تفاصيل وساطة «ماكلين» بين الريسوني والسلطان مولاي عبد العزيز
يونس جنوحي
«عندما زارني القايد ماكلين في نواحي القصر الكبير، كان المكان قد أُعد لاجتماعنا. قال لي إن حكومته تخشى أن تتعرض لخيانة من طرفي، فقلتُ له:
-الرجل الذي لديه قلب نقي لا يجب أن يخشى من أحد.
ناقشنا الوضع لساعات، وأراد أن أرافقه إلى فاس، لكي يرتب لي لقاء مع السلطان..، لكنني تذكرت ظلام وعذاب «موگادور»، وقلتُ له:
-الطائر لا يسقط في الشرك نفسه مرتين.
ثم أقسم لي:
-سأكون مسؤولا عن سلامتك.
لكنني لم أكن أثق في أي وعد يقدمه لي أي رجل، لأن تجاربي في الحياة جعلتني متوجسا دائما. لذلك قلتُ له:
-عُد إلى مولاي عبد العزيز وقل له كذا وكذا.. ثم عُد إلي سريعا، لكن أحضر لي رسالة من السلطان لكي تكون لدي ضمانات.
بعد هذا، سافر القايد ماكلين إلى فاس ولبث هناك فترة قصيرة، ثم وصلتني رسالة منه يقول لي فيها إن كل شيء بخير، وأنه سيلتقيني في مكان ما حيث يفترض أن أصل إليه مصحوبا فقط بعدد قليل من الرجال.
لم يكن يحس بالأمان في المكان الذي خيمت فيه «المْحلة» التابعة لي، لذلك قلتُ في نفسي:
-إما أن وزيره حذره مجددا، وإما أن فخا ما يتم إعداده للأرنب، لكن يا للعجب إذا سقط الصياد في الفخ الذي أعده بنفسه.
ذهبتُ إلى مكان اللقاء ومعي عشرة فرسان فقط. وعندما التحق بي ماكلين في وقت الميعاد، كان معه بدوره عشرة من رجاله، وبالتالي كانت قوتنا متكافئة. ألم أقل لكِ إن معي البركة؟ والآن اسمعي ماذا وقع.
في فاس، كتب السلطان رسالتين. واحدة كانت لي، وفيها اعتبرني صديقه، وقال إنه يتعين أن يكون هناك سِلم بيننا. عينني عاملا ووعدني بأن تُرد إليّ ممتلكاتي. وأكد لي أنه أعطى الأوامر لكل قواته لكي تنسحب، حتى يمكنني أن أتحرك بحرية حيث أريد. الرسالة الثانية وجهها إلى الگباص، وزير الحرب، وفيها كُتب، ردا على دعوات ماكلين، أن السلطان قرر العفو عن الريسوني، وأنه سيتم تمتيعه بسلطات العامل بمجرد ما أن يعلن استسلامه.
كان الكَباص قد انسحب بكل جيشه من منطقة نفوذ الشريف. لكن في نهاية الرسالة، كُتب أن الوزير يجب عليه على كل حال أن يكسب ثقة الريسوني، حتى إذا نزل من الجبال، يسهل اعتقاله خلسة وسجنه. قال مولاي عبد العزيز: -قم بجميع التنازلات والتسهيلات اللازمة، حتى إذا حلت اللحظة المناسبة، لن يشك في أي شيء.
الآن، البركة دائما حاضرة بقوة في عائلتنا منذ زمن مولاي عبد السلام الذي يوجد قبره في جبل علان، حيث كان الشبان الذين يمرون بالقرب منه يلقون عليه التحية قائلين:
-أنا تحت حماية الله وحمايتك يا سيدي عبد السلام.
كان سلفنا متواضعا وبسيطا إلى درجة أنه لم يسمح ببناء قبة على قبره، وكان يقول:
-المكان الذي سوف أدفن فيه يجب أن يكون منبسطا مثل الأرض التي تحيط به، لأن قيمتي ليست أكبر من قيمة الأرض.
كان عدد من الشرفاء، من أحفاده، يرغبون في إقامة مسجد على قبره بما يليق برجل مقدس مثله، لكن كان يُقال إن البركة ستفارق عائلتنا إذا تم التخلي عن وصية ورغبة سيدي عبد السلام. لذلك لم تُبن أي قبة وبقيت حمايته لنا ترافقنا دائما.
ما وقع أن الكاتب الذي نسخ رسالتي السلطان كان مشوشا، وعندما وقعهما مولاي عبد العزيز ووضع عليهما الخاتم الشريف، وضع الكاتب الرسالتين في الظرف الخطأ. وسلمهما إلى ماكلين الذي لم يكن مدركا لما قاموا به.
وما وقع أن ماكلين الإنجليزي، عندما جاء إليّ ووجدني جالسا فوق زربية أمام خيمتي، بحكم أن الجو كان حارا في الأيام الماضية، حياني وقال:
-أهنئك أيها الشريف لأن كل شيء تم ترتيبه مع السلطان، وسوف يكون هناك سِلم بينكما، سيتم تعيينك عاملا، والگباص منذ هذه اللحظة تحت إمرتك.
ثم سلمني الرسالة من المولى عبد العزيز، وقرأتها ثلاث مرات لأنها كانت الرسالة المفترض أن يتلقاها وزير الحرب، ورأيت مضامين الحيلة للإيقاع بي».