محمد اليوبي
أعلنت إدارة المياه والغابات (التي سميت منذ يناير من السنة الماضية بالوكالة الوطنية للمياه والغابات»ANEF» ) في عام 2020 عن التحديات الرئيسية التي يواجهها قطاع الغابات، مثل الاستغلال المفرط، والضغط المتزايد على الموارد الطبيعية، وتأثيرات التغيرات المناخية، وكذلك التقدير غير الكافي وغير الفعال للموارد الغابوية.
وأشارت الإدارة إلى أن عدم اتخاذ أي إجراءات سيعرض مشروع التنمية القروية بأكمله إلى الخطر بحلول عام 2050، من خلال تسريع تدهور الغطاء الغابوي، وفقدان القيمة المضافة وزيادة واردات الخشب، ما يزيد من هشاشة ساكنة المناطق الغابوية.
واستهدفت استراتيجية التنمية الوطنية للغابات «غابات المغرب 2020-2030»، المقدمة في 13 فبراير 2020 أمام الملك محمد السادس، حل هذه المشكلات، كما تهدف إلى إيجاد توازن بين الحفاظ والتنمية وجعل القطاع أكثر تنافسية واستدامة من خلال تدبير شامل ومولد للثروات، ومن خلال تضمين السكان المحليين في صميم تدبير الغابات، وتوفق هذه الاستراتيجية بشكل مناسب بين الضرورات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
وفي أفق عام 2030، تتوقع الاستراتيجية غرس 600 ألف هكتار من الأشجار بمتوسط قدره 60 ألف هكتار سنويًا، وتهدف إلى استعادة 133 ألف هكتار من الغطاء الغابوي، مع زيادة المساحة المزمع غرسها إلى 50 ألف هكتار، مع التوجه نحو 100 ألف هكتار في نهاية المطاف.
وأكدت مصادر من الوكالة أنه، بعد ثلاث سنوات من إطلاق هذه الاستراتيجية، باتت المساحة المغروسة بعيدة عن تحقيق الأهداف التي حددتها الوكالة بين عامي 2020 و2023، حيث لم تصل سوى 38 بالمئة من الهدف، ما يمثل 75 ألف هكتار فقط. وأوضحت المصادر أنه، حتى بداية شهر دجنبر الجاري، لم تبدأ أي عملية غرس بمناسبة السنة الحالية، حيث لا تزال المصادقة على صفقات التشجير والتجديد تعرف بعض التأخير على المستوى المركزي، ما أدى إلى تأخير الأعمال التحضيرية للتربة، التي كان يفترض أن تكون انتهت عادة في هذا الوقت، مقارنة مع السنوات السابقة، استعدادًا لبدء عملية الغرس.
وعلى الرغم من بذل الجهود الكبيرة من قبل الجهات لاحترام التقويم البيولوجي للغرس، فقد تعثرت هذه الجهود بسبب المذكرة 4505DG/ الصادرة بتاريخ فاتح نونبر الماضي، من طرف المدير العام للوكالة، عبد الرحيم هومي، وتطلب هذه المذكرة عشرات المستندات للموافقة على الصفقات، على الرغم من أن الاتجاه العام يتجه نحو التحول الرقمي، وأن المستندات المطلوبة متاحة على مستوى بوابة الصفقات العمومية، ما يجعل هذا الإجراء أكثر إرباكًا.
وكشفت المصادر أن الوكالة تتجه لإيجاد حلول ترقيعية سريعة للخروج من المأزق، من خلال إعطاء الأوامر حاليا لبدء عملية إعداد الحفر وبالتالي ستكون عملية الغرس جد متأخرة في أواخر شهر مارس المقبل، وبذلك ستكون قد صححت خطأ بخطأ أكبر منه، وارتكبت أكبر عملية هدر للمال العام، لأن الخطأ الأول يتجلى في هدر ملايين الدراهم في إنتاج الشتائل دون إعداد الحفر اللازمة لغرسها، والخطأ الثاني هو هدر ملايين الدراهم في إعداد الحفر وغرس الشتائل في الوقت غير المناسب، ما يجعل حظوظ نجاحها ضعيفة جدا.
وحسب المصادر، فإن هذا الإجراء يمثل خطوة غير لائقة بشكل خاص للوكالة التي من المفترض أن تكون أكثر حرصا على المحافظة وحماية البيئة، خاصة في ظل العدد الكبير من الأشجار التي سيتم قطعها لاستعمالها في إنتاج المنتوجات الخشبية.
علاوة على ذلك، تضيف المصادر، تنتظر الملايين من الشتائل المخصصة لمناطق التشجير في المشاتل نقلها إلى هذه المناطق، لكون الصفقات المتعلقة بها لم تكتمل بعد، وأخيرًا، وبسبب التعديل الذي قامت به الوكالة في ما يخص دفتر التحملات ونظام الاستشارة، تم تغيير الصفقات، من مساحات صغيرة ومتوسطة (50 إلى 300 هكتار) إلى صفقات ذات مساحات كبيرة (700 إلى 1000 هكتار)، وأبانت التجربة أن هذه التغييرات أصبحت نموذجا فاشلا، لأنها تركز كل الجهود على عدد قليل من الشركات، ما يخلق تبعية خطيرة لهذه الشركات التي تحتكر جل الصفقات، وبالتالي تصبح هذه الصفقات قابلة للتعثر في حال حدوث نزاع مع إحدى هذه الشركات.
وكان هذا الإجراء أيضا، حسب المصادر، سببا في عدم مشاركة العديد من الشركات الصغرى والمتوسطة التي تم إقصاؤها بسبب شروط تعجيزية تم إدراجها في نظام الاستشارة بطلبات العروض، وبالتالي احتكار الصفقات من طرف الشركات الكبرى التي تدخل ضمنها شركات يملكها عضو بمجلس الإدارة، والدليل على ذلك أن العديد من طلبات العروض مرت دون جدوى، ما أدى إلى تعثر وعدم تنفيذ نسبة كبيرة من برنامج التشجير. وأشارت المصادر إلى أنه من المفروض، حسب القوانين الجاري بها العمل، تخصيص نسبة لا تقل عن 20 بالمئة من الصفقات للشركات الصغرى والمتوسطة التي تساهم بشكل كبير في إنجاح برامج التشجير.
وأمام مؤشرات الفشل هاته، دق أُطر ومهندسون بالوكالة ومهنيون ناقوس الخطر، وطالبوا بفتح تحقيق في تعثر هذا الورش الكبير، وتحديد المسؤوليات بشكل واضح واتخاذ التدابير التصحيحية اللازمة، وأكدوا أن سوء التخطيط، وعدم الإعداد الجيد، والعمليات المشوشة وبطء التنفيذ، كلها علامات فشل تهدد استراتيجية «غابات المغرب 2020-2030» المقدمة أمام الملك محمد السادس.