات التي تواجهها، تشتغل بديناميكية قوية جدا. كما تؤشر هذه الأرقام على أن المجلس الأعلى للحسابات، والمجالس الجهوية التابعة له، ليس غرفة للتسجيل، بل هو مؤسسة لحماية وتدبير التسيير العمومي في شقه المالي، بحيث إن القراءة المستفيضة لهذا التقرير، تبين أن 30 في المئة من المتابعين هم من  المديرين العامين، وهو ما يجسد إعمال مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، خصوصا أن نسبة المتابعين من مديري الأقسام تصل كذلك إلى 44 في المئة، فيما تبقى نسبة الموظفين والأعوان 23 في المئة، وهو ما يؤشر على أن مراقبة المجلس لتدبير الشأن المالي أصبحت تركز على المسؤولين الكبار.
هل تستوجب طبيعة الاختلالات التي رصدها التقرير الإحالة المباشرة على القضاء؟
إن المثير للانتباه في تقرير المجلس الأعلى للحسابات أنه لا يركز فقط على الاختلالات، بل، أيضا، حتى الأخطاء المتعلقة بالتسيير باتت محل متابعة من طرف المحاكم المالية، كإلحاق الخسائر والحصول على منافع غير مبررة، وهذا يؤشر على أن المجلس لديه إرادة قوية جدا من أجل التصدي لجميع أشكال الفساد وإعمال مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وهنا وجب التأكيد على ضرورة تقوية آلية الردع العام والفوري لدى المحاكم المالية، خصوصا في حماية المالية العمومية وإعمال ثقافة حسن التدبير، لأن عمل المحاكم المالية لن يكون له أثر على مستوى التدبير العمومي، إلا من خلال تقوية آليات الردع العام والتتبع الدقيق والشامل لكل الآليات الساعية لتنزيل مخرجات تقرير المجلس الأعلى للحسابات، وعمل المحاكم المالية لن يكون له الأثر الفعال في التدبير العمومي، ما لم يكن هناك تتبع شامل للتدبير العمومي، وهو الأمر الذي بدأنا نلاحظه من خلال توسع دائرة المتابعات، مختلف الفئات ومختلف المجالات، وهذا في حد ذاته أمر مهم، بالإضافة إلى ضرورة أخرى مرتبطة بتقوية آليات الزجر العام، في إطار عمل المحاكم المالية، وأيضا التركيز على إعمال ثقافة حسن التدبير. ورغم أن الجانب الزجري مهم جدا، ففي المقابل يبقى إعمال ثقافة حسن التدبير مسألة أساسية للغاية، كما تجب تقوية عمل المحاكم المالية من خلال التركيز على العنصر البشر، حيث إن المجالس الجهوية  للحسابات تواجه إنهاكا كبيرا، والمحاكم المالية، في تقديري، خطت خطوة مهمة جدا في آلية الردع العام.
هل المقاربة الردعية كفيلة بمعالجة ملفات الفساد المالي؟
إن المجلس الأعلى للحسابات ليس أريكة فارغة اليوم، بل مؤسسة تراقب تدبير الشأن العام، والمجلس لديه سلطة ردعية، وهذا أمر مهم، وإن كان لا بد من الإشارة إلى أن عددا من الملفات مرتبطة بالكفاءة والتكوين في مجال التسيير وتدبير الشأن العام، وهذا واضح أيضا من خلال طبيعة المتابعات التي تشمل جميع الفئات من المسؤولين، وهنا لا يجب الوقوف فقط عند كون هذه الاختلالات مرتبطة بنية مبيتة من أجل هدر المال العام، بل أيضا جانب ضعف الكفاءة، وهو ما يطرح مشكل سؤال القيادة داخل الإدارة العمومية، وهو الأمر الذي يطرح نفسه بشكل كبير، والمجلس وقف على عدة اختلالات مرتبطة بتعثر مشاريع راجع إلى غياب التكوين والفعالية والنجاعة لدى المسؤولين، وهو أيضا ما يمكن أن نفسر به نجاح بعض المشاريع العمومية في مناطق معينة وفشلها في أخرى، وهذا الأمر لا يمكن حله بمقاربة زجرية فقط، وهو الأمر الذي ركز عليه التقرير،  أيضا، من خلال توصياته التي تصب في مجال معالجة هذه الاختلالات، وقد تماشى هذا الأمر مع التقارير السابقة لمؤسسات حكامة وهيئات معينة، كشأن تقرير لجنة إعداد النموذج التنموي، وتقارير مؤسسة الوسيط، والتي أوصت كلها بضرورة العمل على إعداد جيل جديد من القادة الذين سيديرون الإدارة العمومية.
*أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بالمحمدية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى