يونس جنوحي
الأخبار القادمة من غزة غطت على أخبار دولية أخرى كانت لتحظى باهتمام أوسع. معظم المنظمات الحقوقية، التي اعتادت ممارسة الصمت في بداية الأحداث، وجدت أنها مُجبرة على الخروج للتنديد بالجرائم الصهيونية في قطاع غزة، خصوصا مع ازدياد حالات قصف المستشفيات وانهيار «مسرحية» مصادرة أسلحة في قلب المستشفى الرئيسي بالقطاع.
وهكذا فإن الجهات الدولية التي تعتبر «حماس» تنظيما إرهابيا وتحمله مسؤولية ما يقع للفلسطينيين، وتنظر إلى العمليات العسكرية الإسرائيلية على أنها دفاع مشروع عن النفس، غرست رأسها في الرمال، اقتداء بطائر النعام، عندما تعلق الأمر بتنظيم طالبان.
ما وقع أن حكومة باكستان، في بحر هذا الشهر، بحسب مصادر إعلامية باكستانية، قررت عدم الدفاع مستقبلا عن قضية طالبان الأفغانية على المستوى الدولي، أو تقديم أي مساعدات أخرى بعد فشل كابول في القطع مع طالبان المحظورة.
هذه الخطوة تعني أن باكستان سوف تتوقف عن صرف الدعم الذي تعتبره الصحافة الباكستانية «امتيازا خاصا» لحكومة طالبان الأفغانية المؤقتة.
هذا التدهور في العلاقات بين البلدين، بسبب طالبان، تنبأ به محللون متخصصون في الشأن الآسيوي منذ أشهر. وقد تسبب منذ الآن في تراجع حظوظ طالبان في الحصول على اعتراف دولي، وأصبحت، بحسب ما نشرته صحيفة «تريبيون» الباكستانية، «أقل بكثير من أي وقت مضى».
تواصل الصحيفة القول إن مصادر رسمية صرّحت لها أن النوايا الحسنة الباكستانية والمساعدة المقدمة إلى حكومة طالبان الأفغانية، بعد حصولها على السلطة في صيف 2021، كانت تُعتبر أمرا مفروغا منه.
وتواجه باكستان حاليا انتقادات داخلية من فرقاء سياسيين في البلد لم يعجبهم تدخل بلادهم في الشأن الأفغاني، خصوصا عندما نصبت باكستان نفسها مدافعا عن الأفغان لرفع العقوبات على طالبان، وأيضا الدور الذي لعبته في محاولات الوصول إلى الأموال الأفغانية التي جمدتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد سقوط كابول.
طيلة الفترة الفاصلة بين خروج الأمريكيين من البلاد في غشت 2021، وشهر نونبر الحالي، كانت باكستان الداعم الأساسي للاقتصاد الأفغاني، وهو ما يعني أن باكستان صرفت حتى الآن ملايين الدولارات من المساعدات والتحفيزات في قطاع التجارة، على الخصوص، لتسهيل عمل الحكومة الأفغانية المؤقتة. لكن التوقف الحالي لهذا التعاون تفسره باكستان بعجز الحكومة المؤقتة عن القطع مع طالبان الأفغانية.
لن ينسى الباكستانيون أن أنشطة «طالبان» كانت وراء أحداث دموية عرفتها البلاد، والمعارضة اليوم تلوح بأن هناك مشاكل أمنية في باكستان سببها أنشطة طالبان.
وفي الوقت الذي ينفي فيه الأفغان هذه المعلومات، فإن الأزمة الاقتصادية تلوح في الأفق بعد إعلان باكستان تخليها عن دعم الأفغان.
الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، يشن هذه الأيام حربا سياسية شرسة ضد الرئيس بايدن. ويقول إنه فخور لأن فترة حكمه للولايات المتحدة لم تشن فيها البلاد أي حرب ضد أي بلد، ويتهم الديموقراطيين بشن الحروب باستمرار. وخلال فترة حكمه، لم يكن ترامب يُخفي أنه ليس فخورا بالتدخل العسكري الذي شنته بلاده على أفغانستان والعراق، وهو ما حول البلدين معا إلى خراب كبير.
لم يعد يخفى اليوم على الأمريكيين أن سياسات بلادهم كانت وراء ظهور جماعات مسلحة حول العالم بسبب سياستها الداعمة لإسرائيل. ورأينا جميعا كيف أن الخارجية الأمريكية أصيبت بالإحراج والخرس عندما طالب الصحافيون في الندوة الصحافية التي يحتضنها البيت الأبيض، الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض، بالإدلاء بما يفيد صحة الموقف الأمريكي ودعمه للعمليات العسكرية التي راح ضحيتها حتى الآن آلاف الأبرياء من الشيوخ والأطفال في قطاع غزة.
هناك محللون يضعون حماس وطالبان في سلة واحدة، رغم أنه لا يوجد أي عنصر مشترك بينهما، وهذا أكبر دليل على أن الأوضاع في العالم سوف تزداد سوءا بالتأكيد، ما دامت هناك قوى عالمية تحاول النظر إلى الأوضاع بنفس النظارات، حتى لو كان الظلام الدامس يخيم على الأجواء.