تزامنا مع صدور تقرير وحدة معالجة المعلومات المالية التابعة لرئاسة الحكومة، الذي كشف تزايد جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، تدارس مجلس الحكومة في اجتماعه الذي انعقد أمس الخميس، مشروع قانون يتعلق بتغيير وتتميم القانون المتعلق بمكافحة غسل الأموال، يقدمه وزير العدل، محمد بنعبد القادر، يتضمن مجموعة من المستجدات بخصوص محاربة الجرائم المالية.
وأوضحت المذكرة التقدمية لمشروع القانون، أن العالم عرف في السنوات الأخيرة ظاهرة إجرامية أرهقت الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، هي جريمة غسل الأموال وإخفاء العائدات المتحصلة من الجريمة، وذلك إما بإخفاء مصادرها أو مكانها أو أصحاب الحق فيها أو المستفيدين منها لمنع الكشف عنها والحيلولة دون ملاحقتها أو ضبطها، فضلا عن إتاحة الفرصة لإعادة استخدامها في تعزيز أنشطة إجرامية أخرى كتمويل الإرهاب وغيره من الجرائم، وهو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة بؤر الإجرام وذيوع الفساد على نطاق واسع بما يهدد أمن المجتمعات وأنشطتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ولذلك فقد كان من الطبيعي أن تزداد قناعة المنظومة الدولية والوطنية إلى الحاجة إلى مواجهة جريمة غسل الأموال، الأمر الذي حدا بالدول إلى وضع تشريعات حاسمة لمكافحتها، كما حدا بالمنظمات الدولية، الأممية، والإقليمية، إلى صياغة مجموعة من المعايير والتوصيات لتطويقها والحد من آثارها.
واعتبارا لكون المغرب عضوا مؤسسا وفاعلا في مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ سنة 2004، تشير المذكرة، وانخراطا منه في الجهود الدولية الرامية إلى محاربة الفساد بكل تجلياته، تم سنة 2007 إصدار القانون المتعلق بمكافحة غسل الأموال وتنصيب وحدة معالجة المعلومات المالية سنة 2009، وذلك إرساء لمنظومة وطنية لمكافحة الفساد وتخليق الحياة العامة تهدف إلى تكريس الشفافية وضمان تكافؤ الفرص وحماية المال العام وتشجيع الاستثمار وإصلاح مناخ المال والأعمال، وأوضحت المذكرة، أنه حرصا من المغرب على تمكين سلطات تنفيذ القانون من تعقب الأموال غير المشروعة وضبطها تمهيدا لمصادرتها في النهاية، ولملاءمة المنظومة التشريعية الوطنية مع المعايير الدولية المعتمدة في هذا الباب من طرف مجموعة العمل المالي، ومن أجل تجاوز أوجه القصور التي تضمنها النص الحالي المستمد أساسا من المؤاخذات التي أبان عنها التقييم المتبادل في جولته الأولى والثانية، وتفاديا للجزاءات التي يمكن أن تصدر من الهيئات المذكورة والتي من شأنها التأثير على الجهود التي يبذلها المغرب في تحصين نظامه المالي والاقتصادي، بادرت وزارة العدل إلى إعداد مشروع القانون، ومن خلال عقد سلسلة من الاجتماعات على مستوى الوزارة والأمانة العامة للحكومة، تم التوافق بين القطاعات الحكومية والهيئات المعنية على التعديلات الواردة فيه.
وتتمثل أهم مضامين مشروع القانون، التأكيد على اختيار نظام اللائحة بدل المنهج الحدي في اعتماد الجرائم الأصل لجريمة غسل الأموال، وذلك بتتميم لائحة الجرائم الواردة في الفصل 574 من القانون الجنائي، بإضافة جرائم الأسواق المالية وجريمة البيع أو تقديم خدمات بشكل هرمي، ورفع الحدين الأدنى والأقصى للغرامة المحكوم بها على الأشخاص الذاتيين في جريمة غسل الأموال المنصوص عليها في الفصل 574 من القانون الجنائي، وذلك تماشيا مع المعايير الدولية التي تستلزم كون العقوبة المحكوم بها في هذا النوع من الجرائم يجب أن تكون رادعة.
ومن أبرز مستجدات القانون، اعتماد مفاهيم جديدة وإعادة صياغة التعاريف المنصوص عليها في المادة 1 من قانون غسل الأموال، على ضوء متطلبات المعايير الدولية، مع مراعاة النصوص القانونية الجاري بها العمل، من قبيل تعريف “المستفيد الفعلي” و”علاقات الأعمال” و”الترتيب القانوني”، وتعزيز إجراءات اليقظة والمراقبة الداخلية وإرساء قواعد الاعتماد على أطراف ثالثة من أجل تنفيذ المقتضيات المتعلقة بتحديد هوية الزبون والمستفيد الفعلي وبفهم طبيعة علاقة الأعمال، وينص مشروع القانون على ربط سلطات الإشراف أو المراقبة بالأشخاص الخاضعين، بإضافة السلطات الحكومية المكلفة بالداخلية والسلطة الحكومية المكلفة بالمالية بالنسبة للكازينوهات ومؤسسات ألعاب الحظ، والسلطة الحكومية المكلفة بالسكنى بالنسبة للوكلاء العقاريين، وإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة بالنسبة لتجار المعادن النفيسة أو العاديات أو الأعمال الفنية، على أن تحتفظ وحدة معالجة المعلومات المالية بدورها كجهة إشرافية ورقابية بالنسبة للأشخاص الخاضعين الذين لا يتوفرون على جهة إشرافية ورقابية محددة بالقانون.
ويتضمن القانون مقتضيات تتعلق بإضافة عقوبات تأديبية إلى العقوبات التي تصدرها سلطات الإشراف والمراقبة في حق الأشخاص الخاضعين كالتوقيف المؤقت أو المنع أو الحد من القيام ببعض الأنشطة أو تقديم بعض الخدمات، وينص القانون كذلك على استبدال تسمية “وحدة معالجة المعلومات المالية” بتسمية “الهيئة الوطنية للمعلومات المالية”، وتعزيز اختصاصاتها وإبراز دورها المحوري داخل المنظومة خاصة فيما يتعلق بدورها في مجال التنسيق بين القطاعات المعنية والتمثيل المشترك للسلطات المغربية لدى الهيئات والمنظمات الدولية والجهوية، كما ينص المشروع على إحداث آلية قانونية وطنية لتنفيذ قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ذات الصلة بالإرهاب وتمويله وانتشار التسلح على غرار جل الدول، يعهد إليها بالسهر على تطبيق العقوبات المالية من خلال تجميد ممتلكات الأشخاص الذاتيين أو الاعتباريين الواردة أسماؤهم باللوائح الملحقة بالقرارات الصادرة عن مجلس الأمن.