شوف تشوف

الرئيسيةسري للغايةسياسية

تشرفتُ بالجلوس فوق كرسي صُنع خصيصا للريسوني في إسبانيا

ترجمة حصرية لمذكرات المغامِرة البريطانية روزيتا فوربس (7)

يونس جنوحي:

مررنا عبر مخيمات متعددة، حيث كان الرجال يجلسون أمام خيامهم حتى تهب عليهم النسائم الملطفة للجو.

ثم بعد ذلك، وبين أكوام الحجارة المتراكمة، والجدران المدمرة، حيث تعرضت الأرض للقصف، وبدت في الأسفل صخور من الجير..، ظهر لنا شابان يرتديان ملابس زاهية الألوان.

غمغم أحد الواقفين:

-إنهما ابنا الشريف.

كانا شابين غارقين في جلابتين بلون زهرة «بوتونيا». وجهاهما يطلان من بين ثوب الجلابة ليكشفا عن شعر أشعث كشعر رجال البرية.

وصلنا إلى طريق مرصوص بالحجارة، يمر بين المسجد، البناية الوحيدة في قرية «تازروت» التي نجت بمعجزة من الحرب، ومنزل الريسوني.

هرول العبيد ناحيتنا قبل أن نتجاوز قوس الباب الكبير الذي كان لا يزال يحتفظ بنقوش زخرفة قديمة، لكي يُنزلوا أمتعتنا.

في ناحية اليسار، كانت هناك قبة قبر سيدي محمد بن علي. وهو أحد أجداد الشريف من القرن السابع عشر. الممر أمامنا كان يفضي إلى ساحة تشغل نصف المجمع السكني للشريف. كان طول المسكن تقريبا مئتا ياردة، وكانت هناك مساكن كثيرة خلف أسوارها العالية.

إحدى البنايات كانت «زاوية»، وأخرى فيها غُرف الريسوني، وهي مرتبطة بالمسكن القديم، حيث توجد مقبرة العائلة ومنازل الحريم.

كانت هذه الأرض تبعث على الخوف، وليس مسموحا أبدا لأي مسيحي أن يدخلها. لكن خلال الاحتلال الإسباني، التُقطت صور لداخل الدار الكبيرة. إحدى هذه الصور يعاد نشرها في هذا الكتاب. حيث كان المكان مختلفا، وبني فيه سقف مؤقت بالحديد المقوس.

هذه البناية تتضمن، في الطابق الأرضي، مجموعة من المخازن. وفي الأعلى، كانت هناك مجموعة من غُرف الاستقبال. حيث كان الشريف يتناول الطعام مع أصدقائه وأتباعه. وفي آخر المنزل، كان هناك مبنى قديم من القش. كان سابقا إقامة للشريف، والآن خصص لكي يصبح مدرسة لابنه. وفي الأعلى كانت هناك غرف للزوار.

بالقرب من كل هذا، نصبت خيمة ثوبها كان باللونين الأبيض والأسود، وفوقها كانت هناك شجرة ترخي ظلالها على الجنبات، وخلفها تتناثر خيام أصغر منها حجما.

أومأ إليّ الشريف بدر الدين بالدخول قائلا:

-هذا منزلك.

ثم واصل:

-ونحن خُدامك.

كان الممشى مفروشا بالزرابي مسطرا، وإلى جانبه توجد أغطية فوق بعضها البعض. كان قطر الغرفة حوالي عشرين قدما. والجدران كانت مغطاة كلها بمنسوجات بيضاء. ووسائد محشوة قاسية. كانت هناك أيضا طاولة فوقها شمعدان ضخمان من النحاس الأصفر، وشمعدانات طويلة من الفضة، وقنينات من ماء الزهر وبعض العطور المنزلية المصنوعة من مستخلصات الورد.

لكن الطاولة لم تكن تُستعمل أبدا، لأننا كنا دائما نأكل وجبات الطعام على الأرض.

شربتُ أول كأس من الشاي قُدم لي في «تازروت»، وكتشريف لي، دُعيت إلى الجلوس فوق كرسي يستعمله الشريف، صُنع خصيصا له في إسبانيا لكي يناسب جسده الضخم.

 كان القمر واضحا في السماء، وهب نسيم على الخيمة حمل معه رائحة النعناع وشقائق النعمان.

كان وجها مولاي الصدّيق وبدر الدين يبدوان في الظلام مثل الأشباح، غارقين في ثوبيهما الواسعين مثل ملابس الرهبان.

كان يصلنا من بعيد صوت «إنشاد».

قال القايد:

-إن الصوت قادم من المسجد. سيدي محمد بن علي مدفون هناك. هو الذي ربح حرب «جبل علان» في سنة 1542، عندما قُتل الملوك الثلاثة. قوة الشرفاء الريسونيين بدأت منذ ذلك اليوم. وصل سيدي محمد ومعه قبائل جبالة، عندما كان المسلمون تحت ضغط كبير وعلى وشك الهزيمة. وصاح فيهم: تسلحوا وتشجعوا باسم الله. دعيني أقول لك إن رأس النصراني يومها لم يكن يساوي أكثر من خمس عشرة أوقية.

الملوك الثلاثة الذين قصدهم، هم الدون سيباستيان ملك البرتغال، وسلطان المغرب، ثم زعيم المحاربين من قبائل مغربية.

عندما انتهت الصلوات في المسجد، تحرر سيدي محمد الخالد من ملابسه المكوية التي يؤدي بها العبادات، وجاء لكي يرانا.

استقبلنا بخجل كبير. كان بأنف غائر، نحيفا ورقيقا مثل فتاة.. كان شعره المصبوغ بالحناء، لكي يزداد طوله، متخلفا عن جبهته البارزة ببوصتين.

كانت طباعه تجعله يبدو أحمق بالنسبة لعربي ينحدر من نسب عريق. وبدل أن يتحدث جهرا، كان يهمس فقط. عندما وبخه الشريف بدر الدين، أجابه قائلا:

-نحن المُسلمون كلنا قادرون على القتال ومتوحشون. وأنا أسوأهم. والدي يريد أن يصنع مني عالِما، لأن علماء بني عروس مشهورون عبر تاريخ الإسلام. لكنني لا أحب الكتب.

-وماذا تُحب؟

-أحب شيئا واحدا فقط: الحرب. إنه من المؤسف أننا لم نعد نحارب.

-وماذا تفعل لكي تُروح عن نفسك الآن؟

-الصيد. هل تريدين المجيء معي إلى الجبال لكي نصيد القردة؟ إن الأمر ممتع. سوف نذهب ليلا عندما يكون هناك ضوء القمر. لكن الأرض صعبة هناك، يتعين علينا ترك الخيول ونمشي على الأقدام. تأتي القردة واحدة تلو الأخرى وتبدأ في الصراخ. ونطلق عليها النار.

-لا أتوفر على بندقية.

-هذا غير مهم. يمكنك أن تختاري. لدينا هنا كل الأنواع. بنادق ألمانية، إسبانية، فرنسية، ولدينا أيضا مسدسات إذا أردتِ. لكن الصيد، على كل حال، ليس ممتعا جدا مثل الحرب.

بعد هذه المحادثة، عم الصمت.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى