تفاصيل الأشهر الأولى لوصول بوتفليقة إلى الرئاسة وهكذا تم تجميده
يونس جنوحي:
سبق للجنرالات أن تخلوا عن بوتفليقة، خصوصا قبل وصول اليمين زروال إلى السلطة، وسبق لهم أيضا أن حرموه حتى من حق الإقامة في الجزائر لكي يفضل أن يبقى بعيدا عن الصورة، وأشيع وقتها أنه عمل مستشارا لشخصيات مرموقة في الخليج، ولو أنه لا توجد أدلة دامغة على ذلك. بل إن بعض الدبلوماسيين من جنسيات عربية، خصوصا المصريين والعراقيين من فترة بداية حكم حسني مبارك وصدام حسين، تحدثوا عن ما يشبه «اللجوء» الذي استفاد منه بوتفليقة في الخليج خلال سنوات الثمانينيات من القرن الماضي، وأن بعض المساعي للوساطة بينه وبين الجنرالات باءت بالفشل رغم أن شخصيات عربية دخلت على الخط. ماذا وقع إذن لكي يصبح عبد العزيز بوتفليقة سنة 1999 هو المرشح الوحيد الذي مهد له الجنرالات بسهولة شديدة الوصول إلى الحكم؟
لا عداوة دائمة
في الجزائر، لا توجد عداوة دائمة. لكن الفكرة الأكثر إثارة للرعب، أنه لم تكن هناك صداقات دائمة أيضا. هل اضطر بوتفليقة إلى الثقة في الجنرالات لكي يعود إلى السلطة في الجزائر، ويستعيد أمجاد أيام كان وزيرا للخارجية بصلاحيات واسعة جدا، حيث لم يكن يفارق الهواري بومدين إلا عندما يتوجه إلى النوم؟
يقول هشام عبود في هذه المذكرات إن الجنرالات مهدوا الطريق كثيرا لعبد العزيز بوتفليقة لكي يصبح رئيسا للجزائر دون أن يقضي عليه أي منافس بطريقة غير محسوبة. وكأن الصناديق في الجزائر كان بإمكانها أن تقول كلمة غير تلك التي يريد لها الجنرالات أن تكون.
يقول هشام عبود إن بعض الأخبار انتشرت في الجزائر خلال الحملة الانتخابية لعبد العزيز بوتفليقة مفادها أن الرشوة مستفحلة بشكل كبير في الجزائر وتحدثت تلك الأخبار التي روجتها المعارضة الجزائرية مستغلة الحملة الانتخابية، عن فساد 15 جنرالا في الجيش، هم نواة «المافيا» التي تحكم الجزائر.
هؤلاء الجنرالات كانوا يسيطرون فعليا على الاقتصاد الجزائري. فكيف إذن سوف يتمكن بوتفليقة من إدارة اقتصاد البلاد كما اتفق مع الجنرالات أنفسهم؟
بدا واضحا أن الجنرالات سوف ينقلبون على بوتفليقة بمجرد دخوله القصر الرئاسي، ما داموا لا يزالون يسيطرون على الاقتصاد، الذي نص الاتفاق على أن يكون من اختصاص الرئيس. يقول هشام عبود: «لكي يغلقوا محيطهم جيدا، قام الجنرالات بتعيين رجلين من المافيا في مقر القصر الرئاسي، هما الجنرال محمد التواتي وبن عباس غزال، في منصب مستشارين. وفي الأخير، لكي يضعوا بوتفليقة تحت أعينهم وإطفاء أي غضب محتمل، قام الجنرالات بتعيين داعمه الأول الجنرال بلخير، على رأس الديوان الرئاسي. وقالوا له:
-هيا، تكلف بحصانك الصغير».
يقصد هشام عبود هنا بتوظيف كلمة «مُهر» باللغة الفرنسية في هذه المذكرات، في إشارة إلى عبد العزيز بوتفليقة، أن الأمر كان يتعلق بالمراهنة على الرئيس الجديد، تماما كما يقوم المقامرون في سباق الخيول برعاية الأحصنة الصغيرة إلى أن يشتد عودها ليقامروا عليها.
كان بوتفليقة، إذن، في نظر الجنرالات، بكل تاريخه الحافل في السلك الدبلوماسي ومع جيش التحرير الجزائري لما يقارب وقتها نصف قرن من السياسة، مجرد «مُهر» تولى الجنرال بلخير مهمة رعايته إلى أن يقامروا عليه عندما يصبح في أعينهم حصانا مستعدا لجري سباقات المسافات الطويلة.
عبارة أخرى وظفها هشام عبود تكشف واقع عبد العزيز بوتفليقة في الأشهر الأولى لتوليه رئاسة الجزائر، وهي العبارة التالية: «بوتفليقة صار معزولا».
الأكثر من هذا، يواصل هشام عبود، أن بوتفليقة، رغم تجربته السياسية الطويلة، بقي طوال العامين الأولين من وصوله إلى الحكم، شبه مجمد ولم يقدر على تنفيذ أي نقطة من الوعود الانتخابية التي قدمها للجزائريين. أي أن بوتفليقة كان سنة 2001 لا يستطيع الإقدام على أي إصلاح سياسي في الجزائر.