سهيلة التاور
بعد الانتشار الواسع وحالة الهلع التي خلفها فيروس كورونا، ظهرت في الصين وكوريا الجنوبية تقنية جديدة تعتمد في تعقب الأشخاص الملزومين بالحجر الصحي على تطبيق خاص يتم تثبيته على الهواتف الذكية. هذه التدابير الجديدة، خلال هذه الفترة العويصة التي يمر منها العالم بأسره، لاقت استحسانا كبيرا لكنها تثير تساؤلات عديدة حول مدى حماية هذه التطبيقات للبيانات الفردية الخاصة.
حثت كوريا الجنوبية والصين المواطنين على تحميل تطبيقات إلكترونية على هواتفهم المحمولة، وذلك من أجل استغلال هاته التطبيقات للتمكن من معرفة وتتبع حالات الإصابة وتاريخها والأعراض المصاحبة لها. المعلومات التي يتم تحميلها على تلك التطبيقات باتت تسهل عملية المراقبة الصحية وإن كانت تطرح بعض الإشكالات حول الحياة الشخصية للأفراد.
تطبيق كوريا الجنوبية
في كوريا الجنوبية، يجب على المسافرين القادمين من الصين الخاضعين للحجر التلقائي، تنزيل تطبيق في نهاية هذا الأسبوع على هواتفهم الذكية. أصيب 30.000 شخص، معظمهم في دايجو ومنطقتها، مركز الالتهاب الرئوي الفيروسي في البلاد. المبدأ بسيط: بعد تنزيل التطبيق، يجب على الشخص وضع علامة أمام الخانات المخصصة للأعراض كل يوم: «هل لديك حمى، نعم أم لا؟» «هل تسعل؟»، «هل تواجه صعوبة في التنفس؟» بناء على هذه المعلومات، إما أن تبقى في المنزل أو أن تكون مدعوًا لإجراء اختبار الفيروسات التاجية.
وتم تطبيق هذا النظام لأنه، على الرغم من غرامة قدرها 7500 أورو تقريبًا لأولئك الذين لا يتبعون التعليمات من طرف وزارة الصحة، يستمر البعض في عدم الالتزام بها.
تطبيق الصين
اعتمدت الصين على تطبيق عبارة عن «رمز الاستجابة السريعة على الهاتف الذكي» لجميع المواطنين. فهو يقوم على رمز ثلاثي الألوان أخضر أو أصفر أو أحمر يوجه تحركاتك. تم تأسيسها لأول مرة في هانغتشو، عاصمة مقاطعة تشجيانغ، التي تضررت بشدة من وباء كورونا، قبل أن تنتشر في مدن أخرى. إنه المقر الرئيسي لشركة Alibaba، عملاق البيع بالتجزئة عبر الإنترنت الذي أنشأ نظام GPS هذا المرتبط بـ Alipay، تطبيق الدفع الإلكتروني للهواتف المحمولة في الصين. «الرمز الأخضر، يمكنك التحرك! أحمر أو أصفر: أبلغ على الفور! » في هانغتشو، يحتاج الجميع إلى هذا التطبيق للذهاب إلى العمل، أو لدخول مسكنهم أو للذهاب إلى المركز التجاري.
يمكن للشرطة أن تتدخل إذا لم تتبع رمز اللون، «كودAlipay الصحي» كما تسميه وسائل الإعلام الصينية. يجب أن تظهر على الهاتف أرجل بيضاء أو رمز أخضر أينما ذهبت. لكن تظل هناك أخطاء في بعض الأحيان. فقد سجل عند بعض الأشخاص الرمز الأحمر دون أن يكونوا في منطقة خطر أو دون أن يترددوا على مصابين بالفيروس، وسرعان ما تم القبض عليهم من قبل الدورية، وأحيانًا بسيارة خاصة حتى لم تعد السرية الطبية موجودة. فالذين يظهر عندهم الرمز الأصفر أو الأحمر يجب أن يظلوا محصورين لمدة 14 يوما للأحمر، و7 أيام للأصفر. خلال هذه الفترة، يجب أن تظل مسجلاً للدخول إلى التطبيق والرد على المعلومات المطلوبة. في النهاية، إذا سارت الأمور على ما يرام، يتحول الرمز إلى اللون الأخضر. لكن في كل الأحوال الشرطة تكون على علم بتحركات محملي هذا التطبيق.
طريقة عمل التطبيق
يسجل المستخدمون اشتراكاتهم في تطبيق «كاشف التماس المباشر» بإدخال رقم الهاتف والاسم ورمز الهوية، ومن ثم مسح رمز الاستجابة السريعة على هواتفهم. وبعد ذلك، سيقوم التطبيق بإبلاغ المستخدم ما إذا كان قد اقترب من أحد المصابين، وهذا يشمل أفراد العائلة وزملاء العمل وحتى الغرباء في وسائل النقل العام. وإذا تبين أن المستخدم كان كذلك فعلاً، فهذا يعني أنه مريض أو حامل للمرض، ويوصيه التطبيق بحجر نفسه صحياً، ويقوم بإبلاغ السلطات الصحية المحلية (يستطيع كل شخص أن يتحقق أيضاً من حالة ثلاثة أشخاص آخرين). ليس من الواضح بالضبط كيف يحدد التطبيق التماس المباشر، على الرغم من أن صحيفة «شينوا» الحكومية أشارت إلى احتمال استخدام بيانات من السلطات الوطنية للنقل والصحة. غير أن الاختبارات ليست مثالية الدقة، خصوصاً بالنسبة للأمراض الجديدة، ما يعني احتمال وجود نتائج إيجابية وسلبية خاطئة كثيرة.
في حالة فيروس كورونا تحديداً (الذي يسمى كوفيد 19- COVID19، توجد الكثير من العوامل المؤثرة على الدقة، مثل عدم أخذ المسؤولين الصينيين للحالات الخفيفة بعين الاعتبار في التعداد، على الرغم من أنها قد تكون معدية أيضاً، والأعداد الكبيرة من الأشخاص الذين لم يدخلوا إلى المستشفيات، ما يشير إلى أن المرض قد يكون أكثر انتشاراً مما تفصح عنه الأرقام الرسمية. وهناك الكثير من التقارير حول النتائج السلبية الخاطئة، ولهذا فإن قاعدة البيانات لا تشمل بالضرورة جميع الأشخاص الذين يمكن أن يعرضوك للإصابة بالمرض. وهذا قد يؤدي إلى شعور زائف بالأمان، ويدفع بالناس إلى إهمال حماية أنفسهم. علاوة على ذلك، فإن التماس المباشر ليس العامل المهم الوحيد، بل هناك أيضاً قابلية الشخص للإصابة بالمرض، وهو ما لا يأخذه التطبيق بعين الاعتبار على ما يبدو.
تسجيل البيانات
يهدف تطبيق التماس المباشر إلى حماية الأشخاص الأصحاء، ولكن لا يحمي البيانات الخاصة بالأشخاص سواء المصابين أو الأصحاء. فحاليا بات من المستحيل نسيان الهاتف النقال في الشقة والخروج بدونه وإلا يكون الشخص في ورطة بعد عبوره بعض الرادارات المخصصة لذلك. وفي الوقت نفسه يخشى بعض المدافعين عن حقوق الإنسان أن يظل هذا التتبع للآثار الرقمية ساريا حتى بعد السيطرة والقضاء على الوباء. على أي حال، فهذا التطبيق السهل عملية التعرف على المصابين، حيث في الأول كان النظام الصيني قائما على الذكاء البشري بالطريقة القديمة، ذلك الذي قامت به لجان الأحياء التي تراقب الشخص وتمنعه من ترك شقته إذا كان يعتبر في خطر أو مصدر خطر.
ويمثل تطبيق التماس المباشر أداة لجمع البيانات بشكل أساسي، فإذا صُنف شخصٌ ما على أنه حامل محتمل للعدوى، فإن الحكومة تمتلك معلومات هذا الشخص وصولاً إلى رمز هويته. لقد تحول سكان ووهان، وهي المدينة الصينية الواقعة في بؤرة تفشي المرض، إلى منبوذين في الصين نفسها، فقد قامت السلطات بتعقب العديد من الأشخاص من المدينة، وشجعت المواطنين على الإبلاغ عن بعضهم البعض مقابل مكافآت مالية، ووصل الإجحاف إلى درجة أجبرت حتى مسؤولي الحكومة على الدعوة إلى المزيد من التفهم. وبوجود تطبيق يحمل معلومات تفصيلية كهذه، إضافة إلى ما يطلق عليه البعض تسمية تاريخ طويل من الإذلال العام في الصين مثل «جلسات النزاع المخصصة لإذلال شخص ما علناً»، أو الاجتماعات التي يتبادل فيها المواطنون التهم، فقد تتجه الأمور نحو الأسوأ بسرعة. وتعتبر منصات التواصل الاجتماعي هي المكان الأفضل لتحقيق هذا، بعد أن تحولت إلى ما يشبه الساحة العامة للصين بأكملها.
ميزة ذكية
يرى البعض أن هذه الميزة قد تكون مفيدة للغاية، بحيث تعاني المؤسسات الصحية في جميع أنحاء العالم من ضعف الموارد، خصوصاً خلال الأزمات. وإذا تمكنت الحكومة من استخدام أدوات الاتصال للوصول إلى المصابين المحتملين، فقد تتمكن من تقديم المساعدة وتخفيف العبء عن المستشفيات. كما توجد أيضاً خطوات يمكن للحكومة أن تتخذها لتجنب السلبيات، مثل الحرص على سرية المعلومات الشخصية في قاعدة البيانات وعند استخدام التطبيق، ورفض توصيف حي أو مكان محدد كمركز للعدوى، وتطوير خدمة مرافِقة للتوعية حول مضار التعرض للعدوى أو مساعدة الأشخاص على تنظيم الجهود التطوعية.
ولكن، وعلى الرغم من أن ظهور تطبيق كهذا قد يكون مستحيلاً في بلدان أخرى، فإنه يمثل دليلاً على رغبة عامة في استخدام المعلومات للحصول على صورة لنشاط الوباء باستخدام البيانات الكبيرة. وعلى سبيل المثال، فقد حاول باحثون من «جوجل» توقع ظهور الأنفلونزا عن طريق عمليات البحث التي يُجريها المستخدمون. نتج عن هذه المحاولة برنامج «جوجل فلو تريندز»، الذي بالغ بنسبة تفوق 50 في المائة في تقديراته حول انتشار الأنفلونزا لموسمين.