محمد اليوبي
تعرف أحزاب الأغلبية الحكومية غليانا داخليا غير مسبوق بسبب حديث أمنائها العامين عن تعديل حكومي وشيك، لتجاوز وضعية «البلوكاج» التي تعرفها العديد من الإصلاحات الاستراتيجية الكبرى، بسبب الخلافات والصراعات بين مكونات التحالف الحكومي، وانقسام الأغلبية البرلمانية في التصويت على مشاريع القوانين المحالة من طرف الحكومة.
واستبق نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، التعديل الحكومي، الذي قد يعصف بوزراء حزبه، للتلويح بورقة الخروج من الحكومة، عندما قال، في تقرير المكتب السياسي للحزب الذي قدمه، أول أمس السبت، أمام الدورة الرابعة للجنة المركزية، «نوجد اليوم في قلب كل هذه المعادلات التي بعضها معقد وشائك، وبعضها اعتباطي ولا منطقي،،، مطوقين بما أخذناه على عاتقنا خلال الدورة الثالثة للجنة المركزية، على أساس مواصلة العمل من داخل التجربة الحكومية الحالية، بالرغم من كل ما تعرض له حزبنا وأضعف من قدراته عموما، لكن دائما مع الاحتفاظ بحريتنا واستقلاليتنا في اتخاذ كل مبادرة مخالفة إذا فرضتها الضرورة».
وأكد بنعبد الله أن حزب التقدم والاشتراكية سيظل مرتبطا بما قررته اللجنة المركزية السابقة، على أن تظل كافة الاحتمالات واردة، بحسب قدرة هذه الحكومة على تحريك الإصلاحات الأساسية، أو التخلف عنها، وأضاف «نعم، مجهودنا سنواصله بحسن نية وصدقٍ ومسؤولية ووطنيةٍ عالية، لتصحيح ما يمكن تصحيحه، ومن أجل أن يكون لنا دور إيجابي في تقريب وجهات النظر بنفس إصلاحي قوي، وإنْ لم ننجحْ في ذلك بالدرجة المرضية، فأكيد أنه سيكون لذلك الحادث حديث آخر، وأنتم من سيقرر في الوقت المناسب أي موقع مناسب على حزبنا أن يصطف فيه».
وتحدث بنعبد الله عن وجود ضبابية والتباس وارتباط تخيم على المشهد السياسي، مشيرا إلى أن ملفات الإصلاح الكبرى والأساسية تكاد تكون معطلة، من جراء عدد من القضايا الخلافية التي برزت في الفترة الأخيرة، سواءٌ بشكل طبيعي أو مفتعل، والتي تم استعمالها سياسويًا من قبل عدد من الفرقاء الذين من المفترض أنْ يكونوا شركاء، في إشارة إلى الخلافات التي اندلعت بين مكونات التحالف الحكومي، وهو «ما يزيد من تأزيم الوضع والتباسه، ويخفّض إلى أدنى المستويات منْسوب الأمل في إبداع الحلول للإشكالات والملفات المجتمعية المطروحة، فما بالك في القدرة على تنفيذها وتفعيلها بتماسكٍ وتضامنٍ والتزام»، مشيرا إلى «افتعال بعض الخلافات وتضخيم الاختلافات أو إخضاعها لحسابات أقل ما يقال عنها أنها صغيرة وسياسوية ولا مسؤولة».
وأضاف بنعبد الله «ففي ثنايا المزايدات العقيمة يضيع التواصل الحكومي مع الناس والمؤسسات، وتضيع الإصلاحات الكبرى، ويضيع الزمن والجهد، وتخبو آمال الشعب، ويزداد الشعور باللامعنى واللاجدوى من الفعل السياسي والمؤسساتي، ويتراجع الحماس والاهتمام، وتتعمق الهوة بين المواطنين والأحزاب والسياسة، وتضيع الجدية والمسؤولية»، داعيا إلى تجاوز ما أسماه العبث الذي ينفر المواطن من كل عمل سياسي هادف، مشيرا إلى أن الحاجة ملحة أيضا إلى «ترشيد آليات التحالف الأغلبي الذي يشتغل، للأسف، بعيدا عن منطق الحكامة الجيدة، وتتحكم فيه المقاربات السياسوية ومتاهات حسابات حملةٍ انتخابيةٍ سابقة لأوانها»، متحدثا عن «البلوكاج» الذي تعرفه مسطرة المصادقة على مشروع القانون الإطار للتربية والتكوين، حيث «غابت مرةً أخرى الرؤية الموحدة لأطراف الأغلبية، وغابتْ معها روح تحمل المسؤولية الجماعية وتوارى مبدأ التضامن، ليحلّ محلّه صراعٌ تبسيطي وتسطيحي، حتى لا نقول إنه ذاتي وسياسوي»، وأضاف «وفي خضم ذاك النقاش البيزنطي المبتذل، اختفى كلّ نقاشٍ جدّي حول معنى وتفاصيل إصلاح منظومتنا التعليمية، وتأخرت المصادقة على مشروع القانون الإطار، وسقطنا في ما سقطتْ فيه بلادنا كل مرة، ألا وهو تفويت فرصة الانكباب المسؤول على النهوض بمكانة المدرسة العمومية الضامنة لمبدأ تكافؤ الفرص، وتجويد وتعميم التعليم».