شوف تشوف

الرئيسيةسياسية

تعثر تنزيل استراتيجية غابات المغرب

عجز في برنامج التشجير وضياع ملايين الشتائل الغابوية

محمد اليوبي

 

بعد توقف لأكثر من سنة ونصف، يعتزم المجلس الإداري للوكالة الوطنية للمياه والغابات عقد دورته الثالثة بين 13 و15 يناير الجاري بمدينة إفران. ويتزامن عقد هذه الدورة مع مرور خمس سنوات من عمر استراتيجية غابات المغرب 2020- 2030، التي تعرف تعثرا في التنزيل، ومن المنتظر أن يصادق المجلس على مراجعة أهداف الاستراتيجية.

وفي ما يخص تشجير وتخليف المجالات الغابوية، كشفت أرقام رسمية وردت في عرض قدمه وزير الفلاحة والصيد البحري أمام أعضاء مجلس النواب بمناسبة مناقشة الميزانية الفرعية للوزارة، أن حصيلة عملية التشجير للفترة الممتدة ما بين 2021 و2024 بلغت 150 ألف هكتار، وهو ما يمثل عجزا بنسبة 40 بالمائة في بلوغ الهدف نصف المرحلي الذي يبلغ 250 ألف هكتار، بمعدل 50 ألف هكتار سنويا ابتداء من سنة 2020. هذا العجز تؤكده برمجة 70 ألف هكتار من التشجير سنة 2025 أي ما يمثل زيادة تقدر بـ 40 بالمائة عن البرنامج السنوي الموصى به في الاستراتيجية.

أما بخصوص تفويت الإنتاج السنوي للشتلات الغابوية بنسبة 100 بالمائة للقطاع الخاص، فإنه لا يمكن اعتباره إنجازا للوكالة أو حتى للاستراتيجية وذلك لسبب بسيط وهو أن خوصصة عملية إنتاج الشتائل الغابوية كانت تتم من طرف القطاع الخاص منذ ما لا يقل عن 20 سنة خلت، ولم يطرأ عليها أي تغيير في عهد المدير العام للوكالة اللهم تغيير مكونات التربة الخاصة بالإنتاج للرفع من ثمن الشتلة لا غير. وأكدت المصادر أن الوكالة أطلقت صفقات لتوريد ملايين الشتائل الغابوية تستحوذ عليها مقاولة محظوظة، دون توفير الحفر لغرسها، ما يجعلها عرضة للإتلاف والضياع، كما وقع بعدة مشاتل.

وبخصوص تحسين تقنيات زراعة وإنتاج الشتائل، أكدت المصادر أن المواصفات التقنية المنصوص عليها في دفاتر التحملات الخاصة لطلبات العروض المعلنة لا تتضمن أي جديد يهدف إلى تحسين تقنيات زراعة وإنتاج الشتائل وإنما تكرس ما كان معمولا به سابقا، والدليل على ذلك وجود ملايين الشتائل مكدسة بالمشاتل أثبتت المعطيات العلمية أنها لا تحترم معايير الجودة المطلوبة، خاصة في ما يتعلق بالتربة (terreau)، والخث  (tourbe) والسماد العضوي (compost).

أما بخصوص إنتاج الشتائل، فتشير الأرقام المقدمة في العرض إلى أن كثافة الغرس في فترة 2021-2024 بلغت معدل 680 شتلة/هكتار لكنها ستنخفض سنة 2025 إلى 428 شتلة/هكتار. هذا الانخفاض في معدل كثافة الغرس بالمقارنة مع الرفع من المساحة المبرمجة للتشجير، أفادت المصادر بأنه يحمل في طياته العديد من علامات الاستفهام، وتبقى هاته التساؤلات مشروعة في ظل غياب بعض المعطيات المهمة والدالة والتي بإمكانها أن تمكن كل متتبع للشأن الغابوي، سيما أعضاء مجلس الإدارة، من تكوين صورة دقيقة ومنطقية عن وضعية تفعيل ركيزة التشجير التي تعد من ركائز استراتيجية غابات المغرب.

ومن هذا المنطلق، يطالب مهتمون بالشأن الغابوي، المدير العام للوكالة الوطنية للمياه والغابات، بتزويدهم في إطار الحق في الحصول على المعلومة، أو على الأقل تزويد أعضاء مجلس الإدارة، باعتباره الجهاز المكلف بتدبير الوكالة الوطنية للمياه والغابات، بكل المعلومات لتكوين صورة واضحة حول القيمة المضافة التي حققها التحول المؤسساتي في مجال التشجير، كما ستمكن هاته المعطيات المتتبعين وأعضاء مجلس الإدارة من رؤية واضحة لطبيعة العجز المسجل، ومدى قدرة الوكالة على تجاوز الإشكالات المطروحة خلال خمس سنوات من تنزيل الاستراتيجية وتحقيق أهدافها.

أما في ما يتعلق بمحور خلق نموذج جديد بمقاربة تَشَارُكية، تفيد المعطيات المتوفرة بأنه، إلى حدود متم سنة 2024، تم توظيف 76 منشطا ترابيا فقط وهو ما يمثل عجزا يقدر بـ70 بالمائة عن الهدف نصف المرحلي المحدد في 250 منشطا ترابيا، ويشكل توظيف 500 منشط ترابي تحديا حقيقيا بالنسبة للوكالة، إذ لن يحقق سوى إثقال الكتلة الأجرية للوكالة بالنظر لمحدودية مردوديته. وتبقى نسبة المساحة المبرمجة للتشجير موضوع تعرضات الساكنة، ونسبة المساحة موضوع التعويض عن حق الرعي من أهم المؤشرات عن نجاح أو إخفاق الوكالة في تفعيل هذا المحور.

وحسب المعطيات فإنه، إلى متم 2024، تم إحداث 56 هيئة استشارية وهو ما يمثل عجزا يبلغ 44 بالمائة في تفعيل هذه الركيزة الأساسية من ركائز استراتيجية غابات المغرب. إلى جانب ذلك فإن وتيرة إعداد مخططات التنمية الغابوية لا تساير وتيرة خلق الهيئات الاستشارية (36 مخططا من أصل 56 هيئة استشارية) وهو ما أدخل النظم الغابوية في حالة من الفراغ المؤسساتي لم يعرف مثيلا له منذ إنشاء إدارة المياه والغابات سنة 1917.

وبخصوص التعويض عن حق الرعي، أكدت المصادر أن مسؤولي الوكالة يبرهنون بما لا يدع مجالا للشك عن عدم درايتهم الجيدة بالمقتضيات القانونية التي تؤطر تدبير الملك الغابوي بالمغرب، إذ إنه لا يمكن في هذا الصدد الحديث عن حق الرعي لأنه وبكل بساطة وطبقا للمادة 21 من ظهير 10 أكتوبر 1917 حق الرعي لا يشمل أصلا المناطق الممنوعة.

وبخصوص التعاقد مع الجمعيات الرعوية، كشفت المعطيات أن الوكالة تعاقدت مع 198 جمعية رعوية على مساحة تبلغ 76135 هكتارا، لكن لم تكشف الوكالة عن المعطيات الدقيقة والكافية لتقدير القيمة المضافة للوكالة في هذا المجال، ولذلك فإن المدير العام مطالب بتزويد أعضاء المجلس الإداري بهذه المعطيات بخصوص أسماء الجمعيات المتعاقدة وتاريخ إنجاز أول تعاقد والمساحات المتعاقد بشأنها، ففي غياب هذه المعطيات لا يمكن تقييم عمل الوكالة في هذا الورش، وأكدت المصادر أن 99 بالمائة من هاته الجمعيات بدأت تعاقدها حول المساحات الممنوعة من الرعي في تاريخ سابق حتى لإطلاق الاستراتيجية.

ومن جهة أخرى، تشير أرقام الوكالة إلى إنجاز عملية التشجير لمساحة 150 ألف هكتار، في حين أن المساحة موضوع تعاقد مع الجمعيات الرعوية تبلغ 76135 هكتارا، مما يدفع إلى التساؤل حول مصير الـ73865 هكتارا المشجرة، وهو ما يؤكد تسجيل عجز بنسبة 49 بالمائة، هذا بطبيعة الحال إذا افترضنا أن الـ 76135 هكتارا المتعاقد حولها تهم المساحة المنجزة في الفترة ما بين 2021 و2024، لكن واقع الحال يثبت غير ذلك.

وعلى صعيد آخر، تضيف المصادر، فإن البرنامج التوقعي لسنة 2025 يتسم بزيادة قدرها 9855 هكتارا مقارنة بسنة 2024 في حين أن برنامج التشجير في سنة 2025 يهم 70 ألف هكتار، وهو ما يعني 70 ألف هكتار إضافية من المساحة الممنوعة من الرعي، وهنا يبقى التساؤل عن مصير 60145 هكتارا، وعما إذا كان المسؤولون عن الوكالة على دراية تامة بالترابطات البديهية بين جميع مكونات المهنة الغابوية.

وأفاد مصدر مسؤول بالوكالة بأن برنامج المجلس الإداري للوكالة يتضمن زيارة ميدانية لبعض المحطات بمدينة إفران. وأكد المصدر أن جميع المحطات المبرمجة أنجزت قبل إطلاق استراتيجية غابات المغرب، ويتعلق الأمر بمحيط التشجير «تيكريكرة» الذي تم إنجازه في سنة 2003، ومحيط «دار الأرزية» الذي تم تدشينه سنة 2018 من طرف المندوب السامي السابق، وانطلق إنجاز المشروع في سنة 2009، كما سيزور أعضاء المجلس المحمية البيولوجية السهب، وكان هذا المشروع مبرمجا وأنجز في فترة المندوبية السامية، ليبقى السؤال المطروح هل يتعلق الأمر بتقييم عمل الوكالة أم سيتحول إلى الركوب على إنجازات سابقة للتغطية على فشل ذريع في تنزيل استراتيجية غابات المغرب.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى