سهيلة التاور
ما زلت التحقيقات مستمرة والاعتقالات جارية بشأن الشغب الذي أحدثه مؤيدو الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، وذلك مباشرة بعد عملية التحريض التي قام بها دونالد ترامب، قُبيل هجوم العديد من مؤيديه على مبنى الكابيتول، خلال جلسة التصديق على جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية.
وكان ترامب قد دعا من خلال عدد من التغريدات والخطابات أنصاره إلى العمل على قلب نتائج الانتخابات وتثبيت حكومة غير منتخبة، ليسقط بسبب ذلك عدد من القتلى والمصابين نتيجة الفوضى العارمة والصدامات مع الأمن. مما أثار غضب الأمريكيين الذين ألقوا اللوم على قوات الأمن، المسؤولة عن حماية مبنى الكونغرس وقوات إنفاذ القانون.
أعلنت شرطة العاصمة الأمريكية واشنطن أن أربعة أشخاص لقوا حتفهم، في أحداث اقتحام أنصار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمبنى الكابيتول، يوم الأربعاء الماضي.
وأوضحت الشرطة أن من بين القتلى امرأة قتلت برصاص رجال الأمن، مضيفة أنه تم إلقاء القبض على 52 شخصا. وأشارت الشرطة إلى إصابة 14 من عناصرها في هذه الأحداث. وقال روبرت كونتي، قائد شرطة العاصمة الفيدرالية، خلال مؤتمر صحافي إن تحقيقا فتح لتحديد ملابسات إصابة المرأة بالرصاص.
ووفقا لوسائل إعلام أمريكية فإن القتيلة تدعى آشلي بابيت، وهي من عتاة مناصري ترامب، وقد أتت إلى واشنطن من سان دييغو في جنوب كاليفورنيا. ونقلت قناة «كي يو إس آي» التلفزيونية التي تحدثت مع زوج القتيلة أن بابيت «خدمت في الجيش لمدة 14 عاما»، وكانت «من أشد المؤيدين للرئيس ترامب».
وقال كونتي إن ثلاثة أشخاص آخرين (امرأة ورجلان) لقوا حتفهم، الأربعاء المنصرم، في المنطقة المحيطة بالكابيتول، لكنه لم يذكر ما إذا كانت تلك الوفيات مرتبطة بأعمال العنف. وكل من الثلاثة «عانوا على ما يبدو من حالة طبية طارئة أدت إلى وفاتهم»، بحسب كونتي.
وأكد أنه تم إيقاف 52 شخصا يوم الأربعاء الماضي، 26 منهم في حرم الكابيتول، لخرقهم حظر التجول والدخول غير الشرعي وتهم متعلقة بالأسلحة. وأصيب 14 شرطيا بجروح، إصابة أحدهم خطيرة، بعد أن تم سحبه إلى وسط حشد والتعرض له، وفق كونتي. وإضافة إلى ذلك قال كونتي إنه تم ضبط قنبلتين أنبوبيتين في مقر اللجنتين الوطنيتين للحزبين الجمهوري والديمقراطي، وكذلك مبرد في سيارة بساحة مبنى الكونغرس كان يحتوي على مادة متفجرة.
وفي غضون ذلك، أفادت شبكة «سي إن إن» الإخبارية الأمريكية بأن موريل باوزر، عمدة واشنطن، قررت تمديد حالة الطوارئ لأسبوعين، وهي المدة المتبقية للرئيس ترامب في الحكم. وقالت باوزر: «أدرك بأنني أتحدث نيابة عن الجميع عندما أقول إننا شهدنا هجوما غير مسبوق على الديمقراطية الأمريكية بتحريض من رئيس الولايات المتحدة، وينبغي أن يحاسب».
سارق المنصة
ألقت الشرطة الأمريكية القبض على شخص ظهر في صور اقتحام مبنى الكونغرس الأمريكي، وهو يحمل منصة القراءة الخاصة بنانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأمريكي.
وانتشرت صور آدم كريستيان جونسون وهو يحمل المنصة متفاخرا، خلال أعمال الشغب التي شهدها مبنى الكونغرس الأمريكي، بعد اقتحام أنصار الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته للمبنى الشهير، خلال جلسة للتصديق على فوز الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن.
وليس من الواضح حتى الآن ما هي التهم الموجهة إلى جونسون، لكن الترجيحات تشير إلى أنها ستتعلق بسرقة ممتلكات عامة، ودخول منطقة محظورة.
جندي كيو آنون
أوقفت الشرطة الأمريكية جيك آنجلي، الشاب الذي استقطب انتباه المصورين خلال اقتحام الكونغرس بوشومه وخوذته ذات القرنين ورمحه.
وقالت وزارة العدل الأمريكية في بيان إن آنجلي، وهو من معتنقي نظرية المؤامرة، متهم بالاقتحام غير المشروع والسلوك العنيف.
وشوهد هذا الرجل الثلاثيني وأصله من ولاية أريزونا مرات عدة خلال تظاهرات مؤيدة لترامب بفينيكس، في الأشهر الأخيرة، مع تسريحة الشعر نفسها.
وهو يقدم نفسه على أنه «جندي رقمي في كيو آنون»، الحركة المؤيدة لنظرية المؤامرة التي تعتبر دونالد ترامب بطلا. وقد اعتبر اقتحام مقر الكونغرس، الأربعاء المنصرم، انتصارا كبيرا.
وقال بيان صادر عن المدعي الفيدرالي لواشنطن العاصمة: «يُزعم أنه تم التعرف إلى تشانسلي على أنه الرجل الذي شوهد في التغطية الإعلامية والذي دخل مبنى الكابيتول مرتديا القرون، وغطاء رأس من جلد الدب، وطلاء وجه أحمر وأبيض وأزرق، من دون قميص، وسروال رمادي».
وأضاف: «كان هذا الشخص يحمل رمحا يبلغ طوله 6 أقدام تقريبا، مع علم أمريكي مربوط أسفل النصل مباشرة».
وضع رجله على مكتب بيلوسي
أكدت وسائل إعلام أمريكية اعتقال شخص آخر ظهر في صورة، وهو يضع رجله على مكتب نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب.
وقالت شبكة «فوكس» الإخبارية إنه تم القبض على ريتشارد بارنيت (60 عاما)، بتهمة دخول منطقة محظورة وممارسة سلوك غير منضبط وسرقة ممتلكات عامة.
وأضافت أن بارنيت سلم نفسه إلى عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي في حوالي الساعة العاشرة من صباح الجمعة الماضي في مقاطعة بنتون، وتم نقله إلى سجن فيدرالي حيث من المقرر أن يتم ترحيله إلى العاصمة واشنطن لمحاكمته هناك.
الأولاد الفخورون
شارك أفراد جماعة الأولاد الفخورين اليمينية المتطرفة أيضا في اقتحام مبنى الكابيتول، وتأسست الجماعة عام 2016 وهي مناهضة للمهاجرين وجميع أفرادها من الذكور.
في المناظرة الرئاسية الأولى في الولايات المتحدة خاطبهم ترامب، ردا على سؤال حول العنصريين البيض والميليشيات المؤيدة قائلا: «الأولاد الفخورون، توقفوا وقفوا جانبا».
ونشر نيك أوشز، عضو الجماعة، تغريدة له مع صورة سيلفي داخل المبنى قائلا: «مرحبا بكم من مبنى الكابيتول». كما قام بتصوير بث مباشر من داخل المبنى. ويصف أوشز نفسه في تطبيق المراسلة «تليغرام» بأنه «كبار الأولاد الفخورين من هاواي».
ووجهت السلطات اتهامات إلى عشرات المشتبه فيهم، عقب اقتحام المبنى يوم الأربعاء المنصرم، وناشد مكتب التحقيقات الاتحادي الناس المساعدة في تحديد المشاغبين، في ضوء انتشار صور لأعمال الشغب على الإنترنت.
وطالب السيناتور الديمقراطي مارك وانر، الرئيس المقبل للجنة المخابرات بمجلس الشيوخ، شركات الاتصالات بالاحتفاظ بما لديها من محتوى وبيانات مرتبطة بأحداث الشغب التي نشبت خلال اجتماع المشرعين لإقرار فوز بايدن بانتخابات الرئاسة.
وأوضح وانر، في رسائل للشركات، كيف استغرق المشاغبون كل هذا الوقت لتوثيق الحدث وبثه على وسائل التواصل الاجتماعي وفي رسائل نصية «للاحتفال بازدرائهم لعمليتنا الديمقراطية».
إشارات ذات معنى صريح
ظهرت خلال عملية الشغب داخل الكونغرس عدة رموز وإشارات ذات معنى صريح، فقد كان أحد مثيري الشغب على الأقل يحمل علم الكونفدرالية، والذي يمثل الولايات الأمريكية التي دعمت استمرار العبودية خلال الحرب الأهلية الأمريكية. لهذا السبب يعتبره الكثيرون رمزا للعنصرية، وكانت هناك دعوات لحظره في جميع أنحاء الولايات المتحدة، فيما يرى آخرون أنه جزء مهم من تاريخ جنوب الولايات المتحدة.
في يوليوز الماضي تم حظر رفع العلم في المنشآت والمقرات العسكرية الأمريكية، لأنه مصدر انقسام.
ودافع الرئيس ترامب عن استخدام العلم الكونفدرالي في الماضي قائلا: «أعرف أشخاصا يحبون العلم الكونفدرالي ولا يفكرون في العبودية… أعتقد أن ذلك مجرد حرية تعبير».
كما كان هناك متظاهرون يرفعون أعلاما كبيرة عليها أفعى ملفوفة على خلفية صفراء، غالبا ما تكون مصحوبة بعبارة «لا تطأني». يُعرف هذا بعلم جادسدن ويعود إلى الثورة الأمريكية والحرب لطرد المستعمرين البريطانيين.
وتم تبنيه من قبل الليبرتاريين، دعاة الحرية المطلقة في السبعينيات، وفقا لمقال نُشر في صحيفة «نيويوركر» وأصبح أخيرا رمزا مفضلا لنشطاء حزب الشاي المحافظين.
وتقول البروفيسورة مارغريت وير، خبيرة العلوم السياسية في جامعة براون، إن العلم بات رمزا لليمين على مدى العقدين الماضيين. كما أنه يستخدم من قبل الجماعات المناهضة للحكومة والمتطرفين البيض، وهي الجماعات التي تتبنى العنف.
التحقيقات مستمرة
أمضى خبراء من مكتب التحقيقات الفيدرالي ساعات الليل، في تحميل مقاطع فيديو من كاميرات مراقبة مباني الكابيتول، والمنطقة المحيطة بالمجمع، باستخدام برامج خاصة لمطابقة الصور والوجوه مع منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر بعض الفوضى. ونشر بعض المتورطين في اقتحام مبنى الكابيتول، خططهم على وسائل التواصل الاجتماعي، قبل المسيرة أيضا، والتي يمكن للمدعين الفيدراليين استخدامها للمساعدة في توجيه الاتهامات.
وأكد شيروين، القائم بأعمال المدعي العام الفيدرالي للعاصمة واشنطن، أن التحقيقات تشمل الدور الذي لعبه ترامب في تحريض المتظاهرين، وأنه سيتم فحص تصريحات وملاحظات الرئيس قبل الهجوم. وقال إن المدعين الفيدراليين وجهوا 15 تهمة جنائية بهذا الشأن، بما في ذلك ضد رجل اعتقل وبحوزته بندقية عسكرية نصف آلية و11 زجاجة مولوتوف كانت جاهزة للتفجير.
ويتحرك مسؤولو إنفاذ القانون في واشنطن سريعا، لتوجيه اتهامات جنائية ضد مثيري الشغب خلال اقتحام مبنى الكونغرس، حتى في الوقت الذي تواجه فيه شرطة الكابيتول أسئلة جدية حول كيفية السماح بخرق المبنى.
ومن جانبه، طلب مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي(FBI) » من عامة الناس تزويده بأي معلومات تساعد في تحديد هويات مثيري الشغب الذين اقتحموا مبنى الكونغرس، وأضاف – في بيان – أنه مهتم بالحصول على أي تسجيل فيديو أو صور توثق الفوضى.
وفي هذا السياق، قالت وزارة العدل إن هناك مخاوف على الأمن القومي، بعد سرقة مواد من مكاتب في مبنى الكونغرس، ومنها مكتب نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب.
كما قال مسؤولون في وزارة العدل إن الأجهزة الأمنية الفيدرالية ستعلن عن إيقافات جديدة، على خلفية اقتحام أنصار الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب الكونغرس. وأشار الوزارة سالفة الذكر إلى أن مكتب التحقيقات الفيدرالي يقوم بالتحقق من الصور عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لتحديد المشتبه فيهم.
فيما أعلن ستيفن سوند، قائد شرطة الكابيتول، أنه سيستقيل اعتبارا من 16 يناير الجاري، نتيجة أعمال الشغب.
محاسبة ترامب
قال ميتش ماكونيل، زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، إن قيام أنصار ترامب باقتحام الكونغرس يدل على فشل المؤسسات المعنية في حماية السلطة التشريعية وإجراءاتها المتبعة.
وطالب ماكونيل في بيان بإجراء تحقيق معمق في ما حدث، مضيفا أن قادة الكونغرس من الحزبين بدؤوا نقاشا بشأن ذلك. كما ألقى باللائمة على «المجرمين»، الذين حطموا الأبواب وداسوا على العلم الأمريكي وهاجموا رجال إنفاذ القانون، في إشارة إلى أنصار ترامب، معتبرا أن من قام بالتحريض يتحمل أيضا المسؤولية.
ودعت موريل باوزر، عمدة واشنطن، إلى محاسبة ترامب على «الهجوم الإرهابي غير المسبوق على الديمقراطية الأمريكية». وأضافت خلال مؤتمر صحفي أن من الواجب عدم التقليل من الضرر الذي يمكن أن يلحقه ترامب بالديمقراطية الأمريكية، خلال الأسبوعين المتبقيين له في البيت الأبيض، حسب وصفها.
أما الرئيس فقد كان يسأل مساعديه ومحامين، بمن فيهم بات سيبولوني، مستشار البيت الأبيض، عن قدرته على العفو عن نفسه، حسبما قالت مصادر متعددة لشبكة «سي إن إن»، بما في ذلك العواقب القانونية والسياسية المحتملة.
وقال أحد المصادر إن بعض المحادثات جرت خلال الأسابيع الأخيرة، ومن غير الواضح ما إذا كانت استفسارات ترامب قد جاءت عقب أحداث الشغب، يوم الأربعاء الماضي، أم بعد المكالمة المثيرة للجدل التي أجراها ترامب مع براد رافينسبيرغر، سكرتير ولاية جورجيا.
فشل أمني
سادت حالة من الغضب في تغريدات الأمريكيين، بسبب الفشل الأمني في حماية مبنى الكونغرس أمام اقتحام داعمي ترامب للمبنى.
وفي تغريدة على «تويتر»، قال السيناتور الديمقراطي تيم كين إن ما استغرق فيه الكونغرس 24 دقيقة عام 2017 استمر لأكثر من 14 ساعة هذا العام، في إشارة إلى تصديق الكونغرس على فوز بايدن. وأضاف كين أن ذلك حدث لأن «المتمردين اليمينيين» المدفوعين من قبل الرئيس وبتحريض بعض النواب اقتحموا الكونغرس، دعما لجهود تهدف لقلب نتائج الانتخابات وتثبيت حكومة غير منتخبة.
وطالبت النائبة الديمقراطية إلهان عمر – في تغريدة لها على حسابها الرسمي على «تويتر»- بفتح تحقيق في ما أسمته «الفشل الأمني» في حماية الكونغرس. وأضافت إلهان: «لقد أنفقنا مليارات الدولارات على الأمن القومي، وفشلنا اليوم في حماية عاصمة بلادنا من الغوغاء الخارجين عن القانون».
خصوصا بعد أن قال كين كوتشينيلي، نائب وزير الأمن الداخلي، إنه عُثر على طرود متفجرة، الأربعاء الماضي، بالقرب من مقري الحزبين الديمقراطي والجمهوري في واشنطن.
ونقلت شبكة «فوكس نيوز» عن مصدر أمني أن الطرود كانت تحتوي على جهازين متفجرين، كما ذكر كوتشينيلي للشبكة أن الجهازين اللذين عثر عليهما متشابهان، ويبدو أن شخصا واحدا قام بوضعهما.
وأكد المسؤول الأمني أن إدارته تقوم بتتبع الطرود في العاصمة وكذلك بشمال فرجينيا، وأنها تأخذ هذه المسألة على محمل الجد.