شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

تغول الفساد

في ظل حملات الوقاية من الرشوة ومطالب ربط المسؤولية بالمحاسبة، ومناداة الجميع بمحاربة الفساد، حتى من الفاسدين أنفسهم، جاء اعتراف رسمي ينضاف إلى اعترافات مؤسسات رسمية أخرى بتفشي وتغول فيروس الفساد. هذه المرة من قبل رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، الذي أكد أن الفساد يكلف المغرب سنويا من 3,5 إلى 6 في المائة من ناتجه الداخلي الخام، أي ما يمثل 50 مليار درهم.

مصيبتنا في الحكومات المتعاقبة عدم التقدير الصحيح للأرقام التي تطرحها المؤسسات المعنية، والمرور عليها كنص إنشائي، في حين يتعلق الأمر بمؤشرات مقلقة يجب أن تستنفر الجميع للتحرك وتدارك الأمر، تماما كما يفعل جسم الإنسان مع الجراثيم والفيروسات التي تهاجم مناعته، فيصاب بالحمى وتدق أجراس الإنذار للحماية من الدخول في غيبوبة، ومواجهة المرض والشفاء منه.

إن جمود ترتيب المغرب ضمن مؤشرات محاربة الفساد وعدم التحسن سوى بنقطة واحدة طيلة العقدين الماضيين، يتطلب من الجميع وقفة تأمل لمراجعة إلى أين نسير رفقة شبح الفساد، الذي لا يريد مفارقة الصفقات العمومية والتوظيف والترقيات بالقطاع العمومي والملفات القضائية والميزانيات واستغلال سلطة التوقيع والتصاميم التعميرية والتراخيص وكافة مناحي الاستثمار وإنشاء المقاولات والشركات، حيث لم يترك فيروس الفساد مؤسسة عمومية، إلا وأخذت نصيبا من عدواه الخطيرة.

هناك من يظن أن شبكات الفساد التي لا تظهر على السطح وتختفي على شكل شبكات منظمة بالعديد من المؤسسات العمومية، ويتزعمها سماسرة في كل المجالات، ستختفي بمجرد محاكمة برلمانيين، أو سجن مسؤولين، والحال أن هذه الشبكات تعمل بقاعدة الفساد المقنن، وتختفي خلف النصوص القانونية التي تلوي عنقها لتحقيق أجندات خاصة، كما تعمل على التكيف مع كل الحملات وتدفع في اتجاه عرقلة مشاريع قوانين يمكن أن تكشف عورتها أو تهدد تماسكها.

لقد قامت الدولة بمجهودات جبارة من أجل محاربة الفساد، لأنها تعلم تبعاته الكارثية على مستوى البطالة، وهروب الاستثمارات، وانكماش رأس المال، والرفع من الاحتقان الاجتماعي، لكن ما زالت النتائج المرجوة بعيدة المنال، بسبب خوف المبلغين من الانتقام، وعرقلة التشريعات القانونية المتعلقة بتجريم الإثراء غير المشروع، وتجميد كل محاولة جادة لمحاربة الفساد يمكنها التهديد الحقيقي لمصالح المتورطين.

حان الوقت للتعامل بتنسيق بين كافة المؤسسات المعنية، لردع شبكات السماسرة الذين ينشطون بالمؤسسات العمومية حتى الحساسة منها، ويقدمون التسهيلات مقابل الرشاوى الضخمة وعلاقاتهم المتشعبة مع مسؤولين ومنتخبين وبرلمانيين وحتى مسيري الصفحات الفيسبوكية المختصة في الابتزاز والتشهير، فضلا عن ضرورة تشجيع المقاولين والمستثمرين على وضع الشكايات والاهتمام بها ومعالجتها من قبل المسؤولين وفق السرعة والنجاعة المطلوبتين، والحسم العاجل في قضايا الرشوة والابتزاز وتتبع الطرق الملتوية المستعملة.

علينا تقوية كل ما من شأنه المساهمة في محاربة الفساد، من قبيل تسريع مشروع الرقمنة وفق الجودة المطلوبة، والصرامة في إهمال كل شكاية أو تسجيل التواطؤ مع المتورطين في جرائم الفساد أو التقارير المخدومة، وليس محاولة فرملة جمعيات حقوقية تنشط في المجال على قلتها وقلة من تعتمد الشفافية والنزاهة في تناول الملفات الخاصة بتسيير الشأن العام المحلي، لأن الاستباقية تقتضي أن يحس من يُشرف ويتحمل سلطة التوقيع أو يصرف المال العام أو يفوز أو يراقب الصفقات العمومية أن فوقه أكثر من كاميرا قانونية تراقبه، وبالتالي لا يرتكب جريمة الفساد من الأصل، وليس معالجة الملفات بشكل بعدي وضياع المال العام والمصلحة العامة دون طائل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى