تفاصيل وصفة إصلاح أنظمة التقاعد المهددة بالإفلاس
الصندوق المغربي للتقاعد سيستنفد احتياطاته في 2027 وCNSS في 2038
أصبح الإصلاح الاستعجالي لأنظمة التقاعد يفرض نفسه على الحكومة، بعدما فشلت الإصلاحات التي أطلقتها الحكومات السابقة في الحفاظ على التوازنات المالية لصناديق التقاعد، التي أصبحت مهددة بالإفلاس مع حلول سنة 2028. وفي هذا الصدد، تعهد رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، خلال الأسبوع الماضي، أمام البرلمان، بالشروع في تنزيل إصلاح منظومة التقاعد ابتداء من سنة 2023،
حيث شرعت لجنة إصلاح أنظمة التقاعد في عقد اجتماعات من أجل التوصل إلى السيناريوهات المقترحة لتجاوز أزمة صناديق التقاعد، إذ ستكون وصفة الإصلاح جاهزة في شهر ماي المقبل لبلورة مشروع قانون سيحال على المؤسسة البرلمانية للمصادقة عليه.
إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
تعهد رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، خلال الأسبوع الماضي، أمام البرلمان، بالشروع في تنزيل إصلاح منظومة التقاعد ابتداء من سنة 2023، وذلك لمواجهة أزمة صناديق التقاعد التي تواجه عجزا كبيرا وأصبحت مهددة بالإفلاس. وأكد أخنوش، في معرض رده على سؤال محوري بمجلس المستشارين، في إطار الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة حول موضوع «الحوار الاجتماعي، تكريس لمفهوم العدالة الاجتماعية وآلية لتحقيق التنمية الاقتصادية»، أنه، في إطار التنسيق والتشاور المستمر مع الشركاء الاجتماعيين، تعهدت الحكومة، بكل مسؤولية، بالشروع في تنزيل إصلاح منظومة التقاعد ابتداء من سنة 2023.
وأوضح أخنوش أنه بادر إلى عقد اجتماع أول مع النقابات والاتحاد العام لمقاولات المغرب، في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر الماضي، وذلك في إطار تنفيذ مخرجات الاتفاق الاجتماعي والميثاق الوطني للحوار الاجتماعي، الموقعين في 30 أبريل الماضي، ما بين الحكومة والمركزيات النقابية والمنظمات والجمعيات المهنية للمشغلين. وانتهى هذا الاجتماع بالمصادقة على منهجية العمل، والبرمجة الزمنية لأشغال لجنة إصلاح أنظمة التقاعد، مشيرا إلى أن هذه الاجتماعات ستستمر في إطار اللجان للوصول إلى حلول متوافق عليها، في غضون الستة أشهر المقبلة، لمواجهة أزمة صناديق التقاعد التي تعاني من عجز كبير بشكل أصبح يهدد معاشات المتقاعدين الحاليين والمستقبليين.
خطة الإصلاح
ترأست نادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية، في بداية شهر أكتوبر الماضي، بمقر وزارة الاقتصاد والمالية، الاجتماع الأول للجنة إصلاح أنظمة التقاعد التي تندرج في إطار تنفيذ مخرجات الاتفاق الاجتماعي والميثاق الوطني للحوار الاجتماعي الموقعين في 30 أبريل الماضي ما بين الحكومة والمركزيات النقابية والمنظمات والجمعيات المهنية للمشغلين.
وخلال هذا الاجتماع، قدمت الوزيرة وصفة الحكومة لإصلاح أنظمة التقاعد، بناء على الدراسة المنجزة من طرف أحد مكاتب الدراسات، خلصت إلى ضرورة ضمان ديمومة المنظومة على المدى الطويل، والحد من تأثير الإصلاح على ميزانية الدولة، وتعبيد الطريق للمرور نحو نظام أساسي موحد. ومن أجل التوفيق بين كل هذه الأهداف، المتناقضة أحيانا، تقترح الحكومة اعتماد سقف موحد للنظام الأساسي يساوي مرتين الحد الأدنى للأجور بكل من القطب العمومي والقطب الخاص وذلك لتسهيل المرور مستقبلا نحو نظام أساسي موحد، كما تقترح تقليص نسب الاستبدال لأصحاب الأجور المرتفعة في القطاع العمومي، وتجميد الحقوق المكتسبة في الأنظمة الحالية وعدم إعادة تقييم المعاشات على مدى العشر سنوات القادمة، مع رفع سن التقاعد إلى 65 سنة بما في ذلك القطاع الخاص، ورفع نسب الاشتراكات بما في ذلك القطاع الخاص.
واتفقت الحكومة والنقابات على وضع جدولة زمنية لإخراج وصفة إصلاح التقاعد، حيث سيتم، خلال شهر أكتوبر، تحيين التشخيص والوضعية الحالية لأنظمة التقاعد، وخلال شهري نونبر ودجنبر سيتم عرض ومناقشة مخرجات الدراسة، وخلال الفترة ما بين شهري يناير ومارس المقبلين، سيتم عرض التوجهات الاستراتيجية، ووضع تصور للإصلاح، والاتفاق على خارطة الطريق، وخلال شهر أبريل 2023، سيتم اعتماد سيناريوهات الإصلاح والمصادقة على خارطة الطريق لتنزيلها، وابتداء من شهر ماي 2023، سيتم الشروع في تنفيذ خارطة الطريق.
وقدمت الوزيرة، أمام أعضاء اللجنة، تشخيصا وتحليلا للوضعية الراهنة، وذلك بعد تنزيل الإصلاح المقياسي لسنة 2016، حيث سيستنفد نظام المعاشات المدنية احتياطاته (68 مليار درهم) بحلول سنة 2028. وللوفاء بالتزاماته بعد ذلك، سيحتاج الصندوق المغربي للتقاعد ما يناهز 14 مليار درهم سنويا لتمويل عجز النظام. وأكدت الوزيرة أن هذا النظام يعد حاليا متوازنا بالنسبة للحقوق المكتسبة بعد إصلاح 2016، بحيث إن الدين الضمني الحالي يهم بالخصوص الحقوق المكتسبة في الماضي، ويعرف النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد عجزا تقنيا مهما بلغ 3,3 مليار درهم سنة 2021، وبفضل المستوى المهم لاحتياطاته (135 مليار درهم)، تمكن العوائد المالية للنظام من تغطية هذا العجز التقني.
أما بالنسبة للقطب الخاص، يتوفر نظام تقاعد أجراء القطاع الخاص على هوامش لإدراج إصلاحات مقياسية بالنظر إلى نسبة المساهمة بالنظام 11,89%، وسن الإحالة على التقاعد 60 سنة، وينتظر أن يستعمل النظام احتياطاته قريبا، غير أن أفق استدامته يظل بعيدا نسبيا (2038)، نظرا لعدة عوامل، بينها أن النظام غير منصف، حيث يشترط على المؤمن له أن يتوفر، للاستفادة من معاش التقاعد، على حد أدنى من التصريح، أي ما يعادل في المتوسط 15 عاما من العمل، كما أن المحرك الديموغرافي الإيجابي يجلب السيولة للنظام حاليا ولكنه، بالمقابل، يثقل دينه الضمني.
وأكدت الوزيرة أن التوازنات المالية لأنظمة التقاعد أصبحت مهددة، حيث يواجه الصندوق المغربي للتقاعد مشكلة سيولة ناتجة عن الالتزامات السابقة لنظام المعاشات المدنية، حيث لا تولد الحقوق المكتسبة بعد إصلاح 2016 أي عجز إضافي. وبالنسبة للصندوق الجماعي لمنح رواتب التقاعد، يخفي المستوى المهم لاحتياطات النظام مشاكله المرتبطة بعدم توازنه البنيوي. وخلصت الوزيرة إلى أن تنزيل القطب العمومي يظل الخيار الأمثل لمعالجة إشكالية سيولة نظام المعاشات المدنية، وكذا مشكلة عدم التوازن البنيوي الذي يعرفه النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد .
وبالنسبة للقطب الخاص، تخفف الدينامية الإيجابية لمحركه الديموغرافي من مشكل عدم توازن نظام تقاعد أجراء القطاع الخاص. غير أنه، وبمجرد تراجع هذا المؤشر الديموغرافي، ستتدهور الوضعية المالية للنظام، ما يستوجب إصلاحا مقياسيا مستعجلا لجعله أكثر إنصافا والحد من اختلالاته المالية.
وعلى مستوى الأداء الاجتماعي، سجلت الوزيرة وجود ضعف في تغطية الأنظمة الذي يحول دون حصول أكثر من نصف النشيطين (حوالي 54%) على حماية ضد أخطار الشيخوخة، وتجانس على مستوى متوسط المعاشات الممنوحة: 2022 درهما بالنسبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، و5678 درهما للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد و7873 درهما بالنسبة لنظام المعاشات المدنية، وعدم تجانس قواعد إعادة تقييم المعاشات، بالنسبة لنظام المعاشات المدنية، إعادة التقييم ليست تلقائية وتعود آخر إعادة تقييم إلى سنة 1997، في حين تتطلب إعادة التقييم إصدار مرسوم بالنسبة لأجراء القطاع الخاص (تعود آخر عملية لإعادة التقييم إلى 2006 إن استثنينا الزيادة التي تم إقرارها شهر شتنبر 2022)، وإعادة تقييم سنوية بالنسبة للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، كما أن شريحة كبيرة من أجراء القطاع الخاص، التي لا تستوفي شرط 3240 يوما للمطالبة بمعاش تكتفي بالحصول على اشتراكاتها الأجرية، حيث تم الاتفاق أخيرا، في إطار الحوار الاجتماعي، على تخفيض هذا الشرط إلى 1320 يوما مع الحق، أيضا، في استرداد اشتراكات المشغل بالنسبة للأشخاص الذين لم يستوفوا هذا الشرط.
ناقوس الخطر
دق المجلس الأعلى للحسابات ناقوس الخطر، محذرا من إفلاس صناديق التقاعد بالمغرب، وأوصى المجلس بالشروع، في أقرب الآجال، في عملية الإصلاح البنيوي عن طريق تسريع وتيرة الإصلاحات المعيارية، وإجراء دراسة مستعجلة للإشكالية المتعلقة بخطر السيولة التي سيواجهها نظام المعاشات المدنية على المدى القصير، من خلال استهداف آلية تمويل مبتكرة تحد من التأثير المرتقب على ميزانية الدولة.
وفي سنة 2020، أنجز المجلس مهمة رقابية بشأن أنظمة التقاعد، ارتكزت على تقييم تطور أعمال الإصلاح الهيكلي، ووضعية أنظمة التقاعد بالقطاع العام، وكذلك على تغطية المعاشات الأساسية، وقد كان الهدف من هذه المهمة التي همت الفترة الممتدة من 2012 إلى 2020، تقييم الوضع الحالي للأنظمة الرئيسية منها، وهو نظام المعاشات المدنية للصندوق الوطني للتقاعد، والنظام العام للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد والنظام العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وما تم إحرازه من تقدم في أعمال الإصلاح وكذلك سبر سبل الانتقال التدريجي إلى نظام تقاعد مستدام، يتم تعميمه على جميع الفئات النشطة. كما شملت نظام التقاعد الخاص بالعاملين غير الأجراء.
وأكد المجلس على توصيته الرئيسية، والتي اعتمدها في إطار العملية الرقابية لسنة 2013، والمتعلقة بضرورة وضع خارطة طريق تحدد بنية النظام المستهدف والإطار المؤسساتي والحكاماتي، والتدابير التي يتعين اعتمادها، والجدول الزمني لتفعيل وتنفيذ ذلك.
وسجل التقرير أن نظام المعاشات المدنية للصندوق المغربي للتقاعد يعاني من اختلالات عميقة تهم توازنه المالي وديمومته، مشيرا إلى أنه على الرغم من الإصلاح المعياري لسنة 2016، وسلسلة الإجراءات المتخذة، فإنه يترقب تصحيح مختلف مؤشرات النظام على المدى الطويل، فوفقا للتوقعات الإكتوارية، سيواجه النظام مخاطر السيولة اعتبارا من سنة 2023 وستستهلك احتياطاته المالية بحلول سنة 2027، ومع ذلك، كانت لحزمة الإصلاحات المتخذة الفضل في تمديد أفق ديمومته من سنة 2021 إلى سنة 2027، وتقليص العجز التراكمي إلى سنة 2065 بنسبة 57 في المائة تقريبا، مع إمكانية رجوعه إلى التوازن بحلول سنة 2078.
وأكد التقرير أن النظام العام للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، يعرف وضعية مالية مريحة ناتجة عن الاحتياطات المالية، وأوضح أن صندوق الإيداع والتدبير يسهر على تدبير النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، وبحسب الحصيلة الإكتوارية لسنة 2020، فإن أفق ديمومة هذا الأخير متوقعة لسنة 2051. في حين سجلت السنة نفسها نسبة تغطية الموارد للالتزامات في حدود 46 في المائة.
ويعرف النظام وبشكل منتظم عجزا تقنيا منذ 2004، حيث سجل متوسطا سنويا بمبلغ 2,2 مليار درهم خلال الفترة 2011- 2020. وسيتفاقم هذا العجز ليصل إلى 53,6 مليار درهم في أفق الستين سنة القادمة. وابتداء من سنة 2028 سيعرف النظام أول عجز مالي، ستبدأ معه الاحتياطات في الانخفاض لأجل تمويل التزاماته.
ومن جهة أخرى، يتميز النظام بتطبيق مبدأ إعادة تقييم المعاشات وذلك منذ إحداثه، بنسبة متوسطة قدرها 3 في المائة. وقد ارتفع حجم مبالغ إعادة التقييم من 94,7 مليار درهم سنة 2011 إلى 172 مليار درهم سنة 2020. وهي بذلك تمثل نسبة متوسطة قدرها 6 في المائة من مبلغ العجز التقني عن الفترة بين 2011 و2020. بالإضافة إلى ذلك، تقدر الديون الضمنية للنظام بـ184 مليار درهم سنة 2019، مع عدم أخذ التزامات ما بعد أفق 60 سنة بعين الاعتبار.
كما أنه وبعد الإصلاح الذي عرفه النظام سنة 2021، فإن هذه الديون انخفضت إلى 116 مليار درهم، وتعكس المؤشرات الخاصة بالنظام، حسب التقرير، نوعا من سخائه، بالنظر إلى أهمية معدل التعويض الذي يمنحه، حيث إن المعاش يقارب في المتوسط ثلاثة أرباع آخر راتب. فضلا عن ذلك، يسترد المنخرطون مساهماتهم المقتطعة من الأجور بعد أربع سنوات، في حين تصل هذه المدة إلى 11 سنة، إذا ما تم احتساب مساهمات المشغل.
وعلى الرغم من أن النظام العام للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد لا يعرف مشاكل متعلقة بديمومته على المدى القصير، إلا أنه يسجل عجزا تقنيا منذ 2004. وساهمت بشكل كبير الأموال المحصل عليها من خلال عمليات دمج الصناديق الداخلية للتقاعد لبعض المؤسسات والشركات العمومية، في إنشاء احتياطات مهمة يتوقع نفادها بحلول سنة 2051.
أما نظام الضمان الاجتماعي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، يعرف فائضا سنويا بين الاشتراكات والخدمات المقدمة، وذلك على الخصوص بسبب توفره على عامل ديموغرافي إيجابي. وبالتالي، فقد عرف عدد الأجراء الذين تمت تغطيتهم نموا ملحوظا، حيث انتقل عددهم من 2,7 مليون سنة 2012 إلى 3,5 ملايين سنة 2019. ومع ذلك، فان الفارق بين المساهمات والخدمات يميل إلى التقلص في السنوات الأخيرة.
ويسجل نظام التقاعد نسبة عالية من المؤمنين الذين لم يتمكنوا من إكمال الفترة اللازمة، أي 3.240 يوما من الاشتراكات، حتى يتمكنوا من الاستفادة من معاش التقاعد. وفي الوقت الحالي، لا يتمكن سوى 30 في المائة فقط من المؤمنين من إكمال فترة الاشتراكات اللازمة، للحصول على حقوق التقاعد في سن الستين. وتجدر الإشارة إلى أن نسبة كبيرة من العاملين الأجراء لا يتم التصريح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، حيث قدرت هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي عددهم بـ830.000 عامل في عام 2019.
وتسلط الدراسات الإكتوارية الضوء على التباطؤ المستقبلي للمحرك الديموغرافي، والذي يشكل دعامة رئيسية للنظام، وعلى زيادة الخدمات المتعلقة بأداء المعاشات، والتي من المتوقع أن يكون لها تأثير على النظام على المدى القصير، حيث من المنتظر أن يتم تسجيل العجز التقني للنظام (فرع طويل الأمد) في أفق 2029، وفقا لـهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، وفي حال عدم وجود تدابير تصحيحية، سيتم استنفاد الاحتياطيات في أفق سنة 2046. وستصل الالتزامات غير المغطاة المحينة للنظام، على مدى 60 عاما، إلى ما يقارب مبلغ 364 مليار درهم.
إصلاح التقاعد.. كرة النار الحارقة بين الحكومة والنقابات
ما زال ملف إصلاح التقاعد في قلب الخلاف بين المركزيات النقابية والحكومة، وهو ما كشف تعميم وزارة المالية لوثيقة خاصة بالاجتماع الأول للجنة ملف أنظمة التقاعد، المنبثقة عن جولة شتنبر من الحوار الاجتماعي، وهي الجدولة التي تبرأ منها الاتحاد المغربي للشغل، موضحا أنها «مجرد عرض تمهيدي حول منهجية العمل، وليست وثيقة رسمية متفق حولها من طرف اللجنة». وأضاف أن الاجتماع الأولي للجنة ملف أنظمة التقاعد كان حصريا، من أجل التواصل والإعلان عن انطلاق أشغال اللجنة، «لم يخلص مطلقا إلى أي نتائج في الموضوع»، وأن «الوثيقة، التي تم إخراجها للعموم من طرف وزارة المالية، ليست سوى أرضية أعدت بشكل أحادي من طرف الوزارة المذكورة، ولم يحصل أي اتفاق على أغلب مضامينها ومخرجاتها».
ودعا الاتحاد المغربي للشغل وزارة الاقتصاد والمالية، التي أوكل لها الإشراف على هذا الملف بالغ الأهمية، إلى «احترام أدبيات وقواعد الحوار الاجتماعي، واعتماد مقاربة أكثر جدية في التعاطي معه»، منبها إلى أن «النقاش العمومي حول هذا الملف يجب أن يبرز، من باب المسؤولية التاريخية، رأي كل الأطراف بكل موضوعية وشفافية». وسجل الاتحاد أن الموقف من ملف أنظمة التقاعد لا يمكنه أن يصل إلى أية نتيجة إيجابية تذكر، اعتمادا على ما يسمى بالإصلاحات المقياسية المكلفة للمؤمنين، التي أبانت بشكل واضح وعلني عن محدوديتها وفشلها، بحسب تعبير الاتحاد، مشيرا إلى أن الأمر يتطلب إصلاحاً شاملاً ومقاربة اجتماعية محضة بعيدة كل البعد عن المقاربة المحاسباتية. كما شددت المركزية النقابية، على أن أي مدخل للإصلاح يستوجب إعادة النظر في حكامة الأنظمة وتحمل الدولة لمسؤولياتها في إنقاذ صناديق التقاعد، وإقرار سياسات اجتماعية واختيارات شعبية واضحة، تضمن العيش الكريم للأجراء والمتقاعدين.
وكانت وزارة الاقتصاد والمالية قد قدمت الخطوط العريضة لوصفة الحكومة لإصلاح هذه الأنظمة، عبر عنصرين أساسيين، يتمثلان في الرفع من المساهمة إلى 28 في المائة، ورفع سن الإحالة إلى التقاعد إلى 65 سنة، وهي الخطة التي يرتقب أجرأتها ابتداء من ماي 2023، موضحة أن صناديق التقاعد على حافة الإفلاس، حيث بالنسبة لنظام المعاشات المدنية فإنه سيستنفذ احتياطاته المقدرة بـ68 مليار درهم بحلول سنة 2028، وللوفاء بعد ذلك بالتزاماته، سيحتاج الصندوق المغربي للتقاعد ما يناهز 14 مليار درهم سنويا لتمويل عجز النظام.
أما بالنسبة للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، فسجل عجزا تقنيا مهما بلغ 3.3 مليارات درهم سنة 2021، لكن بفضل المستوى المهم لاحتياطاته البالغة 135 مليار درهم، تمكن العوائد المالية للنظام من تغطية هذا العجز التقني. أما بالنسبة لنظام تقاعد أجراء القطاع الخاص فيتوفر على هوامش لإدراج إصلاحات مقياسية بالنظر إلى نسبة المساهمة بالنظام المحددة في 11.89 في المائة، وسن الإحالة على التقاعد المحددة في 60 سنة.
وإلى جانب مشكل إفلاس الصناديق، فقد تضمن التشخيص واقعا سلبيا آخر، حيث إن أزيد من نصف المغاربة لا يستفيدون من التقاعد، إذ حسب معطيات وزارة الاقتصاد والمالية الرسمية، فإن 54 في المائة من المغاربة البالغين سن العمل لا يستفيدون من أي نظام للتقاعد. كما أن 6.3 ملايين عامل غير متوفرين على التغطية الصحية، وتقدر القوة العاملة بالمغرب 11 مليونا، فيما هناك 3.5 ملايين شخص نشيط يشتغلون بالقطاع الخاص المهيكل، و178 ألف شخص هم مستخدمون عموميون، فيما يبلغ عدد الموظفين 970 ألف شخص.
وأشارت الوزارة الوصية إلى أن ضعف تغطية الأنظمة يحول دون حصول أكثر من نصف النشيطين، حوالي 54 في المائة، على حماية ضد أخطار الشيخوخة. كما أنه يسجل عدم تجانس على مستوى متوسط المعاشات الممنوحة، حيث تقدر بـ2022 درهما بالنسبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، و5678 درهما بالنسبة للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، و7873 درهما بالنسبة لنظام المعاشات المدنية، زيادة على عدم تجانس قواعد إعادة تقييم المعاشات.
تفاقم العجز التقني يعجل بإفلاس صناديق التقاعد
بعدما دق المجلس الأعلى للحسابات ناقوس الخطر، محذرا من إفلاس صناديق التقاعد بالمغرب، وأوصى المجلس بالشروع، في أقرب الآجال، في عملية الإصلاح البنيوي عن طريق تسريع وتيرة الإصلاحات المعيارية، وإجراء دراسة مستعجلة للإشكالية المتعلقة بخطر السيولة التي سيواجهها نظام المعاشات المدنية على المدى القصير، كشف التقرير السنوي التاسع حول الاستقرار المالي عن تفاقم العجز التقني لصناديق التقاعد، ما يهددها بالإفلاس في السنوات المقبلة.
وأفاد التقرير الصادر عن بنك المغرب والهيئة المغربية لسوق الرساميل وهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، بأن الرصيد الإجمالي للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد بلغ 1,8 مليار درهم في سنة 2021، مقابل 2,5 مليار درهم في سنة 2020. وأوضح التقرير أنه «بفضل رصيد العمليات المالية الذي بلغ 5,2 ملايير درهم، بلغ الرصيد الإجمالي للنظام 1,8 مليار درهم، بدلا من 2,5 مليار درهم سنة قبل ذلك».
ووفقا للمصدر ذاته، فقد أدى إدماج الأساتذة المتعاقدين أطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين في نظام المعاشات المدنية للصندوق المغربي للتقاعد إلى انخفاض المساهمات في النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد (3,8 ملايير درهم مقابل 4,1 ملايير درهم في 2020)، مفاقما بذلك عجزه التقني الذي بلغ 3,3 ملايير درهم مقابل 2,6 مليار درهم.
من جهة أخرى، شهد النظام في سنة 2021 إرساء إصلاح معياري أدى أساسا إلى تغيير في حساب المعدل السنوي لإعادة تقييم المعاشات المصروفة، ومعدل إعادة تقييم الأجور الوظيفية من أجل تسوية المعاشات الجديدة.
وفي ما يتعلق بنظام المعاشات المدنية للصندوق المغربي للتقاعد، فقد سجل تعداد الأصول في سنة 2021 ارتفاعا قويا بنسبة 12,9 في المائة، على إثر تغيير نظام انخراط الأساتذة المتعاقدين أطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، التابعين منذ سنة 2017 للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، وتجسدت هذه العملية، بالنظر إلى التسعيرة المناسبة للنظام، من خلال تحسن مؤشرات التوازن على المدى الطويل، سيما معدل التمويل المسبق ومعدل مساهمة التوازن، اللذين بلغا على التوالي 85,7 في المائة (زائد 17 نقطة) و35,2 في المائة (ناقص 19 نقطة).
وفي المقابل، لم تولد تدفقات الخزينة الناتجة عن هذه الانخراطات الجديدة، أي تحسن ملموس في استدامة النظام على المدى المتوسط، بسبب الأفق المنخفض لنفاد احتياطياته (من 5 إلى 6 سنوات).
وبالنسبة إلى السنة المالية 2021، سجلت المساهمات في النظام ارتفاعا بنسبة 0,8 في المائة، مقابل زيادة في التعويضات نسبتها 1,7 في المائة. وفي هذا السياق، تدهور العجزان التقني والعام للنظام ليبلغا 7,7 و4 ملايير درهم على التوالي.
وأفاد بأن أفق استنفاد احتياطيات أنظمة التقاعد للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي انخفض بثمان سنوات ليستقر عند سنة 2038، مشيرا إلى أنه «بالرغم من الانتعاش الاقتصادي الأسرع من الذي تم اعتماده خلال التقييم الإكتواري السابق للفرع، إلا أن مؤشرات استدامة النظام أظهرت تراجعا مقارنة بمستوى ما قبل الأزمة، سيما انخفاض أفق استنفاد الاحتياطيات بثمان سنوات (2038 بدلا من 2046)». وأضاف المصدر ذاته أنه في ما يتعلق بمعدل تغطية التزامات النظام خلال الستين سنة المقبلة، فقد انتقل من 76,7 في المائة إلى 64,9 في المائة.
وبالموازاة مع ذلك، أبرز التقرير أن الانتعاش الاقتصادي الوطني في سنة 2021 أثر إيجابا على أرصدة فرع المعاشات التقاعدية لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. وبالفعل فقد بلغت كتلة الأجور الخاضعة للمساهمات 112,4 مليار درهم، بارتفاع نسبته 16,4 في المائة مقارنة بسنة 2020، و10,2 في المائة مقارنة بمستوى ما قبل الأزمة الصحية.
وعلى مستوى الصندوق المهني المغربي للتقاعد، وبالرغم من ارتفاع المساهمات بنسبة 5,3 في المائة، بقي الرصيد التقني عند مستواه لسنة 2020 (2,9 مليار درهم)، تحت تأثير ارتفاع أكبر للتعويضات (8,5 في المائة).
ومكن أداء التدبير المالي من تحقيق رصيد إجمالي قدره 5,7 ملايير درهم، بتحسن نسبته 17,9 في المائة مقارنة بسنة 2020. وسيظل هذا الأخير، وفقا للتقييمات الإكتوارية للنظام، يحقق فائضا في أفق التوقعات، مما سيمكن الاحتياطيات من مواصلة منحاها التصاعدي.
وسبق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن أوصى باستعجالية تفعيل الإصلاح الهيكلي والشمولي لقطاع التقاعد بالمغرب، وأكد المجلس أن إرساء منظومة وطنية للتقاعد، تضامنية وناجعة ومستدامة وقادرة على الاستجابة لانتظارات الأجيال الحالية والقادمة من النشيطين والمتقاعدين وضمان حقوقهم، يقتضي العمل على تسريع تفعيل مسلسل تعزيز توازنات أنظمة التقاعد الموجودة وإرساء الانتقائية بين مصادر تمويلها، وخدماتها، والإطار القانوني والتنظيمي المتعلق بها ونمط حكامتها.
الإصلاح الاستعجالي لأنظمة التقاعد يفرض نفسه على الحكومة
بعد التحذيرات التي أطلقها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والهيئة الوطنية لمراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، بخصوص إفلاس أنظمة التقاعد بالمغرب، عقدت لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، يوما دراسيا حول أنظمة التقاعد، بحضور وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح، والوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، لتقديم معطيات حول وضعية هذه الصناديق، والسيناريوهات المقترحة للإصلاح الشمولي.
وخلص اليوم الدراسي حول موضوع «إصلاح أنظمة التقاعد: التحديات والآفاق»، إلى ضرورة العمل على مراجعة الوضعية الحالية لنظام المعاشات المدنية بعد الإصلاح المقياسي الذي عرفه سنة 2016، والعمل على تجاوز العجز التقني للصندوق الجماعي لمنح رواتب التقاعد، وتسريع جهود تعزيز توازنات أنشطة التقاعد وضمان الالتقائية على مستوى الخدمات والتمويل والإطار التنظيمي.
ومن بين خلاصات اليوم الدراسي كذلك، تجميع منظومة التقاعد في قطبين، قطب عمومي يتكون من الصندوق المغربي للتقاعد والصندوق الجماعي لمنح رواتب التقاعد (RCAR-CMR)، وقطب خاص يضم الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي و الصندوق المهني المغربي للتقاعد، وذلك في أفق إحداث نظام وطني موحد يقوم على ثلاث دعامات، تتجلى في دعامة إجبارية يتم تدبيرها وفق قاعدة التوزيع تشمل الأشخاص في القطاع العام والخاص وغير الأجراء، ودعامة تكميلية قائمة على مبدأ المساهمة بالنسبة للدخول التي تفوق السقف المحدد، ثم دعامة اختيارية.
ودعا البرلمانيون المشاركون في اليوم الدراسي إلى وضع آليات الحكامة وقيادة فعالة لأنظمة التقاعد للحرص على استدامته، واقتراح إحداث حد أدنى للدخل في سن الشيخوخة لا يقل على عتبة الفقر بالنسبة للأشخاص الذين لا يستفيدون من أي معاش في إطار الإصلاح الشمولي للمنظومة، بالإضافة إلى توسيع مجال التمويلات المبتكرة على جميع الصناديق. وتم تقديم مقترحات بخصوص الإصلاح المقياسي للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، وذلك بالإصلاح عن طريق تعديل النصوص التنظيمية وهو إصلاح سيكون له تأثير إيجابي على ديمومة النظام، يستدعي الرفع من سن التقاعد أو من واجب الانخراط.
وأكدت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح العلوي، أن أنظمة التقاعد استخلصت، برسم سنة 2020، مبلغ 62,74 مليار درهم من مجموع المساهمات والاشتراكات، وأبرزت الوزيرة، في كلمة لها خلال اليوم الدراسي، أن الخدمات، في المقابل، كلفت 67,9 مليار درهم، بما في ذلك 32,6 مليار درهم للصندوق المغربي للتقاعد، و22,9 مليار درهم للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
وذكرت، في هذا السياق، بأن المساهمين النشطين الذين شملتهم تغطية أنظمة التقاعد بلغوا، برسم السنة ذاتها، أكثر من 4.5 ملايين شخص، مضيفة أن مجموع المستفيدين وصل إلى 1.4 مليون شخص، كما استعرضت الوزيرة الإشكاليات والتحديات المرتبطة بأنظمة التقاعد في القطاعين العام والخاص، مبرزة أن نظام التقاعد الحالي يطبعه عدم التجانس على عدة مستويات.
وفي معرض حديثها عن الوضعية الحالية لنظام المعاشات المدنية بعد الإصلاح المقياسي الذي عرفه سنة 2016، حذرت من أن النظام سيستنفد احتياطاته (70 مليار درهم) بحلول سنة 2028، موضحة أنه للوفاء بالتزاماته بعد ذلك، سيحتاج الصندوق المغربي للتقاعد ما يناهز 14 مليار درهم سنويا لتمويل عجز النظام، وسجلت أيضا أن «المستوى الحالي لنسبة المساهمة (28 في المائة) وسن التقاعد القانوني (63 سنة) لا يتركان سوى هامش ضيق لتبني إصلاح مقياسي جديد».
وتابعت المسؤولة الحكومية أن أفق استدامة النظام القريب يجعل أثر الإصلاح المقياسي يقتصر على خفض الدين الضمني دون معالجة إشكالية نفاد احتياطيات النظام، وأضافت «يعد النظام حاليا متوازنا بالنسبة للحقوق المكتسبة بعد إصلاح 2016 بحيث إن الدين الضمني الحالي يهم بالخصوص الحقوق المكتسبة في السابق».
ثلاثة أسئلة لمحمد زين الدين*:
«ورش إصلاح التقاعد هيكلي والإجراءات السابقة كانت ترقيعية»
- هل فشلت الإجراءات السابقة لإصلاح صناديق التقاعد؟
أعتقد أن الإصلاحات السابقة لصناديق التقاعد كانت حلولا ترقيعية، ولا ترقى لأن توصف برؤية شاملة ومتكاملة واستراتيجية لهذا الورش الحيوي، لأنها ترتكز بالأساس على مسكنات ظرفية، تتمثل في الزيادة في سن التقاعد والرفع من قيمة المساهمة. غير أن هذه الحلول أبانت عن محدوديتها أمام الأرقام الصادمة حاليا، حيث نتحدث اليوم عن استنفاد نظام المعاشات المدنية الخاصة بالموظفين في الإدارات العمومية، حيث إن الاحتياطات لدى هذه الصناديق، حسب دراسات وزارة الاقتصاد والمالية، لن تدوم أكثر من خمس سنوات، والأمر نفسه ينطبق على الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وإن كان أفق استدامة صندوق الضمان الاجتماعي يظل بعيدا، حسب معطيات وزارة الاقتصاد والمالية، التي تشير إلى أن أفق استدامة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي سيستمر إلى حدود سنة 2038. غير أن نفاد احتياطاته يبقى مسألة واردة، وهنا يظهر أن الحكومات السابقة لم تكن تتعامل بنوع من الجرأة والرؤية الشاملة، خصوصا حكومة عبد الإله بنكيران، التي لم تتجه صوب رؤية شمولية للإصلاح، بخلاف ما هو عليه الوضع اليوم، حيث إن هناك تشخيصا وتجسيدا للوضعية بشكل دقيق وعلمي، كما أن هناك تحديدا لمنهجية العمل في لقاءات مع الفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين، ثم البرمجة الزمنية للإصلاح، بالإضافة إلى الإرادة السياسية لدى هذه الحكومة في إنجاز إصلاح فعلي والمضي قدما فيه. وتتضح هذه الإرادة السياسية في الرغبة في الوصول إلى توافقات وطنية نحو إصلاح دائم وبنيوي لهذا الورش الحيوي، من خلال تدشين حوار وطني مفتوح وبناء جسور الثقة بين الحكومة والفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين، وهو الأمر الذي لم يكن إبان الحكومة السابقة، ولأن ورش إصلاح صناديق التقاعد هو ورش مجتمعي ويهم المجتمع المغربي برمته، على اعتبار أن تأخير هذا الإصلاح أو الدفع بتوجه سياسوي نحو تعطيله سيكون له الأثر الوخيم وكلفة سياسية أكبر من الكلفة الحالية. ويمكن الرجوع إلى نماذج من الدول أقرت إصلاحات موجعة لأنظمة التقاعد، شأن سويسرا التي تملك نظاما اقتصاديا صلبا غير أنها أقرت إصلاحات من هذا القبيل.
- ما المداخل الرئيسية أمام الحكومة لإصلاح أنظمة التقاعد؟
لا بد من التأكيد على ضرورة ضمان ديمومة أنظمة التقاعد، إن على المدى الطويل أو المتوسط، وهو الأمر الذي يجب أن يكون حاضرا في ذهنية هؤلاء الفرقاء الاجتماعيين، ووجب الخروج من بوتقة الحلول الترقيعية التي لا تجدي أبدا. وهنا يجب أن نقف عند عدد من الإجراءات التي هي الآن بيد الحكومة وهي مطالبة بأن تأخذها على عاتقها، على رأسها ترسيخ نظام أساسي موحد لصناديق التقاعد، والحد من تأثير الإصلاح على موازنة الدولة، زيادة على تحمل الدولة تكاليف إلغاء نظام «راميد»، وتمكين الفئات الهشة من خدمات التغطية الاجتماعية على حساب الدولة، وهذا التزام وإنجاز مهم، حيث إنه، وبلغة الأرقام، من أصل 11 مليونا من القوة العاملة في المغرب، هناك 6 ملايين و300 ألف عامل لا يتوفرون على التغطية الصحية، وهو ما يمثل 54 في المائة من المغاربة النشيطين لا يتوفرون على التغطية الصحية، وهو ما نعتبره رقما كبيرا جدا وذا دلالة، دون إغفال عنصر مهم على الحكومة الاشتغال عليه وهو المرتبط بإرساء عدالة هذه الصناديق في ارتباط بالحفاظ على الحقوق المكتسبة، وهو مطلب أيضا للنقابات وتتفق مع الحكومة بشكل كبير، ويبقى الحسم فيه للتفاصيل. وعموما يمكن القول إن الكل يدرك ضرورة القيام بإصلاح جذري وموضوعي بعيدا عن الحلول الترقيعية التي لا تثمر نتائج إيجابية. فإصلاح التقاعد ورش حيوي يتطلب توافقات وطنية كبرى يجب أن نستحضر فيها الإصلاح الشامل والروح الوطنية.
- في ارتباط بإصلاح التقاعد وتعميم التغطية الصحية، كيف يمكن للحكومة استثمار ورش تعميم الحماية الاجتماعية في الإصلاح الهيكلي للتقاعد؟
الحكومة ذهبت في خطتها الإصلاحية لصناديق التقاعد في منحى توسيع وعاء المنخرطين، صحيح أن الرفع من سن التقاعد كان إجراء مرحليا وغير كاف، لكن الإجراء العملي هو إدخال الفئة العريضة من الأجراء الذين لا ينخرطون في أي نظام للتغطية الاجتماعية، وبالتالي فهذه الفئة الجديدة من المنخرطين هي التي ستشكل الرافعة الأساسية لهذه الصناديق ودعامة قوية لها، وهي التي في حاجة ماسة لهذه الفئات، زيادة على تدخل الدولة من أجل إلغاء نظام «راميد» وتعويضه بنظام للتغطية الاجتماعية، سينفس من الأزمة التي تعيشها هذه الصناديق، خصوصا إذا ربطنا هذا الأمر بالمعدل الوطني لعدد المنخرطين النشيطين في مقابل المتقاعدين، إذ سنجد أن هذا المعدل في المغرب يمثل ثلاثة منخرطين نشطاء مقابل متقاعد واحد، في الوقت الذي يحدد المعدل الدولي في سبعة نشطاء مقابل متقاعد واحد، وإدخال هذه الفئات سيشكل عنصرا لضمان المنظومة التقاعدية على المدى الطويل، بدل التفكير في الحلول الترقيعية التي من شأنها أن تكون بمثابة مهدئات فقط، حيث إن وضعية هذه الصناديق اليوم تدق ناقوس الخطر حول استنفاد مخزونها، ولعل آلية الحل وأحد المنافذ الأساسية للإصلاح الهيكلي لهذه الصناديق إدخال هذه الفئة العريضة من النشيطين غير المستفيدين، هذا دون إغفال أهمية ضرورة الالتفات للقطاع الخاص، وهو المطالب بأن يساهم، من جانبه، إلى جانب الدولة والقطاع العمومي في الإصلاح، ويجب النظر للموضوع في شموليته.
*أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بكلية الحقوق بالمحمدية