شوف تشوف

الرأي

تفسخ النظام السوري (2/2)

في العودة إلى روبرت مالي (وهو، للإيضاح المفيد ربما، يشغل المناصب التالية: المساعد الخاص للرئيس في مجلس الأمن القومي، وأحد كبار مستشاريه في الحملة ضدّ «داعش»، ومنسّق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخليج العربي، فضلاً عن أنه مخضرم بدأ عمله في البيت الأبيض خلال رئاسة بيل كلنتون)؛ ما الذي يعنيه، حقاً، برغبة «الحفاظ على مؤسسات الدولة»؟ بل ما الذي تبقى منها، بالفعل، ويجيز له بالتالي الحديث عن تفادي سقوطها في الفوضى الشاملة؟ وبعد إقراره هكذا: «ليس في وسع أحد، ولست أنا بالتأكيد، أن يقول بأي مستوى من الثقة ما الذي يمكن، أو أمكن، القيام به لتفادي هذه المأساة» في سوريا؛ لماذا، إذن، يبدو مالي واثقاً من إمكان تحقيق تلك الرغبة («الحفاظ على مؤسسات الدولة»)؟ ولماذا كلّ هذا الحرص عليها، هو العليم بحال تفسخ النظام وتفككه إلى أطراف ميليشياتية وعصاباتية وطوائفية متشرذمة؟
ثمّ، ألا يبدو مالي وكأنه يناقض سيده، أوباما، حين يتحدث عن الخشية من وقوع «فراغ» في السلطة؟ ففي أواسط العام 2014 كان أوباما، خلال حوار شهير مع قناة سي بي إس، قد اعتبر أنّ «داعش» استغلت «حدوث فراغ في السلطة في سوريا، فبادرت إلى جمع الأسلحة والموارد وتوسيع سلطتها وقوتها على الأرض». الفراغ موجود، إذن، منذ سنتين على الأقلّ، باعتراف الرئيس نفسه؛ بل أكثر من هذا: «فكرة وجود قوّة سورية معتدلة جاهزة لهزيمة الأسد ليست صحيحة، والتالي فإنه بكل الأحوال الفراغ سيكون موجوداً»، تابع أوباما. وإذا كان قد تحسر، يومها، هكذا: «لقد قضينا الكثير من الوقت ونحن نعمل مع المعارضة المعتدلة في سوريا، لا يمكن لمزارعين وأطباء أسنان لم يسبق لهم أن حاربوا، أن يتغلبوا على نظام الأسد والمجموعات الجهادية»؛ فكيف سيعمل اليوم، وفق منطق مستشاره مالي، مع صقور محمد وأيمن جابر، أو نمور سهيل الحسن؟ وهل ملاعبة الطيور الجارحة والحيوانات اللاحمة أسهل، وأفضل وأجدى، من العمل مع مزارعي وأطباء أسنان المعارضة السورية؟
الأغلب أنّ مالي ـ بصرف النظر عن مقدار أمانته في تمثيل موقف أوباما إزاء هذه القضية ـ ينتمي إلى ذلك الفريق من مستشاري البيت الأبيض، من الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري على حدّ سواء، الذين طرحوا المعادلة التالية: إذا جاز القول إنّ النظام السوري لم يكن صديقاً لأمريكا، على غرار الصداقات الكويتية أو السعودية أو المصرية، فهل يجوز الاستطراد بأنه عدوّ لدود؟ والذين، تالياً، أجابوا هكذا: كلاّ، سيما طبائع الحاكم والحكم والاجتماع والعقيدة والاستبداد والفساد؛ واستطردوا: على العكس، هذا أحد أفضل الأنظمة التي شهدتها سوريا في خدمة المصالح العليا الأمريكية: منذ «اتفاقية سعسع»، 1974، التي أدخلت نظام فصل القوّات وجعلت الجولان منطقة هدوء قصوى للاحتلال الإسرائيلي، وأمان مطلق للمستوطنين؛ وصولاً إلى التعاون الأمني الوثيق بين الأجهزة السورية والأمريكية، في ما تسمّيه واشنطن «الحرب على الإرهاب»، والتي نقلها سيمور هيرش على لسان بشار الأسد، في «نيويوركر»، ذات يوم غير بعيد؛ دون نسيان الانخراط العسكري الرسمي في عداد الجيوش التي شكّلت تحالف «حفر الباطن»، والتمهيد لعمليات «درع الصحراء»، 1991.
ومنذ ربيع 2005، أي في ذروة ما كان يوصف بـ«الضغط» الأمريكي على النظام السوري»، أعلن آدم إيرلي، نائب الناطق الرسمي باسم الخارجية الأمريكية، أنّ واشنطن ليست معنية بتغيير النظام السوري؛ ونفى وجود «خطط بديلة عن نظام بشار الأسد»، وأكد على نحو بليغ واضح: «النقاش دار حول كيفية مساندة رغبة الشعب السوري في الإصلاح، وفي حرّيات أكبر، وفرصة أفضل… من داخل النظام القائم هناك حالياً». من داخله، إذن، أو عبر مؤسساته، تماماً كما يردد مالي اليوم؛ فالصقور أمتع، والنمور أبدع!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى