تفجيرات الكويت وتونس وليون لم تأت من كوكب آخر
مفاجآت «الدولة الاسلامية» الدموية تتواصل، فبعد استعادة «عين العرب ـ كوباني» الكردية، والتقدم في مدينة الحسكة، شمال سوريا، ها هي تضرب في قلب دولتين عربيتين (الكويت وتونس)، وثالثة أوروبية (فرنسا)، ويعلم الله وحده أين سيكون الهجوم الرابع، ولكنه قادم حتما، رغم رفع معظم الدول العربية وثلاث عواصم غربية (روما، مدريد، باريس) لحالة التأهب القصوى تحسبا لوقوعه، وفي محاولة لمنعه.
«بضاعتكم ردت عليكم»، ربما هذا هو العنوان الأبرز للهجمات الدموية الثلاث، فمن المفارقة أنها منفردة، أو مجتمعة، كانت إحدى الدول الأبرز في دعم المعارضة السورية المسلحة، وتعزيز صفوف الجماعات «الجهادية» ماليا وعسكريا وإعلاميا، فالكويت، بشقيها الشعبي والرسمي، كانت من الدول التي قدمت الكثير من الدعم للجماعات الاسلامية المتشددة التي تقاتل لإسقاط النظام في سورية، وجرى وضع سبعة من رجال أعمالها على قائمة الإرهاب، ووزير في الحكومة أيضا، أما الحكومة السابقة في تونس، فقد تواطأت مع تركيا ودول خليجية لتسهيل مرور أربعة آلاف شاب للعبور إلى سورية للقتال في صفوف جبهة «النصرة» و«الدولة الاسلامية»، واستضافت أول اجتماع لأصدقاء الشعب السوري، بطلب أحمد داوود أوغلو وزير الخارجية التركي في حينها، المهندس الرئيسي لهذه المنظومة.
ومن المفارقة أن الحكومتين البريطانية والفرنسية اللتين تعانيان من الإرهاب، وكان معظم ضحايا تفجير فنادق تونس من مواطني الأولى، كانت الأكثر دعما للمعارضة السورية المسلحة، وكان رئيسا وزرائهما الوحيدين من بين 18 دولة في الاتحاد الأوروبي اللذين طالبا برفع الحظر عن إرسال السلاح.
هل هذا يعني أن «السحر انقلب على الساحر»؟ الإجابة «نعم» كبيرة للأسف، فمن يلعب بالنار تحرق أصابعه، وها هي نيران التشدد الاسلامي الجهادي تصل إلى عمق الكويت والسعودية وفرنسا، ولا نستبعد وصولها قريبا جدا إلى البحرين والأردن، وحتى تركيا نفسها، فـ«الدولة الاسلامية» تملك مشروعا دمويا واضح المعالم، يستند إلى إيديولوجية تقوم على «التمدد» وإرهاب الخصوم ورفع راية «الخلافة»، والرد على هذه الايديولوجية بالسباب، والشتم، وتهم الإرهاب لا يغير، بل يعطي نتائج عكسية تماما تصب في خدمتها.
نستغرب حالة الدهشة التي تسود الأوساط الخليجية، الرسمية والشعبية، تجاه تفجير مسجد الإمام الصادق الشيعي في قلب الكويت، مثلما نستغرب في الوقت نفسه، حالة التعاطف المزورة والكاذبة تجاهه من قبل البعض، في الأوساط السنية خصوصا، فبالأمس كان الشيعة رافضة ومجوسا وصفويين، وأبناء المتعة، واليوم أصبحوا إخوة في الدين والعقيدة، وانبرى العديد من الشيوخ والدعاة لتكرار عبارات روابط الأخوة، والتضامن، والوحدة الوطنية حماية للكويت، وحرصا على أمنها واستقرارها، إنه النفاق في أبشع صوره وأشكاله.
طائرات «عاصفة الحزم» السعودية الخليجية تقتل من في اليمن، ألا تقتل الشيعة، والروافض، وعملاء إيران المجوس الكفرة، حسب أدبيات معظم وسائل الإعلام الخليجية التقليدية والالكترونية، أليست هذه هي التوجيهات التي تصدر للجيوش الالكترونية الخليجية الجرارة، والموظفة من قبل الحكومات، وترصد لها مليارات الدولارات لتشويه الآخر وشيطنته وتبرير قتله؟ فلماذا استغراب هذه الحكومات ومشايخها وفضائياتها والمتحدثين باسمها من جراء تفجيرات الكويت والقطيف والدمام، فماذا فعلت «الدولة الاسلامية» أكثر مما فعلته وتفعله طائرات «عاصف الحزم»، أو أعمال التحريض الاعلامي ليل نهار على الفضائيات الاسلامية، وغير الاسلامية ضد المذهب الآخر؟ «الدولة الاسلامية» هي نتاج النفاق الديني، وسياسات التهميش والاقصاء الطائفي التي بدأت باحتلال العراق، بموافقة الحكومات الخليجية ومباركتها وتعاونها، والآن يتباكى الكثيرون على هذه السياسات بعد أن راقبوا «التمدد» الإيراني في العراق وسورية واليمن، وباتوا يرصدون مئات المليارات لشراء الأسلحة لمواجهته. إنهم و«الدولة الاسلامية» يقفون في الخندق نفسه المواجه لايران، فلماذا «التكاذب» على النفس والآخرين؟
لا نضيف جديدا عندما نقول أن «الدولة الاسلامية» تشكل الخطر الأكبر على دول الخليج والمنطقة بأسرها، وربما ليس من قبيل الصدفة أن تعلن عن مرور الذكرى الأولى لإعلان خلافتها عبر منبر الجامع النوري الكبير في الموصل من خلال التفجيرات الدموية، واستعادة كوباني، والتقدم في الحسكة، هذه «دولة» الأمر الواقع، وتملك ما لا يملكه الآخرون، أي أيديولوجية متكاملة، وعقيدة قتالة جذابة لدى أتباعها.
أمريكا يمكن أن تدرب الجيوش العربية وتسلحها بأحدث الأسلحة، وعلى رأسها الجيش العراقي، ولكنها لا تستطيع أن تزرع فيها عقيدة قتالية مضادة لعقيدة «الدول الاسلامية» التي يؤمن بها أكثر من ألف من مقاتليها، نشرح أكثر ونقول، هل يستطيع ديفيد بترايوس رئيس هيأة أركان الجيوش الأمريكية ومستشاروه، المزينة أكتافهم بالنجوم والأوسمة، أن يقنعوا المقاتلين العراقيين بالإقدام على عمليات انتحارية، مثلما يفعل أنصار «الدولة الاسلامية» ومقاتليها؟ هل يمكن تأطيرهم أيديولوجيا، وعقائديا لقيادة شاحنة محملة بأطنان من المتفجرات وتفجيرها في أوساط خصومهم، مثلما حصل في الموصل، وكوباني، والحسكة، والرمادي، والقائمة تطول.
نعلم جيدا أن كلامنا هذا، ونتحدى أن تكون مفردة واحدة منه غير دقيقة، سيصدم الكثيرين الذين يدفنون رؤوسهم في الرمال، ويرفضون رؤية الحقيقة بأبعادها كاملة، ولكن إرهابهم الفكري لن يرهبنا، ويحيدنا عن قول ما يرفض الآخرون قوله.
أمريكا، ومعها الدول الغربية الأخرى، كلها أو معظمها، قد تفاجئ حلفاءها العرب في المستقبل المنظور ببلورة قناعة راسخة بأنها لا تستطيع هزيمة «الدولة اسلامية»، لأن الانتصار عليها شبه مستحيل، وحتى لو كان ممكنا فإنه سيكون باهظ التكاليف، وستنتقل إلى مرحلة احتوائها، والاعتراف بها، تماما مثلما تفعل حاليا مع حركة طالبان بعد 13 عاما من الحرب الفاشلة لإنهائها وإزالتها من الوجود، وهو الشعار نفسه الذي تطرحه حاليا لحشد الحلفاء ضد هذه «الدولة».
أن يكون الطرف الآخر طائفيا، مثلما يعتقد الكثيرون، فإن الرد عليه لا يكون بالفكر نفسه، لأن الطائفية تدمر بلداننا، وتمزق شعوبنا، وترابنا الوطني، بينما الطرف الآخر، وهو إيران، في هذه الحالة يزداد قوة وتماسكا، لا بد من خلق البديل الديمقراطي التسامحي القائم على العدالة الاجتماعة والحوار مع الآخر، والتعايش معه على أسس المساواة، وفي إطار سيادة القانون.
العراق وقف سدا منيعا في وجه تمدد النفوذ الايراني في الثمانينات، ولكن ليس من خلال الطائفية، وكان معظم جيشه الذي حارب إيران لثماني سنوات من العرب أبناء الطائفة الشيعية.
تفجيرات الكويت وتونس وليون مدانة، ولكن من هو مدان أيضا، وبعبارات أقوى، هو من وفر الحاضنة السياسية والاعلامية والمالية والعسكرية لأصحابها، سواء بحسن نية أو سوئها، سواء بالتحريض الطائفي، أو بتخريب دول مستقلة، أو بالتدخل العسكري، والغزو، والاحتلال، كلهم مسؤولون.
وبانتظار التفجير القادم، ودموع التماسيح التي ستسكب حزنا على ضحاياه، نتمنى لكم إفطارا شهيا.