شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرخاص

تفاصيل فيضانات حولت قرى بطاطا إلى مناطق منكوبة

أمطار طوفانية غير مسبوقة هدمت بيوتا وأهلكت الحرث والماشية

طاطا: محمد سليماني

مقالات ذات صلة

تقع جماعة تمنارت جنوب إقليم طاطا، على الحدود مع إقليمي تيزنيت وكلميم، وهي معروفة بتضاريسها الوعرة، وترامي دواويرها على مساحة شاسعة. أغلب الدواوير بهذه الجماعة، وبعموم جماعات إقليم طاطا تقع على ضفاف الأودية، وبقرب مجاري المياه، فالناس هنا فلاحون بطبعهم، ولا شيء في هذه الربوع قد يثنيهم عن الارتباط بالأرض والماء والزراعة، لذلك تراهم يشيدون منازلهم قرب حقولهم، وغير بعيد عن مجاري المياه أيضا. إذا كان يوم الثامن من شتنبر ظل في أذهان المغاربة مرتبطا بذكرى الزلزال الأليمة، فها هو التاريخ نفسه يحل هذه السنة ومعه ذكرى أليمة أخرى. إنه فيضان وادٍ، جرف كل ما وجده في طريقه، وحول مناطق بجماعة تمنارت إلى أطلال تحكي في صمت قصص معاناة لا يمكن أن يطالها النسيان.

 

بداية الكارثة

منذ أن نشرت المديرية العامة للأرصاد الجوية الوطنية نشرة تحذيرية من مستويين؛ أحدهما برتقالي، والثاني أحمر يضم من بين مدنه المعنية إقليم طاطا، عاش سكان مناطق عديدة بإقليم طاطا من فم زكيد شمالا وحتى تمنارت جنوبا، على أعصابهم، فالكثيرون هنا ظلت المخاوف تحيط بهم، وظلت كلمة «أمطار عاصفية قوية» تتردد على ألسنة أغلبهم، غير أنهم لم يكونوا يتوقعون أبدا أن تكون هذه الأمطار بهذه القوة، وهذه الكارثة، خصوصا وأن الناس عاشوا أمطارا بهذه الحدة وهذه الشاكلة منذ عقود، ولم تكن الخسائر فادحة. البعض من السكان بالإقليم أعد العدة، واستعد لكل الاحتمالات السيئة، غير أن الكثيرين لم تكن لهم القدرة على اتخاذ أي احتياط، خصوصا أولئك الذين يقطنون في قرى نائية وبعيدة، ولا تكاد تصلها وسائل النقل، إلا لماما أو مرة في الأسبوع. بدأت الأمطار تتهاطل منذ مساء الجمعة الماضي في مناطق مختلفة من إقليم طاطا، غير أن حدتها لم تكن قوية، لذلك لم تكن لتسجل خسائر بشرية، ما عدا جرف بعض القناطر، وهلاك بعض الطرق، وقطع بعضها الآخر في وجه حركة السير، بسبب الحمولة الزائدة.

غير أن المثير أن منطقة «واوكرض سموكن» بجماعة تمنارت لم تكن بها أمطار طوفانية، ولم تتهاطل بها أمطار غزيرة أبدا، لذلك لم تدر بخلد السكان أي مخاوف، وكل ما في الأمر أن المنطقة توجد في السافلة، ويشكل الوادي الذي يعبرها، مجمعا لمجموعة من الأودية والشعاب الموجودة في العالية، وخصوصا في أعالي جبال مناطق تابعة لإقليم طاطا وأخرى تابعة لإقليم تيزنيت. فما أن بدأت الأمطار في مناطق أخرى من طاطا، حتى سارت المياه عبر ممراتها الاعتيادية، ما فاجأ سكان منطقة «واوكرض سموكن»، الذين وجدوا أنفسهم محاصرين بسيول جارفة، كما أن الوادي الذي يعبر واحة «واوكرض سموكن» جاء بحمولة غير اعتيادية، لم يألفها السكان منذ عقود طويلة. لقد كان الوادي مملوءا بالمياه بشكل مرعب جدا، حتى وصلت مياهه إلى المنازل والبيوت الموجودة في شطه الأيمن، أما تلك الموجودة في مجراه، فقد جرفها بمن فيها منذ اللحظات الأولى. لقد وجد السكان أنفسهم في ورطة كبيرة، ما بين الجبل من جهة، والوادي من جهة أخرى، وما زاد من هول المشهد، أن الكارثة حلت بهم ليلا، والناس لم يقووا على مغادرة أمكنتهم، واللجوء إلى أخرى أكثر أمانا، ولم يكن لهم من سبيل غير انتظار ضوء الصباح في اليوم الموالي.

 

فاجعة تحل بالقرية

«واوكرض سموكن»، هي قرية صغيرة من بين عشرات دواوير تشكل جماعة تمنارت، الناس هنا يعرفون بعضهم البعض، بل أغلبهم مرتبط بالآخر ارتباطا أسريا وقبليا وعضويا. قضى السكان ليلتهم يوم السبت الأسود، تحت الضغط، وكل منهم كان يعتقد أنها ليلته الأخيرة، فالوادي كانت حمولته كبيرة، وصوته القوي ظل يهز المكان، ويبث الرعب في السكان، ولم يقدر أي منهم على تفقد أحوال من حوله، فالمياه غمرت المكان، وحالت دون تفقد الوضع هنا أو هناك، كما أن وسائل الاتصال والتواصل بين الناس كانت مقطوعة، فبات الجميع لا يدري ماذا وقع بالضبط، وما زاد من هول الفاجعة، أن كثيرا من التدوينات والمنشورات كانت مجرد خبط عشواء، تثير المخاوف وتزيد من حدتها، وليس لها من الحقيقة شيئا. فما أن لاح ضوء شمس صباح الأحد، حتى اكتشف سكان المنطقة، هول الفاجعة، ورأوا ما حل بدوارهم، الذي كان ينام هادئا بين الواحة والجبل، بعيدا عن الضجيج والصخب. لقد اكتشف الناس أن الوادي جرف كثيرا من نخيل الواحة التي تشكل مصدر عيشهم الوحيد، وجرف معه مزروعات معاشية أخرى، لقد دمر كل شيء. وما أن بدأ الناس يتفقدون أحوال بعضهم البعض، حتى اكتشفوا أن أسرا معينة لم يعد لها وجود، لقد أصبحت في عداد المفقودين.

 

الانقطاع عن العالم

بعدما لاح نور الشمس وأرسلت خيوطها تبشر بيوم جديد، استنفرت السلطات الإقليمية بإقليم طاطا جهودها من أجل الوصول إلى جماعة تمنارت ومنها إلى دوار «واوكرض سموكن»، وذلك قصد التدخل الميداني، فالمسير إلى المنطقة ليلا يوم السبت لم يكن ميسرا، ذلك أن أغلب وديان طاطا كانت محملة بكميات كبيرة من المياه، وعبورها لم يكن ممكنا تلك الليلة، لذلك تم انتظار الصباح، حيث انخفضت حمولة كثير من هذه الأودية. ورغم استنفار الجهود، وحشد عدد من أفراد قوات الإنقاذ والقوات المساعدة ومختلف السلطات المحلية والإقليمية قصد التدخل، إلا أن منطقة «واوكرض سموكن» ظلت معزولة بالكامل عن العالم الخارجي، فلا طريق صالحة للوصول إلى السكان، ولا هاتف ولا تواصل. ظلت الجهود مستمرة لإزالة الركام والأحجار من طريق الوادي، لفسح المجال للمركبات للعبور نحو الواحة لساعات طويلة. ورغم استمرار العمل من ساعات الصباح الأولى، إلا أن العمل كان مضنيا، ولم تتيسر الأمور إلا في الليل بشق الأنفس. وبالكاد وصل عامل إقليم طاطا الذي ظل محاصرا قرب الدوار منذ ساعات الصباح، فالوصول إلى الدوار من جهة الطريق الوطنية رقم 7 كان صعبا جدا، وكذلك الوصول إليها من جهة منطقة «أيت وافقا» بإقليم تيزنيت، لم يكن سهلا أيضا. سعيد أمزازي، والي جهة سوس ماسة، لم يستطع الوصول إلى المنطقة المنكوبة، إلا بعدما سخرت قوات الدرك الملكي مروحية له، والتي أقلته من منطقة «أملن» بتافراوت، وذلك من أجل تيسير تفقده لأحوال المنطقة. وقد تمكن عامل إقليم طاطا والبرلمانية التجمعية كليلة بونعيلات وعدد من المسؤولين العسكريين من الوصول إلى الدوار المتضرر ليلا، بعدما تضافرت مجهودات كل من القوات المسلحة الملكية والقوات المساعدة والدرك الملكي والوقاية المدنية، ووزارة التجهيز والنقل من أجل فتح أحد المعابر للوصول إلى المناطق المتضررة، حيث تم تقديم مساعدات غذائية آنية ومستعجلة للأسر المتضررة.

 

استمرار البحث عن مفقودين

منذ أن تم فتح ممر للوصول إلى قرية «واوكرض سموكن»، والتعرف رسميا على عدد المفقودين، باشرت عناصر الوقاية المدنية، والقوات المساعدة، والدرك الملكي وأعوان السلطة وعمال الإنعاش الوطني عمليات بحث واسعة على طول مجرى الوادي، وبين الأحجار وداخل واحة النخيل، بحثا عن المفقودين، والذين يتجاوز عددهم إلى حدود ليلة الأحد/الاثنين 12 نفرا. ونظرا إلى صعوبة البحث ووعورة التضاريس على طول الوادي، فقد تمت الاستعانة بالكلاب المدربة، وذلك قصد المساعدة على العثور على المفقودين، وسط احتمالات بأن تكون المياه قد جرفت أغلبهم لمسافات بعيدة، فيما تركز قوات أخرى البحث عن المفقودين داخل الدوار، وذلك تحت ركام عدد من المنازل المنهارة.

 

مطالب بتعويض المتضررين

بعدما سجل إقليم طاطا منذ مارس 2021 إقليما منكوبا بسبب الجفاف، وذلك بموجب القرار العاملي رقم 38 بتاريخ 22 مارس 2021، ها هي الطبيعة مرة أخرى تفعل فعلها، وتتسبب في خسائر فادحة بعدد من جماعات الإقليم، غير أن أكثرها فداحة كان بجماعة تمنارت. لقد جرفت السيول مصادر عيش السكان، وهدمت المياه كثيرا من البيوت والمنازل، وحولت بعض النساء إلى أرامل وثكالى، وأدخلت البعض الآخر في عداد المفقودين. لقد دمر الوادي الوحدة المدرسية الوحيدة بقرية «واوكرض سموكن»، وحولها إلى أطلال، وجرفت المياه مقبرة الدوار، وصنعت السيول أخاديد وسط الواحة، بعدما جرفت تربتها المعطاءة. لقد أصبح الناس على حافة الفقر، فلا دخل لهم، ولا مصدر عيش بقي لهم، ولا بيوتا ومساكن تؤويهم وتقيهم تقلبات الطقس، وقر الشتاء المنتظر، وكل ما ينتظرونه هو أن تتحرك الحكومة وتلتفت إليهم بشكل عاجل ومستعجل، وذلك من خلال «صندوق مكافحة آثار الكوارث الطبيعية». فهذا الصندوق لم يسبق لسكان إقليم طاطا أن استفادوا منه، رغم رفعهم مطالب منذ سنوات للاستفادة منه، بسبب كارثة الحرائق الكثيرة التي حلت بواحاتهم. وترى بعض الأصوات أن أحسن عزاء يمكن تقديمه الآن للسكان المتضررين بعموم إقليم طاطا، هو تمكينهم من تعويضات مالية تخفف عنهم جزءا من وطأة هذا الألم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى