في كل مرة يتوصل فيها محمد كريمين، رئيس بلدية بوزنيقة المعزول، باستدعاء للمثول أمام قاضي التحقيق يتذرع بالمرض ويرسل شهادة طبية مكانه، رغم أن الجميع يراه جالسا “صحة سلامة” في اجتماعات مع رئيس الحكومة. ويبدو أن كريمين “غادي يخرج على شي طبيب” كما صنع مبدع الفقيه بنصالح الذي “خرج” على طبيبين واحد “بناج” والثاني “أخصائي توليد”.
ويجر كريمين خلفه عدة ملفات كلها مفتوحة في غرف التحقيق، منها تصاميم البناء المزورة، وصفقات شركة أزبال البدراوي، والدعم الفلاحي الذي نالته الجمعية الوطنية لمنتجي اللحوم الحمراء التي يترأسها.
وفقط في ملف شبهة تبديد أموال الدعم المقدم لصالح الجمعية تم إلى حدود اليوم الاستماع من طرف عناصر الفرقة الوطنية لنائب كريمين في جمعية اللحوم الحمراء، الخرصي، الذي يتحمل أيضا مسؤولية جمعية الخيول وينظم مهرجانا للفروسية ببوزنيقة ويحصل على دعم مقابل ذلك.
كما تم الاستماع إلى عزيز البدراوي مالك هولدينغ المراعي المتخصص في تربية العجول والأبقار وإنتاج الحليب ومشتقاته. كل شيء بدأ عندما كشف عزيز أخنوش سنة 2019 وهو وزير الفلاحة في البرلمان خلال جلسة شفوية أنه أرسل مفتشية من الوزارة لإجراء افتحاص وتحقيق في تحويلات مالية من الجمعية التي يرأسها كريمين إلى حساب نائبه بالجمعية ذاتها. وكان الجدل حينها قد بدأ حول اختلالات مالية خطيرة شابت عملية الدعم المالي الموجه لإنتاج اللحوم الحمراء، ويتعلق الأمر بمئات الملايين حولها كريمين للحساب الشخصي لنائبه.
كان الهدف من مبلغ الدعم المقدر بـ4000 درهم الذي أقرته وزارة الفلاحة في إطار مخطط المغرب الأخضر لكل فلاح عن كل عجل تنجبه بقراته شريطة أن يكون الإنجاب عبر التلقيح الاصطناعي بمصل الأبقار المنتجة للحوم الموجهة للاستهلاك، هو تحقيق الاكتفاء الذاتي من اللحوم الحمراء. غير أن جزءا من هذا الدعم انتهى في الحساب البنكي الخاص بنائب رئيس الجمعية الوطنية لمنتجي اللحوم الحمراء بحجة أن الفلاحين لا يتوفرون على حسابات بنكية وأن مبالغ الدعم تم تسليمها لهم “كاش”.
جمعية كريمين للحوم الحمراء لم تكن فقط تتحكم في توزيع الدعم الحكومي على الفلاحين بل إنها تتحكم أيضا في حقن الهرمونات والأمصال الخاصة بتسمين العجول والأبقار وهي من تبيعها حصريا للفلاحين بمبلغ 150 درهما للحقنة في الوقت الذي تشتريها بـ70 درهما للحقنة.
وطبعا العجول والأبقار التي يتم حقنها تنقطع عن الإنجاب، وعندما لا يكون هناك إنجاب طبيعي لا تعطي الأبقار الحليب وهذا هو السبب الحقيقي لأزمة إنتاج الحليب ومشتقاته، خصوصا الزبدة التي تضاعف استيرادها وحلق سعرها في السماء.
وقد يتساءل متسائل كيف أن جمعية كريمين شجعت حقن العجول والأبقار بهرمونات التسمين طيلة سنوات من الدعم الوزاري بالمليارات من أموال دافعي الضرائب، ومع ذلك وقعت أزمة لحوم واضطررنا لاستيراد الأبقار والعجول من البرازيل. فأين الخلل إذن؟
الخلل الخطير والذي يجب فتح تحقيقات جنائية بشأنه، لأن الأمر يتعلق بالمس بالأمن الغذائي للمغاربة، هو هل كانت الإحصائيات والأرقام التي ظلت تقدمها جمعية كريمين لوزارة الفلاحة صحيحة أم مزورة؟ بمعنى هل كان عدد الفلاحين الذين يستفيدون من دعم الوزارة الموجه لتشجيع إنتاج اللحوم الحمراء والذي كانت تصرح به الجمعية صحيحا أم أنه كان مضخما؟
لأنه إذا ثبت فعلا أن الجمعية قدمت معطيات مغلوطة لوزارة الفلاحة، سواء حول عدد القطيع الوطني من الأبقار والعجول أو حول ترقيمها، خصوصا أن هناك اتهامات للجمعية بعدم إرسال متخصصين لترقيم القطيع بل تقتصر على منح كل فلاح عددا منها للقيام بذلك بنفسه وكثيرون لا يقومون بذلك، فإننا نفهم أخيرا السبب الحقيقي لأزمة اللحوم التي ضربت هذا القطاع الفلاحي المدعوم بالمليارات منذ سنوات.
وفي النهاية فها نحن نتحسر على ضياع القطيع الوطني ونتباكى على انهيار قطاع الحليب ومشتقاته وتبخر مليارات حقن التسمين، في الوقت الذي نرى فيه كيف تم تسمين حسابات بنكية لأشخاص كانوا مستأمنين على إيصال الدعم للفلاحين البسطاء.
إن أي طبيب يمنح شهادة طبية مرضية لواحد من هؤلاء المشتبه في تبديدهم لأموال دعم هذه القطاعات يستحق أن يفصل من مهنته وأن يتابع بتهمة عرقلة سير البحث والعدالة.
هكذا سنقطع نهائيا مع “بسالة” الشهادات الطبية التي يرسلها المطلوبون للتحقيق لوكلاء الملك لتأجيل وعرقلة البحث القضائي.